الإسلام كما أدين به.. 9- القضاء والقدر: أـ مقدمة - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به.. 9- القضاء والقدر: أـ مقدمة

نشر فى : الخميس 11 فبراير 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الخميس 11 فبراير 2016 - 10:50 م
ــ 1 ــ
إذا وضعنا تعريفا مبدئيا لـ«القضاء والقدر»، نقول: هو «مصطلح نبوى مقدس» جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن الخامس والأخير من أركان الإيمان، وهو عنصر الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وهذا العنصر «القضاء والقدر» هو أحد التجليات الإلهية الغيبية التى تمت معظم مراحلها فى الأزل قبل الخلق، حيث كان الله ولا شىء معه، فخلق الله القلم واللوح المحفوظ وأمر جل جلاله القلم أن يكتب ما أمره به فكتب القلم كل ما كان وما هو كائن وما سيكون إلى يوم القيامة، وعندما يقرأ الناس القرآن يجدون أمامهم «قضاء الله وقدره» مذكورا فى القرآن محققا واقعا فى عالم الشهود مما يؤكد ويثبت تقدير الله (تدبيره وتخطيطه) وتحديد كيفية زمان ومكان تحقق كل الوقائع والأقدار.

ــ 2 ــ
ورغم أن قلوب وعقول الغالبية الغالبة من المسلمين تؤمن بالقضاء والقدر وتتلقى الأقدار الإلهية ــ مهما كانت ــ بالرضا والصبر، إلا أن نفرا ممن اغتروا بعقولهم، أو ممن أحسوا بضعفهم وانهزامهم أمام الثقافات الوافدة، فراحوا يجادلون ويعللون، ثم من شدة غفلتهم انحصرت رؤيتهم وتصوراتهم فى زاوية واحدة أو فى اتجاه واحد وهم ــ كغيرهم ــ بشر والبشر كلهم لهم حدود وقدرات لا يستطيعون تجاوزها، وخصوصا إذا كانت المناقشات متعلقة بعالم الغيب، فما بالنا إذا كان النقاش متعلقا بتجليات وقدرات الغيب الأكبر وهو الله جل جلاله، ففى هذا الجدل العقيم سقط «الجبرية» الذين يسلبون الإنسان أى اختيار ويدعون أن الله يجبر الإنسان جبرا على جميع تصرفاته بحيث لا يستطيع الإنسان الاختيار، وحسب زعمهم هذا فإن المعاصى والمفاسد كلها واقعة مفروضة من الله ــ حاشا لله ــ وهكذا فقد فى هؤلاء قدرة الله وعلمه وغفلوا عن حكمته وعدله.

ــ 3 ــ
وعلى الطرف الآخر سقط «المعتزلة»، وهؤلاء هم الفرقة التى أطلقت على نفسها «أهل التوحيد والعدل»، حينما التفتوا إلى «عدل الله» عقلوا عن علمه وقدراته فقرروا أن الإنسان هو خالق وصانع جميع أفعاله ولا دخل لله فيها ــ هكذا يثرثرون فى غفلة شديدة عن علم الله الأزلى وقدراته المطلقة، وملكيته المطلقة للكون وما فيه ومن فيه، ولسنا بصدد بحث أقوال هؤلاء ولا نشتغل بنقد وقص ما زعمت الجبرية (أهل الجبر)، ولا ما زعمته المعتزلة «أهل التوحيد والعدل»، بل نحن نلجأ إلى القرآن الكريم ثم إلى البيان النبوى المتواتر والمشهور نستطلع فيه هذا الركن الهام من أركان «الإيمان».

ــ 4 ــ
بداية نقرر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما لفظ مصطلح «القضاء والقدر» فإنه لم يصنعه من عنده بل جاء به من الوحى القرآنى، فالجذر اللغوى لكلمتى القضاء والقدر قد تكرر ورودهما فى القرآن الكريم.

ــ 5 ــ
ولفظ «القضاء» قد أسنده القرآن لرب العزة جل جلاله بما يعنى «التقرير والإلزام»، وهذا التقرير والإلزام يتنوع إلى نوعين: أ/ قضاء (الإنشاء والتكوين والإلزام والإبداع والخلق)، ب/ قضاء (حكم وتشريع وفرض)، ففى القرآن نجد أمثلة محكمة تبين النوعين من القضاء الإلهى، فمن النوع الأول قضاء (الإنشاء والتكوين والإلزام والإبداع والخلق ) نجد قوله تعالى: ((وإذا قضى أمْرا فإنما يقول له كن فيكون))، وكذلك ذكر خلقه للسماوات فقال ((فقضاهن سبْع سماوات فى يوْميْن..))، كذلك ذكر القرآن النوع الثانى من القضاء الإلهى وهو (قضاء الحكم والتشريع والفرض)، حيث قال: ((وقضىٰ ربك ألا تعْبدوا إلا إياه وبالْوالديْن إحْسانا..))، وقال جل شأنه مبينا ضرورة التزام المؤمن بالقضاء الإلهى التشريعى: ((وما كان لمؤْمن ولا مؤْمنة إذا قضى الله ورسوله أمْرا أن يكون لهم الخيرة..))، فهذان هما المعنيان المتعلقان بالقضاء الإلهى الأزلى الذى قضاه قبل الخلق، وجدير بالذكر أن الله جل جلاله مع إسناد فعل (قضى/ يقضى) لفعله سبحانه فإنه لم يتخذ لنفسه اسم (قاض) بين الأسماء الحسنى.

ــ 6 ــ
أما لفظ القدر فلأنه أوسع تعبيرا وأقرب للفهم من غيره، فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزله فى القرآن بكثرة متكررة تأكيدا على تعدد وتنوع وسبق القدرة والتقدير. فها هو يذكر ذاته العلية بقوله: ((والذى قدر فهدىٰ))، كما يقول: ((.. وبارك فيها وقدر فيها أقْواتها..))، ويقول: ((.. نحْن قدرْنا بيْنكم الْموْت وما نحْن بمسْبوقين)) و((والْقمر قدرْناه منازل..))، و((.. وخلق كل شىْء فقدره تقْديرا))، ويقول ((..والله يقدر الليْل والنهار..)) و((قدْ جعل الله لكل شىْء قدْرا)). ولسنا فى حاجة إلى التذكير أن الله قد اتخذ لنفسه ثلاثة أسماء حسنى من الجذر اللغوى (ق د ر)، فهو سبحانه ((..هو الْقادر على..))، وهو سبحانه ((على كل شىْء قدير))، وهو سبحانه ((..عنْد مليك مقْتدر))، وهكذا قام الرسول صلى الله عليه وسلم جمع كل هذه المعانى وأطلق عليها المصطلح المقدس (القضاء والقدر).

يتبع،،
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات