رسالة النور الجديد - رجائي عطية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة النور الجديد

نشر فى : الأربعاء 11 نوفمبر 2020 - 9:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 11 نوفمبر 2020 - 9:35 م

مما قدمنا سلفًا، تنجلى المطابقة بين النشأة والرسالة النبوية عن مقاصد ثلاثة تنطوى فى هذه الرسالات: منها الرسالة التى تنطوى على تكاليف الزعامة. ومنها الرسالة التى تقوم على منفعة أمة من الأمم لحراستها فى وجهة الأمم الأخرى. ومنها الرسالة التى ينتظرها القوم تحقيقًا لوعود متعاقبة يفسرها كل منهم على ما يبتغيه.
ثم قامت بعد هذه الرسالات جميعًا رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، فلم يستغرقها مقصد من هذه المقاصد، لا زعامة ولا منفعة أمة ولا تحقيقًا لوعود.
رسالة محمد عليه الصلاة والسلام رسالة إلهية قوامها أن الله تعالى حق وهدى، وأن الإيمان به جل وعلا مطلوب لأنه حق وهدى، هذا الإيمان أعلى وأقدس من كل إيمان لأنه إيمان بالحق والهدى.
لم تكن زعامة محمد على قومه مناط تلك الرسالة، فقد جاء بها بشر كسائر البشر، عليه من أمانة الهداية ما على الإنسان للإنسان.. زعيمًا كان أو غير زعيم.
ولم تكن منفعة الأمة العربية مناط تلك الرسالة، لأنها إيمان برب العالمين، ولا فضل فيها لعربى على أعجمى ولا لقرشى على حبشى، ولا تفاضل فيها إلاَّ بالتقوى.
ولم تكن رسالة محمد اقتضاء لوعود، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يعد أحدًا من العالمين بغير ما وعد الناس جميع.

نزاهة العبادة
تَعَوَّدَ بعض المهاذير من المؤرخين الغربيين أن يذكروا النعيم السماوى الموصوف فى الإسلام من بين النقائض التى تقدح فى العبادة النزيهة.
وما من دين خلا من مبدأ الثواب والعقاب، وليس الإيمان بالثواب والعقاب مخلاَّ بنزاهة الدين، وما من دين يسوى بين الصالحين والمفسدين، أو يصادر على طموح النفوس إلى النعيم الذى ترتضيه.
والميزان الحق للعبادة النزيهة ــ فيما يقول الأستاذ العقاد ــ هو الصفة التى يتصف بها الإله المعبود، وأنزه العبادات ــ هى العبادة التى يؤمن بها المؤمن لله الواحد الأحد جل وعلا لأنه سبحانه حق وهدى، ولأن الإيمان به هو الحق والصواب.
سيد المرسلين بحق ــ من جاء بالرسالة المنزهة المثلى، وهذه هى رسالة محمد عليه الصلاة والسلام بشهادة العقل حين يقابل بين القرائن والأمثال، بلا تعصب ولا تقليد.
الوساطة
لا وساطة فى الرسالة المحمدية بين العبد وربه، وليس فى فرائض الإسلام الخمس: الشهادتان، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج ــ ما يقوم أداؤه على وساطة بين الخالق جل شأنه والمخلوق المتعبد. فباب الخالق مفتوح للمؤمن فى كل موضع وفى كل حين «وأينما تكونوا فثم وجه الله». وليس فى أداء الصلاة، ولا فى توقيت وأداء الصوم، ولا فى أداء الزكاة والحج، ما يحتاج فيه المسلم إلى وساطة بينه وبين ربه.
ليس فى حج بيت الله كاهن يقدم له الحاج قربانه أو يملى عليه شعائره.
ويصح للمسلم أن يؤدى زكاته بنفسه مثلما يصح له أن يسلمها لمن يجمعها ويوزعها على مستحقيها.
وليس هذا من باب المصادفات، بل هو دين لا كهانة ولا وساطة فيه بين الإنسان وربه.
حارب الإسلام أى سيطرة للكهانة فى الهياكل أو صوامع الصحراء وخيامها وفى التوابيت، لأن سلطان هؤلاء كان سيطرة على رقاب الناس باسم الدين، أو لأكل أموال الناس بالباطل، أو لاتخاذهم أربابًا من دون الله.
ليس لأحد فى الإسلام فضيلة غير فضيلة العلم والموعظة الحسنة وتنبيه الغافلين ولو كانوا من ذوى السلطان. يقول تعالى: «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» (التوبة 122)، وهذه الفريضة هى الفريضة العامة التى يندب لها من يقدر على أدائها من أهل الذكر، وممن يقدرون على حمل أعباء الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفى القرآن المجيد: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (النحل 43)، وفيه قوله عز من قائل «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (آل عمران 104).
هذا هو موقف للإنسان فى الكون كله، بين يدى الله، بغير فاصل ولا حجاب، وبغير وسيط ولا وساطة، حينما يكون فثم وجه الله.
دين الإنسانية

تلمس أن الأستاذ العقاد يميز فى كتابه الضافى فى طوالع البعثة المحمدية بين دين التوحيد ودين الإنسانية من ناحية المقدمات والخطاب، فقد وُجدت أديان تدعو بعض الأمم إلى التوحيد قبل الإسلام، وربما جاءت هذه الدعوة إلى التوحيد ــ قبل الإسلام ــ عن طريق توحيد الدولة وفرض السلطان والعبادة الواحدة تعبيرًا أو ترسيخًا لوحدة الدولة، أو لقوة القبيلة المتمكنة، ومثل هذا النوع من التوحيد لم يأتِ على سبيل المساواة أو سبيل الهداية والرشاد، بل كان على سبيل القهر والإخضاع.
وعلى هذه السنة جرى الرومان على إخضاع اليهود حين فرضوا عليهم عبادة «الإمبراطور» فى هيكلهم ووضع الشارة الرومانية على محاربيهم، وفرضوا ما يريدون من باب الإخضاع وتحريم كل معبود فى الدولة غير معبودهم.
على أن هذا التوحيد ــ على قصوره، لم يكن يعنى دين الإنسانية الذى يريد الأستاذ العقاد أن يجلى وجوده فى الإسلام. هذا الدين الذى يتجه إلى جميع الأمم ــ لا أمة واحدة ــ بدعوة واحدة على سنة المساواة بين جميع الشعوب والأجناس، والتماس الهداية للجميع غالبًا كان أو مغلوبًا. هذه دعوة إلى دعوة توحيد العبادة ــ قامت على حقوق واحدة وهداية واحدة وإيمان واحد بإله لا إله غيره، يتساوى الناس بين يديه، ولا يتفاضلون بغير التقوى والصلاح.
كان الإله عند الإسرائيليين يسمى إله إسرائيل، ويخص من أبناء إبراهيم ذرية يعقوب ابن إسحق دون سائر العبريين.
ويستخرج الأستاذ العقاد من أسفار العهد القديم عبارات الأنبياء وعبارات الشعب، من مثل «هكذا قال الرب إله إسرائيل»، «مبارك الرب إله إسرائيل»، «ألست إلهنا الذى طردت سكان الأرض أمام شعبك إسرائيل وأعطيتها لنسل إبراهيم خليلك إلى الأبد».
وقد دامت هذه العقيدة إلى عصر الميلاد، فتهيأت العقول لعقيدة أرفع منها وأعدل وأقرب إلى المساواة بين الناس، فكان يحيى المغتسل (المعمدان) يزعزع هذه الثقة بالخلاص لغير سبب من عمل أو إيمان، ويخاطب القوم كلما تمادوا فى اغترارهم بالنسبة إلى إبراهيم الخليل، بأن الله قادر على أن يخلق لإبراهيم أبناء من حجارة الأرض، فإن لم يخلصوا فى إيمانهم فلا أمل لهم فى الخلاص.
وتحولت الدعوة المسيحية من بنى إسرائيل إلى الأمم على الرغم من بنى إسرائيل،
حين شبههم السيد المسيح بالمدعوين الذين أقيم لهم العرس فتخلفوا عنه متعللين بالتعلات والمعاذير.
ولم تتحول الدعوة المسيحية عن بنى إسرائيل إلاّ بعد إعراضهم عنها وإصرارهم على الإعراض، وكانت قبل ذلك مقصورة عليهم صريحة فى تقديمهم على غيرهم من الأمم. وفى العهد الجديد من قول السيد المسيح «لم أرسل إلاَّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة». وكان تحول الدعوة عنهم إلى غيرهم اعتدادًا بأن المستجيبين للدعوة أحق بإبراهيم بالروح من أبنائه بالجسد.

Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com

التعليقات