تسليع المياه.. أزمة مستقبلية للحياة - طارق عبد العال - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسليع المياه.. أزمة مستقبلية للحياة

نشر فى : الخميس 11 أبريل 2019 - 11:20 م | آخر تحديث : الخميس 11 أبريل 2019 - 11:20 م

لم يكن يعبأ الراحلون من أهلينا بما تعنيه كلمة أزمة مياه، أو بمعنى أكثر وضوحا لم تكن لديهم أى قدر من الإحساس بدنو مشكلات تخص الحصول على المياه، للاستعمال الشخصى، ولكن مع التطورات السياسية، وتعقيدات العلاقات الدولية، بدأت تظهر فى الأفق علامات لدنو مشكلات المياه، وكيفية الحصول عليها، وباتت الدول معنية بكيفية توفير احتياجاتها من المياه، أو السيطرة على منابع المياه أو مصادره، وتمثل السيطرة على مصادر المياه العذبة حاجة استراتيجية لكل الدول تدفعها إلى نص سياسات تهدف إلى السيطرة على المصادر الكبيرة. وهذا ما يحصل فى منطقة الشرق الأوسط.

التطور القانونى الدولى
لقد اهتم المجتمع الدولى بقضية المياه المتصاعدة وما تنذره من صراعات. ونتيجة لذلك، فقد بدأ بتأطير هذا الاهتمام وإسناده بالمعاهدات والمواثيق. وفيما يختص باهتمامها بقضايا المياه وإبعادها من الدائرة المحتملة للصراع، وهو ما أسفر عن وضع تصورات أو أسس قانونية حول أزمات المياه حول العالم من الممكن أن نوجز منها، أنه منتصف القرن العشرين، وتحديدا فى عام 1958، ذهبت الأمم المتحدة فى دورتها الثامنة والأربعين إلى إقرار أن أى نظام للأنهار والبحيرات ينتمى لحوض صرف واحد يجب معاملته كوحدة متكاملة، وليس كأجزاء منفصلة، وكل دولة مشتركة فى نظام مائى دولى لها الحق فى نصيب معقول من الاستخدامات المقيدة لمياه حوض الصرف، وأن على الدول المشاركة فى النهر احترام الحقوق القانونية للدول الأخرى المشاركة فيه.

ثم جاءت اتفاقية استخدام المجارى المائية فى غير الشئون الملاحية عام 1997، مقررة مجمعة من القواعد الأساسية أهمها: احترام اتفاقيات المياه السابقة، وحق الانتفاع والمشاركة المعقولة، وعدم التسبب فى أى ضرر جوهرى لأى دولة من دول المجرى المائى، علاوة على الاستخدام المنصف والمعقول لمجرى النهر.

وفى نوفمبر سنة 2002 اعتمدت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التعليق العام رقم 15 بشأن الحق فى المياه، وعرفته بأنه: حق كل فرد فى الحصول على كمية من المياه تكون كافية مأمونة ومقبولة، ويمكن الحصول عليها بطرق ميسورة ماديا لاستخدامها فى الأغراض الشخصية مع الحق فى الصرف الصحى.

ولكن ومع التطور السياسى المتلاحق للكتل الدولية، وتغير موازين القوى الدولية، وتضخم دور صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، بدأت تتغير ملامح استخدام المياه، أو بالمعنى الأحرى، كيفية التحكم فى الأنهار من قبل دول المنبع، إن لم يكن برغبة وقوة داخلية نابعة من قيمة دولة المصب بمفردها، فيكون ذلك بمساعدة من غيرها من الدول، أو باستخدام آليات تعاونية مع صندوق النقد والبنك الدولى، وهذه السياسات الجديدة لها تأثيرات ضارة على الدول المنتفعة من مياه الأنهار.

ومع التطور فى أداء البنك الدولى وصندوق النقد، وخصوصا إزاء مشكلة المياه، وهو ما يمكن تلخيصه بتوجه نحو الميل لأطراف على حساب أطراف أخرى، وتغليب المقاربة السياسية للتعامل مع القضايا الاقتصادية وإبراز أثر الدول الكبرى على مؤسسة البنك الدولى وتأثيرها على علاقاته وقراراته، وهو الأمر الذى يعنى تخلى البنك الدولى عن قانون التحيز والشفافية فى التعامل مع الأعضاء خاصة الدول المقترضة. حيث اعتمد البنك على الكثير من الشروط لمنح القروض والتعامل مع الدول النامية فى مجال المياه حسب الموازنات السياسية والاقتصادية التى وصفت بالخطيرة حتى وصلت إلى تهديدات سياسية من خلال فرض استراتيجية للمياه فى الوطن العربى تتوافق مع استراتيجية وشروط البنك الدولى وليس العكس. وهذا ما أدى إلى طرح البنك سياسة تسعير وبيع المياه وكذا خصخصة المياه وتحديد بورصة المياه، وتجسد ذلك فى عام 1993 بوضع البنك شروط لمنح القروض والتعامل مع الدول النامية فى مجال المياه، على الرغم من تعارض ذلك مع ما يقوم عليه القانون الدولى من ضرورة تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف وعدم الإضرار بالغير خاصة بالنسبة للدول التى تقع عند أعالى مجرى النهر، والدول التى تقع فى أسفل مجرى النهر.

ومن هنا بدأت مشكلة المياه فى منطقة الشرق الأوسط، والعالم العربى على سبيل التحديد تزداد تعقيدا، خصوصا بعد أن بدأت بعض دول المنبع فى تبنى سياسة بناء السدود لحجز المياه عن باقى الدول المشتركة معها فى المجرى النهرى.

نتائج تدخلات البنك الدولى
أدت السياسات التراكمية المقصودة من صندوق النقد والبنك الدولى، والمدفوعة من مجموعة الدول المتحكمة أصلا فى تحديد تلك السياسات، إلى فرض إرادتها على مصائر المياه وخصوصا فى المنطقة العربية، أو الشرق أوسطية، ونجد أوقع دليل يخص الواقع المصرى فى زاويتين. الأولى: وهى الزاوية الأساسية أو ما يرتبط بمصدر المياه، وهو ما تجده ملموسا واقعيا فى أزمة سد النهضة، وهو السد الذى شيدته أثيوبيا على منابع نهر النيل لتحتجز كمية هائلة من المياه المارة إلى السودان، ثم إلى مصر. وهذا السد لم تستطع أثيوبيا بحسبها دولة المنبع الشروع فيه إلا بمساعدة ودفع من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وهذا لم يكن إلا برغبة محمومة من مجموعة الدول الكبرى المتحكمة فى سياسات البنك الدولى أو صندوق النقد الدولى. وهو الأمر الذى كانت نتيجته أو محصلته الختامية بناء سد النهضة الأثيوبى، وتحكم أثيوبيا بشكل مفرط فى كم المياه المسموح بتدفقها إلى البلدان الأخرى. ومن الناحية الداخلية فكانت سياسات البنك الدولى وصندوق النقد تتجه إلى تحفيز الدول، ثم الضغط المتنوع لتغيير سياساتها الداخلية بشأن التعامل مع المياه، أو بالمعنى الإجمالى بيع المياه للمواطنين، وذلك من خلال فرض سياسته الخاصة أو ربط تعاملها (منحا ــ أو قروضا) مع تغيير الدول لمنهجها التعاملى فى ملف المياه مع المواطنين. وبشكل عام فقد اعتمد البنك على الكثير من الشروط لمنح القروض والتعامل مع الدول النامية فى مجال المياه حسب الموازنات السياسية والاقتصادية التى وصفت بالخطيرة حتى وصلت إلى تهديدات سياسية من خلال فرض استراتيجية للمياه فى الوطن العربى تتوافق مع استراتيجية وشروط البنك الدولى وليس العكس، ذلك على الرغم من أن فكرة تسعير وبيع المياه لا سابق لها فى تاريخ العلاقات المائية الدولية ولا يوجد أى معاهدة ثنائية أو متعددة الأطراف فى هذا الصدد.

إن سياسات البنك الدولى لا تتفق فى الكثير من النقاط مع الأمن القومى العربى وخصوصا الأمن المائى مما يستدعى العمل بذكاء ومرونة مع هذا النوع من المؤسسات الدولية التى تعتبر أحد الأسلحة الجديدة وغير المباشرة، لكون هذه السياسات الغرض منها هو أن تعيش مجموعة الدول العربية فى فلك التبعية لسياسات يفرضها البنك الدولى أو صندوق النقد، مدفوعا من مجموعة الدول التى تتحكم فى مساره، وبالتالى ستتحكم فى المسارات العربية، خصوصا مع ملف المياه، واعتباره أحد أهم الأسلحة الاقتصادية فى السياسات المستقبلية.

طارق عبد العال باحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات