ما بعد الزلزال.. ما قبل الحرب - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 2:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد الزلزال.. ما قبل الحرب

نشر فى : الأربعاء 8 نوفمبر 2017 - 10:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 نوفمبر 2017 - 10:30 م
الأسئلة الكبرى تطرح نفسها على وقع الزلزال السياسى فى بنية الدولة السعودية.
إلى أين يمكن أن تفضى توقيفات أعداد كبيرة من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال ومالكى الشبكات التليفزيونية، التى تبث من الخارج، بذريعة «مكافحة الفساد»؟
بصورة أو أخرى تقوضت ركائز الحكم التقليدية، التى بنيت فوقها الدولة، دون أن تتبدى ركائز جديدة لها قدرة الثبات والدوام.
كما هو معروف أسست المملكة على تحالف عضوى بين الأسرة الحاكمة والمذهب الوهابى.
لم يعد هناك ما تسمى «الأسرة الحاكمة»، فقد احتجز ممثلو أفرعها الرئيسية على خلفية صراعات السلطة الضارية بين أحفاد الملك المؤسس «عبدالعزيز بن سعود» ونكل بهم على نحو غير معتاد، أو مسبوق.
كما تصدع إلى حد كبير نفوذ المذهب الوهابى، أكثر المذاهب الإسلامية تشددا وغلوا وتخلفا، دون أن ينهض بناء أيديولوجى جديد يسد الفراغ ويلتحق بالعصر.
انهارت الشرعية التقليدية دون أن تتأسس شرعية جديدة تسمح بالتحول إلى دولة حديثة ــ دولة مؤسسات وقانون ومحاكمات عادلة.
ما جرى ــ بالضبط ــ انقلاب داخلى متكامل الأركان لحسم السلطة لولى العهد «محمد بن سلمان» حتى لا تكون هناك أى منازعة عليها مستقبلا.
بترجمة ثانية فهو «انقلاب استباقى» خشية الإطاحة به بعد غياب الملك «سلمان» حيث يحظى بانتقادات حادة داخل أسرته جراء سياساته واندفاعاته.
الانقلاب مضى دون مقاومة تقريبا، وهذا بذاته دليل على هشاشة الوضع السياسى للأسرة واستهلاك نظام البيعة لزمانه وشرعيته.
الأهم أنه حظى بغطاء كامل من الولايات المتحدة الحليف التاريخى التقليدى، ولكل شىء ثمنه المالى والاستراتيجى.
كان لافتا أن الحجة الرئيسية، التى استخدمها الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» لدعم التوقيفات، بدت مالية محضة ــ فالذين صدرت بحقهم إجراءات قاسية «ابتلعوا ثروات السعودية على مدى سنوات»، رغم أنه هو نفسه لا يخفى توجهه لابتلاع تلك الثروات كلها.
لا يعكس ذلك كامل الأهداف الأمريكية، فما هو إقليمى أهم وأخطر.
كانت الضربة الافتتاحية للزلزال السعودى فى صباح اليوم نفسه استقالة رئيس الحكومة اللبنانية «سعد الحريرى» من الرياض، لا بيروت، ومن وسيلة إعلامية سعودية حصريا، لا من أى وسائل إعلامية لبنانية.
لماذا الآن تأزيم الوضع الداخلى اللبنانى، كأن كرة لهب ألقيت على مسارحه السياسية؟
لا يشك أحد أن القرار سعودى، ولأسباب سعودية فى نظرتها إلى لبنان ودورها فيه.
هناك إدراك فى الرياض أنها خسرت كل الأزمات التى تداخلت فيها ــ سوريا والعراق واليمن حيث خاصرتها الجنوبية وخشية من أن تفضى الجوائز الأخيرة بعد انتهاء الحرب على «داعش» إلى تقويض دورها فى الإقليم على نحو لا يمكن ترميمه مقابل صعود الدور الإيرانى.
كان لبنان هو البطن الرخو كاختبار للقوى والموازين وسيناريوهات المستقبل.
جرت الاستقالة المفاجئة لـ«الحريرى» دون مقدمات تشى باحتمالها، فقد بدت تصريحاته باليوم السابق على شىء من التفاؤل بنجاح مهمته فى رئاسة الحكومة فضلا عن لقائه المثير مع «على أكبر ولاياتى» أحد كبار مستشارى المرشد «على خامنئى».
لم يكن لبنان بكل مؤسساته وقواه السياسية المتعارضة طرفا فى الاستقالة، أو تحديد مواقيتها والأهداف منها ــ كأنه تبة ضرب نيران.
اللعب على الحافة بإنهاء التسوية التى صعد بمقتضاها العماد «ميشيل عون» لرئاسة الجمهورية و«الحريرى» لرئاسة الحكومة مجازفة كبرى بأمن لبنان وسلامه الداخلى وسعى لجره إلى احترابات مذهبية وتمهيد ــ بذات الوقت ــ لعدوان إسرائيلى جديد.
احتمالات الحرب مع إيران شبه مستبعدة بالنظر إلى موازين القوى العسكرية.
واحتمالات العدوان على لبنان ممكنة، إذا لم يحدث تفجيرا داخليا، لكن كلفته باهظة.
باليقين إسرائيل تقف على الخط، تتابع وتنظر فى استثمار الموقف المتأزم.
على الأغلب فإنها كانت على علم مسبق بالاستقالة المفاجئة عبر الاتصالات شبه العلنية الجارية مع السعودية، أو بواسطة «جاريد كوشنير» صهر الرئيس الأمريكى المعروف بميوله الصهيونية وصلاته الوثيقة برئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، الذى زار الرياض قبل فترة وجيزة من الحوادث الدراماتيكية.
لم يتردد «نتنياهو» فى التقاط مغزى الاستقالة من أنها «جرس إنذار» لخطورة التمدد الإيرانى.
هكذا أخذت صورة الحوادث السعودية المتلاحقة ملامحها الأولى.
لا يمكن ــ بأى حساب ــ فصل ما هو داخلى حول صراعات السلطة والمال والنفوذ ومستقبل الحكم نفسه عما هو إقليمى حول الأزمات المشتعلة بالنيران وتوزيع القوة والنفوذ بعد الحرب مع «داعش».
بعد ساعات من ليلة الانقلاب العائلى أعلنت الحوادث عن تطور خطير باستهداف مطار «الملك خالد» فى الرياض بصاروخ باليستى طويل المدى من الأراضى اليمنية.
لم تكن هذه المرة الأولى التى تستهدف الأراضى السعودية بمثل هذه الصواريخ غير أن ردة الفعل اختلفت حيث اعتبرتها الرياض عدوانا عسكريا مباشرا تتحمل مسئوليته طهران، التى سارعت بنفى الاتهامات على لسان كبار مسئوليها.
بدا التصعيد الإعلامى المتبادل منذرا باحتمالات انفلات السلاح غير أن أحدا لا يتوقع مثل هذا السيناريو والأغلب أن توكل المهمة إلى أطراف بالنيابة، وربما تتدخل إسرائيل لتصفى حساباتها مع «حزب الله».
قد يوفر تصريح الوزير السعودى «ثامر السبهان» من أن وجود «حزب الله» فى الحكومة والبرلمان، أو أى مؤسسة أخرى لبنانية، «إعلان حرب على السعودية» ذريعة إضافية للتدخل الإسرائيلى.
استبعاد «حزب الله» ــ بحسابات الوزن السكانى الذى يمثله فضلا عن قوته العسكرية ــ دعوة صريحة للحرب الأهلية.
واستبعاد «حزب الله» ــ بحسابات قوة الردع الاستراتيجية من منظور الحق فى المقاومة ــ دعوة مبطنة للتدخل العنيف.
إلى أين يمضى هذا التصعيد الإعلامى؟
هناك نقطة ما قد تنفجر عندها الأوضاع المأزومة.
فى الأزمة اللبنانية نجحت إلى حد ما سياسة التهدئة بامتصاص صدمة استقالة رئيس الحكومة على النحو الذى جرت به، لكننا مازلنا فى أول الزلزال وتوابعة سوف تتوالى بصيغ وسيناريوهات مختلفة لتفجير الوضع.
يقال ــ عادة ــ إن لبنان مرآة العالم العربى، وما قد يحدث فيه له تداعيات أكبر من حجمه.
وفى الأزمة اليمنية فإنها مرتهنة لحسابات ما بعد إنهاء الأزمة السورية، أو لأية صفقات كبرى تتبع نهاية الحرب على «داعش».
إذا ما استمرت الأمور عند ذلك القدر من التصعيد الإعلامى دون نقله إلى مستوى عسكرى نوعى كاستهداف «أبوظبى» بصواريخ باليستية ــ حسب تهديدات إعلامية، فإنه يمكن التحكم فى مسار الأزمة رغم مأساوية الوضع الإنسانى.
فى هذه الحالة قد تضطر مصر لدخول ميادين المواجهات العسكرية وينجرف الإقليم كله إلى حروب مدمرة بلا نهاية.
فى إدارة الأزمتين اللبنانية واليمنية افتقدت الدبلوماسية السعودية ما عهد عنها تقليديا من محافظة وتروٍ، حيث يغلب على المسئولين الجدد صفات الرعونة والتهور وعدم إدراك مغبة النتائج.
الأمر نفسه ينصرف إلى دورها بالأزمة السورية حيث تتقرر فى ميادينها مصائر الأزمات الأخرى.
هناك الآن حقائق جديدة تتحرك على الأرض، مناوشات واشتباكات وتصعيدات تنذر بانفلاتات وتداعيات وتدخلات وربما حروب تأخذ الإقليم إلى المجهول وتضع مستقبل السعودية كدولة موحدة بين قوسين كبيرين.