2011 عام سقوط الهيبة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

2011 عام سقوط الهيبة

نشر فى : الخميس 12 يناير 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 12 يناير 2012 - 8:00 ص

والهيبة هنا تعنى الاحترام والإجلال وأن يكون إنسان ما مهابا يعنى أنه نجح فى اكتساب احترام وإكبار من حوله، وهذا الاحترام يمكن أن يكتسبه الشخص بحكم موقعه، ثم يعمل على تثبيته واكتساب الكثير منه أويفقده بسبب سلوكياته التى تفقده احترام الناس له، لكن هناك بشر يكتسبون احترام ومهابة الآخرين رغم أنهم لا يشغلون موقعا يهبهم هذه المهابة، ويقول علماء النفس والاجتماع إن هناك طريقين لاكتساب احترام الناس الأول هو الخوف، وعادة الذى يعتمد على الخوف فى اكتساب احترام الآخرين هم أصحاب المناصب والذين يشعرون أنهم قبل المنصب أو بعده لم ولن يكن لهم أحد احترامًا، حيث إن تكوينهم الشخصى وسلوكياتهم لا يوجد فيها ما يدعو للاحترام، أما الطريق الثانى لاكتساب الاحترام فهو الحب وخدمة الآخرين وعندما يصل مثل هذا الشخص لمنصب ما يسخره للخدمة والعطاء وليس للاستغلال والاكتناز وبالطبع الطريق الأول هو الأقصر والأسرع للاحترام والطريق الثانى هو الأطول والأصعب، فالطريق الثانى هو الأبقى دائمًا، لكن طريق الاحترام بالخوف ينتهى احترام صاحبه بسقوط الخوف بطريقة أو أخرى ولقد كان لثورة 25 يناير عام2011 الفضل فى سقوط المهابة عن الكثير من الأشخاص والمؤسسات الذين بنوا احترامهم على خوف الآخرين عن طريق قمعهم بطريقة أو أخرى ولنعطى هنا بعض الأمثلة:

 

 

أولًا: سقوط هيبة الحاكم

 

ولقد تم ذلك فى تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين والبقية تأتى، إذ نتحدث عن مصر نقول إن هيبة مبارك منذ أن حنث بالعهد الذى أخذه على نفسه ونصه «أقسم بالله العظيم أن أحافظ على النظام الجمهورى» وهذا النظام الجمهورى هوالذى أتى به إلى قمة السلطة فى مصر عام1981، لكن مع الوقت تحولت أسرة الرئيس إلى الأسرة المالكة وقرينة الرئيس تحولت لملكة متوجة وصل بها الحد أن تقبل قبلات الوزراء على يدها، وعندما كانت تقوم بزيارة أى منشأة كان الوزراء يتحلقون حولها ويجرون خلفها كالأطفال، وأرادت أن تكون أما للرئيس ولم تتعظ من درس الملكة نازلى التى أصرت على أن تكون أم الملك إضافة لكونها زوجة الملك فؤاد، وكانت هذه إحدى أسباب ثورة يوليو، وكما سقطت هيبة الملك فاروق سقطت هيبة مبارك الذى استسلم لرغبات الزوجة والابن فتحول فى ميدان التحرير إلى مادة للسخرية وعدم الاحترام وهدفًا للنكات، وما زال حتى اليوم فى رقدته على السرير فى المحاكمة هدفًا لكل ذلك من شعب يتقن تأليف وإلقاء النكتة، ورغم أن مبارك لم يهزم عسكريًا مثل عبدالناصر ولم يقم بزيارة إسرائيل كالسادات إلا أنه فقد هيبته فى الوقت الذى فيه اكتسب عبد الناصر زخما شعبيا واحتراما وتقديرًا حتى بعد الهزيمة، وهذا يرجع لأصالة الشعب المصرى الذى يدرك متى وكيف يفقد الحاكم هيبته.

 

ولقد كنا نتمنى أن تستمر هيبة الحاكم الجديد (المجلس العسكرى) والتى اكتسبها بعد وقوفه بجوار الثورة وتحيته العسكرية للشهداء لكن هذه الهيبة سقطت أمام استخدامه القوة والخوف لاستمرار مهابته، لكنه لم يكن يدرك أن شعب مصر لم يعد يخاف.

 

 

ثانيًا: سقوط هيبة الدولة

 

لقد تميزت مصر منذ فجر التاريخ بالدولة المركزية، وكانت هيبة الدولة تستمد من الفرعون الإله، والحكومة التابعة له التى ترسى العدالة على طول أرض مصر، ولقد سار على هذا المنوال محمد على مؤسس مصر الحديثة، ولقد فقدت الدولة المصرية هيبتها على يد الخديو إسماعيل لأسباب اقتصادية وخرج من الحكم ذليلًا بعد أن أرسلت بريطانيا وفرنسا مندوبين عنها لمراقبة الصرف للحفاظ على القروض التى اقترضها إسماعيل وتم إنفاقها بسفه واضح، وقد فقدت الدولة هيبتها فى عصر مبارك عندما سخرت كل جهدها لتوريث الحكم لابن الحاكم، وصارت الحكومة برئيسها ووزراءه لعبة فى يد الابن الذى كان يصدر الأوامر لهم مع أحمد عز فى لجنة السياسات، وكانت فرصة للفساد والنهب المنظم، ولكى تسترد الدولة هيبتها كانت تتبنى وصية ميكيافيلى الذى يقول «على الأمير أن يحكم بالحب والخوف معا لكن إذا تعذر الحب عليه أن يختار الخوف» وكما يقول مونتسكيو أحد فلاسفة الثورة الفرنسية إن «أساس وعامل استمرار الحكم الديكتاتورى هو الخوف» إلا أنه فى 25 يناير خرج الشعب المصرى ليسقط الخوف من الترسانة العسكرية الضخمة المحيطة بالحاكم بكل آلاتها التى تقمع البشر، وهكذا سقطت هيبة الدولة وكان سقوطها عظيمًا.

 

 

ثالثًا: سقوط هيبة البرلمان

 

إن البرلمان فى أى دولة من دول العالم هو عنوان الديمقراطية والعدالة، لكن البرلمان الذى انتخب عام 2005 تحول إلى ترزى قوانين ليعدل المواد 76، 77حتى لا يصلح لرئاسة الجمهورية سوى ابن الرئيس، ولقد مرر البرلمان قوانين عديدة سيئة السمعة مثل تمديد قانون الطوارئ وزيادة امتيازات رئيس الجمهورية... إلخ.

ولم يحدث أن تمت مناقشة جادة لأى قانون مهما كانت أهميته، ولقد حدث قمع شديد للمعارضة والتى تمثلت فى الإخوان المسلمين مما أدى إلى زيادة التعاطف الشعبى معهم، ولقد كانت عبارة «المجلس سيد قراره» هى المبرر الأعظم لعدم تنفيذ أحكام القضاء على أعضاء البرلمان الذى حكم ضدهم فى جرائم تزوير الانتخابات أو فى الوصول بالحصانة البرلمانية إلى خارج البرلمان، ثم جاء برلمان 2010 ليعبر عن مدى الفساد الذى نخر فى عظامه من تزوير فاضح للانتخابات حيث استبعد المعارضة تمامًا لكى تتم جريمة التوريث بسهولة ويسر وبخنق البرلمان اختنق الشعب كله، وانفجر فى 25 يناير2011، وكم سخر الشعب من برلمان فقد هيبته ليس فى 25 يناير لكن فى كل مرة خان الأمانة فيها سواء فى إصدار قانون أو خنق معارضة.

 

 

رابعًا: سقوط هيبة المؤسسات الدينية

 

لا شك أن الدور الرئيسى والأساسى للمؤسسات الدينية هو أن تكون ضمير الأمة، ونعنى بضمير الأمة أنها تعبر عن رسالات الأنبياء، حيث أرسل الله الأنبياء للعالم لينبهوا البشر أن يعودوا تائبين إليه، فى الوقت الذى فيه يبلغون رسالتهم للملوك والرؤساء لكى يرسوا العدل ولا يظلموا أحدا، وعادة كان الرؤساء والملوك والأباطرة يعتبرون الأنبياء من أعدائهم، لأن الأنبياء يرفضون البذخ المفرط والانحراف السلوكى واستغلال الفقراء والجهلاء وقمع المعارضين والفساد... إلخ.

 

وهكذا كان الأنبياء هم صوت الضمير للحكام وهو الدور الذى أنيطت به المؤسسات الدينية من بعدهم لكن ما حدث أن المؤسسات الدينية لم تعارض التوريث سواء علنا أو سرا ولم ترفع صوتها ضد الظلم والطغيان وتعذيب ضحايا النظام السابق فى المعتقلات والأقسام، ولم تعارض تمديد قوانين مثل الطوارئ أو تعديل المواد(76و77ّ) ولم تدافع عن ضحايا الفقر من ساكنى العشوائيات وأولاد الشوارع، وعندما تعرض مبارك لمحاولة اغتيال عام 1993خرج رجال المؤسسات الدينية فى الشوارع لتهنئة الرئيس بالنجاة، وعندما خرج شباب هذه المؤسسات مسقطين الخوف فى ثورة 25 يناير يدافعون عن أنفسهم ضد الظلم، حاول رؤساء المؤسسات الدينية إثناءهم عن ذلك، لكن أكبر خطيئة لهذه المؤسسات أنها عقدت عدة صفقات بينها وبين الرئاسة لذلك لم تؤيد الثورة بل حاولت منع أبنائها ورجالها من المشاركة فيها، ولأجل كل هذه السقطات سقطت هيبة المؤسسات الدينية، أمام شبابها وأمام جموع المصريين.

 

 وهكذا نرى أن سقوط الهيبة للحاكم والبرلمان والدولة والمؤسسات الدينية أدى إلى الفوضى التى نعانى منها وحتى اليوم لم يستعد احد من هؤلاء مهابته ولكى أختم مقالى بمعنى حقيقى للمهابة والاحترام والحب أقول أن مصر ما زالت تحب وتحترم عبدالناصر والبابا كيرلس السادس وأحمد رشدى وزير الداخلية الأسبق وويصا واصف رئيس البرلمان الذى حطم سلاسل البرلمان متحديا الملك فؤاد الذى أغلق البرلمان فعقد ويصا واصف جلسة برلمانية تاريخية يشهد لها التاريخ، ورغم أن كل هؤلاء تركوا مناصبهم ومنهم من عاش قليلا بعد أن ترك المنصب مثل ويصا واصف ومنهم من ندعو أن يطيل الله عمره مثل أحمد رشدى ونتمنى أن ُيلمّع الإعلام ووزارة الثقافة والتربية والتعليم مثل هذة النماذج لنرى من شباب الثورة من يتمثل بهم فى الصدق والشفافية وإتقان العمل لأجل مستقبل أفضل لمصر.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات