آفة حارتنا النسيان - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

آفة حارتنا النسيان

نشر فى : الأربعاء 8 يوليه 2015 - 11:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 8 يوليه 2015 - 11:05 ص

ومن أسف أن بعض النقاشات العامة، البعيدة عن قضايا «الساعة» ومنقطعة الصلة إن بسبل مواجهة الإجرام الإرهابى أو بسبل إيقاف المظالم والانتهاكات والقوانين الاستثنائية أو بسبل إدارة صراعات الحكم / السلطة دون تورط فى عنف وإلغاء للديمقراطية، سرعان ما يغيب أثرها وسرعان ما يخبو الاهتمام بها على الرغم من جديتها الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية.

منذ شهور قليلة خلت، أدى تكرر جرائم التحرش الجنسى إلى تبلور نقاشات واسعة حول العنف ضد النساء فى المجال الخاص (العنف المنزلى) وفى المجال العام (فى الشارع وفى وسائل المواصلات وفى أماكن الدراسة والعمل)، وكذلك بشأن حزمة التشريعات اللازمة لحماية كرامة النساء وإيقاف العنف ضدهن والتعديلات الواجب إدخالها على أفعال وممارسات جهات إنفاذ القانون المنوط بها تنزيل الحماية التشريعية لكرامة النساء وحقوقهن وحرياتهن إلى واقع معيش والسياسات الجديدة التى يتعين اعتمادها لفرض المساواة بين النساء والرجال وللقضاء على جميع أشكال التمييز ضدهن. ثم، وبعد بضعة أيام من النقاشات الواسعة ودون التثبت من حضور التوافق المجتمعى لجهة التشريعات والتعديلات والسياسات المقترحة ودون شروع المؤسسات والأجهزة الرسمية فى تطبيقها وبالقطع دون اختفاء جرائم التحرش الجنسى وغيرها من الجرائم، غاب كل أثر للأمر وما عاد يتحدث عنه أو يكتب بشأنه أحد.

منذ أسابيع قليلة خلت، أدى تجدد جريمة تهجير أسر قبطية من أماكن معيشتها على خلفية نزاعات وتوترات طائفية مقيتة وفى عصف كامل بسيادة القانون وبقيمة المواطنة وبضمانات حقوق وحريات الناس التى تجرم التهجير وفى تورط مؤسف لفاعليات مجتمعية والأخطر لبعض المؤسسات والأجهزة الرسمية إلى تبلور نقاشات واسعة حول التمييز ضد مواطنات ومواطنى مصر من الأقباط، حول سبل إيقاف الجرائم والممارسات التمييزية عبر دفع المؤسسات والأجهزة الرسمية إلى الالتزام بسيادة القانون والمواطنة وتحفيز فاعليات المجتمع على إعادة اكتشاف قيم قبول الآخر واحترام التعددية والتسامح وعبر تمرير حزمة تشريعية جديدة فى موقع القلب منها قانون مناهضة التمييز وتعديلات سياسية تستهدف فى الجوهر منع انزلاق المؤسسات الرسمية لإنفاذ القانون إلى غياهب استساغة التمييز العرفى أو العرف التمييزى، حول طرق تحصين المواطن والمجتمع والدولة ضد جميع أشكال التمييز الدينى والمذهبى والعرقى وضمان حقوق مواطنة متساوية للجميع وكفالة حرية الاعتقاد للمسلمين (سنة وشيعة) والأقباط واليهود والبهائيين. ثم، وبعد بضعة أيام من النقاشات الواسعة ودون حضور نتائج تشريعية أو سياسية ملموسة باستثناء عودة الأسر القبطية التى كانت قد هجرت من محافظة بنى سويف إلى أماكن عيشها، غاب كل أثر للأمر وما عاد يتحدث عنه أو يكتب بشأنه أحد.

منذ أيام قليلة خلت، أدى تصاعد جرائم الاختفاء القسرى لمواطنات ومواطنين من الشباب وصمت الأجهزة الأمنية المتصل وامتناعها عن الكشف عن مصائر الضحايا إلى تبلور نقاشات واسعة أدانت الانتهاك الصريح لحقوق الإنسان الذى تمثله جريمة الاختفاء القسرى، وطالبت بإلزام الأجهزة الأمنية بمقتضيات الشفافية وبإخضاعها للرقابة وللمساءلة وللمحاسبة للحيلولة دون تغولها على المواطن، وحذرت من العواقب الكارثية لاستمرار تورط الحكم فى السياسات والممارسات القمعية ولاستعدائه لقطاعات شعبية كبرى أبرزها الطلاب والشباب والعمال. ثم، وبعد بضعة أيام من النقاشات الواسعة ودون كشف مصائر كل ضحايا الاختفاء القسرى ودون جبر الضرر عنهم وعن ذويهم ودون مساءلة ومحاسبة الأجهزة الأمنية وصناع القرار العام وحلفائهم القابضين على الحكم بشأن مجمل انتهاكات الحقوق والحريات، غاب كل أثر للأمر وما عاد يتحدث عنه أو يكتب بشأنه أحد.

لم نزل على قيد الحياة، غير أن آفة حارتنا هى النسيان وخلاصنا من التخلص منه.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات