من الظلمات إلى النور 2 ــ مستويات الجهل.. ج ــ الجهل القبيح - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من الظلمات إلى النور 2 ــ مستويات الجهل.. ج ــ الجهل القبيح

نشر فى : الخميس 8 نوفمبر 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 8 نوفمبر 2018 - 9:35 م

الأجيال من قبلنا كانت أقرب إلى الحقيقة، وأكثر مراعاة للحق، لذلك كانوا يقسمون الجهل إلى مستويين إما جهل بسيط، وإما جهل مركب، وكان الجهل المركب ولا يزال لا يخرج عن تعمد شخص جاهل بشىء أن يعلن عن علمه بذلك الشىء الذى يجهله، وذلك فى حدود المجلس الذى يجلسه تباهيا بالعلم ومشاركة فى الشرف وحبا فى الظهور وحسب، لكن فى أيامنا هذه تزايدت نماذج الجهل وعلا صوته وتجاوز حدود الجهل المركب الذى لا يزيد عن المشاركة فى الحوار بشأن ما لا يحسنه.
ــ1ــ
أصبحنا نرى ونسمع ونقرأ لبشر لا يحسنون بل لا يدركون ما يتكلمون فيه. وإذا تجرأ الجاهل فأمسك بالقلم يسود به الورق، أو امتدت أصابعه إلى «لوحة المفاتيح» «الحاسب الآلى» مستثمرا «الشبكة العالمية» ويسارع بجمع بعض الكتابات ثم يتناولها بسياسة «القص واللصق» ــ كما كنا نصنع فى حصة الرسم والأشغال ــ وينتهى إلى إعداد كتاب!!! وقد يجد ناشرا مغامرا وقد ينشره على حسابه. ورغم هذا الحد القبيح فإن آثاره الضارة محدودة بعدد من يشترى الكتاب أو ينظر فيه ويكتشف أن صاحب الكتاب لا علاقة له بالموضوع. وبدلا من أن يحمل الغلاف صفة «السارق» أو «المنتحل» أو «الجهول» يحمل صفة المؤلف.. وهكذا تلقى المطابع ودور النشر بعشرات الآلاف من الجهالات المسروقة والمرصوصة فى ذلك السجل.
ــ2ــ
وهذا النموذج البشع السابق الإشارة إليه يبقى هينا قليل الخطر إذا ما تم مقارنته بنموذج آخر، ففى أيامنا هذه بعد أن مر قرابة قرنين من الزمان على ظهور الصحافة فى بلادنا وما أنتجته وولدته من نوافذ (الإذاعة، التليفزيون، الفضائيات..الخ).. فمع اتساع هذه المساحة انتشر نموذج آخر من الجهل القبيح، ومن مظاهر هذا الجهل القبيح أن توافيك نوافذ الإعلام بمادة إعلانية مدفوعة الأجر وترتدى زى الإعلام!!! بل الإعلام المحايد، وترى هؤلاء قد أصيبوا مع الجهل بعوار فى الرؤية والرأى يشنعون على «المشتبه فى سرقة درهم» ويغضون الطرف عن سارق الآلاف والملايين!! فهل حق هذا «أعور الرأى» أن يكتب؟! وإذا كان ذلك من حقه، فهل من حق رئيس التحرير تمرير هذا الجهل القبيح؟!!
ــ3ــ
وقد يكون المتاح السائد حائلا لا يسمح بالتصحيح، ويمكن أن يوجد سبب لنشر القرار والدعوة إلى تأمينه، فإن لم يكن صاحب القلم قادرا على مراعاة الحقيقة، فلا يجوز له المشاركة فى الباطل مهما كانت الظروف. والأمر لا يتطلب ثورة ولا انتفاضة، ولا حتى تراشقا بالكلام، ولا يتطلب إلا إعلان عدم الدقة «وعدم الحرفية»، أو الإشارة إلى عدم المناسبة وأنا لا أنسى أن الرئيس أنور السادات ــ فى فترة من حكمه ــ تجاوز المعقول والمقبول وأصحبت تصرفاته وربما أقواله لا تطابق الحقيقة والواقع، سأل أحد المواطنين رئيس الوزراء د.محمود فوزى، عن تصرفات وأعمال الرئيس السادات وبماذا توصف؟ فكانت إجابة د.محمود فوزى نحن نرى «مسرحا وفعلا مسرحيا بغير نص ولا إخراج» وكان الرجل زاهدا فى الحياة العامة.
ــ4ــ
وللجهل القبيح مستويات: أولها ادعاء العلم، ويتلوه نشر هذه الادعاءات، ويتبعه قيام نوافذ الإعلان والإعلام بالحفاوة به وتقريظه، ورابعها منع نشر النقد الموجه لذلك الجهل، وخامسها تجريح الناقد والوشاية به إلى حد التجريم.
ــ5ــ
وكل ذلك الذى ذكرت هو شرح وبيان الحديث ينوى يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت». فالصمت عبادة والصمت سياسة والصمت كرامة لا يدر بها إلا من رحم الله.
يتبع.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات