صندوق الزبالة الطائر - حسام السكرى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صندوق الزبالة الطائر

نشر فى : الأحد 12 أكتوبر 2014 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأحد 12 أكتوبر 2014 - 8:25 ص

أراه كما يراه غيرى. منهك القوى، متهدل الكتفين، يحمل صندوقا صغيرا أو يجر عربة متهالكة فيها «مختارات» من قمامة الشارع. المقشة التى يجرها خلفه صنعت من عيدان قش معدودة. والقمامة المنتشرة حوله لا يربطها بالصندوق، أو حجم العربة المتهالكة أى قانون من قوانين الفيزياء المعروفة.

رأيته اليوم وتذكرت ما حدث فى الإسكندرية مؤخرا، عندما أعلن محافظها عن تدشين «أول صندوق قمامة خرسانى فى العالم». صندوق «مضاد للنباشين» الذين يبعثرون القمامة أثناء بحثهم عما يمكن إعادة تدويره. وانتشرت صور ومقاطع فيديو للحدث المفخرة على شبكة الإنترنت، ليتحول فى نهاية اليوم إلى مسخرة، بعد أن فاض الصندوق بالقمامة فتداول الإنترنتيون صور افتتاح الصناديق النظيفة، جنبا إلى جنب مع صور القمامة المتراكمة لتزف بشرى إنشاء أول مقلب زبالة خرسانى فريد فى نوعه. بعدها بشهور، هدى الله محافظة الإسكندرية إلى فكرة أكثر وجاهة، وهى تدشين «أول صندوق قمامة تحت الأرض»، افتتحه المحافظ وهو يقف هذه المرة على سجادة حمراء زاهية وسط احتفاء مبالغ فيه بالفكرة «النميسة» التى تشكل مع سابقتها بداية العقد فى مسلسل صناديق الزبالة الغرائبية، التى لا يبدو أن هدف من ابتدعوها تجاوز التفكير فى مناسبة لالتقاط الصور التذكارية والترويج السياسى.

تقتضى مبادئ التفكير العلمى للتعامل مع أى مشكلة، المرور بخطوات رئيسية ثلاث: تحديد المشكلة، ثم تحليلها والتعرف على أبعادها، ثم تصميم الحلول. مثلا:

ــ هل قمنا بتحديد المشكلة؟ وهل هى بالفعل مشكلة «النباشين»؟ هل كان سبب فشل الصندوق الخرسانى أن النباشين فجروه بأصابع الديناميت بحثا عن علب الصفيح وزجاجات البلاستك، أم كان السبب هو أن استيعابه للنفايات أقل من احتياجات المنطقة؟ هل عرفنا ما إذا كانت المشكلة هى النفايات المنزلية، أم نفايات المصانع، أم نفايات المطاعم والمتاجر، أم مخلفات البناء؟

ــ هل قمنا بتحليل المشكلة وعرفنا كم ما يخرج فى الشوارع من مخلفات؟ ثم عرفنا كم ومهارات العمالة المتوافرة لدى المحافظة؟ وهل حصرنا الآليات والأدوات والإمكانات الموجودة بالفعل؟

ــ وأخيرا، هل فكرنا فى تصميم حل للمشكلة بناء على إجابات ما سبق؟ بتحديد عدد الكناسين فى كل منطقة، وعدد الصناديق التى نحتاجها فى كل كيلو متر مربع، أو مع كل مئة ألف من السكان؟ هل اتفقنا على آليات وأدوات جمع القمامة، وعدد العربات اللازمة، وعدد السائقين ومساعديهم، ومعدل مرور السيارات، وجداول المرور، وجداول الصيانة؟ وهل فكرنا فى تحويل «النباشين» من «الغلابة» الذين يبحثون عن لقمة العيش وسط القمامة ويقومون بخدمة جليلة للبيئة، إلى جزء من الحل؟

تعامل منظومة الإدارة فى مصر مع المشاكل لابد أن تحكمه رؤية علمية. وعجز المسئولين عن حل مشكلة بدائية مثل القمامة لا يعطى نموذجا يدعو للثقة فى قدرتها على حل مشاكل أكثر تعقيدا، ويتناقض بشكل جذرى مع الخطاب السياسى المتكرر عن مصر الغد، القادرة، القوية. نريد تفكيرا منهجيا لحل مشاكل مصر ومن بينها قذارة المدن والقرى والنجوع. ربما يكون هذا أجدى من الإبداع فى اختراع صندوق زبالة «خارق»، سواء وضعناه فى مستوى الشارع أو خبأناه تحت الأرض، أو قمنا بتعويمه فى المحيط، أو زودناه بمحركات نفاثة تحلق به فوق المدينة هربا.. من النباشين!

التعليقات