..وإلا فالبقاء للأقوى! - بلال فضل - بوابة الشروق
الأربعاء 11 ديسمبر 2024 2:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

..وإلا فالبقاء للأقوى!

نشر فى : الثلاثاء 12 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

سألنى وهو يتقمص دور المحقق عن رأيى فى محاكمة محمد مرسى، فقلت أننى كنت من أوائل الذين طالبوا بها حين شاركت فى برنامج مع الأستاذ يسرى فودة بعد أيام قليلة من اشعال مرسى وجماعته لشرارة الإقتتال الأهلى على أسوار قصر الإتحادية، قلت يومها أن العدل يقتضى أنه إذا لم يحاكم مرسى بتهمة قتل المتظاهرين فيجب أن يفرج فورا عن مبارك الذى حوكم عن نفس التهمة التى لا يتم توجيهها بناء على عدد الضحايا، بل عندما يثبت تقصير الحاكم فى أداء واجبه بمنع إزهاق أرواح معارضين له على أيدى مرؤوسيه أو مؤيديه.

انشرحت أسارير صديقى لكنها اكفهرت بمجرد أن أضفت: ولذلك للأسف فإن محاكمة مرسى ليست سوى إنتصار جزئى للعدالة، لن يكتمل إلا بأن تتم محاسبة كل من المستشار عدلى منصور والدكتور حازم الببلاوى والفريق أول عبدالفتاح السيسى واللواء محمد ابراهيم حول مسئوليتهم عن إراقة دماء مواطنين مصريين، ولاحظ هنا أننى ذكرت الأسماء طبقا لترتيب البروتوكول الرسمى، لأن المحاكم لا تعترف بترتيب النفوذ الفعلى والتأثير الحقيقى.

قبل أن تنشال وتنحط وترغى وتزبد مثلما فعل سائلى الذى تركنى ومضى لكى يمنع نفسه من الفتك بى، دعنى أذكرك أننى لم أقم بإدانة هؤلاء، بل طالبت القضاء الذى يدعوننا دائما لإحترامه أن يحاسبهم عن نفس التهمة التى يحاسب عليها رئيسين سابقين للبلاد، فليس من العدل ولا من المنطق أن يفلت هؤلاء من المحاسبة، خاصة أن بعضهم كان شريكا للمتهم محمد مرسى فى قتل المتظاهرين ومع ذلك فهو الذى يقوم بتأمين حبسه ومحاكمته عن نفس التهمة.

أعلم أنك ستقول لى أن الذين تم قتلهم منذ عزل مرسى لم يكونوا متظاهرين سلميين بل كانوا مسلحين لا حقوق لهم، وهو بالمناسبة نفس ما قاله أنصار مرسى الذين شجعوا وبرروا بل وشاركوا فى سفك دماء المتظاهرين خارج أسوار الإتحادية وأمام المبانى الحكومية فى المحافظات لأنهم كانوا مسلحين بالخرطوش والمولوتوف والزجاجات الحارقة، ولن أخوض فى جدل بيزنطى معك حول الفرق بين أسلحة هؤلاء وأولئك، بل سأذكرك فقط بأنه إذا كنا نريد أن نعيش فى دولة تحترم القانون وتصون الإنسانية، فإن الحكم بأن قوات الأمن كانت محقة فى قتل أى مواطن لأنه كان مسلحا، يجب أن يصدر عن لجان تحقيق قضائية وليس عبر مكلمات التوك شو، لكى تطمئن حتى على كفاءة رجال الأمن وتطبيقهم للقانون فتصفق لهم بضمير مستريح وتطمئن على مستقبلك معهم.

لا، عيب، لن أسمح لك بأن تظن أننى مثالى مخبول يتصور أنه سيتم إجراء تحقيقات عادلة فيما جرى من قتل جماعى أمام الحرس الجمهورى وبجوار المنصة وفى رابعة والنهضة، طبعا أعلم أن المسئولين عن كل هذا سيفلتون من العقاب كما أفلت من قبلهم المشير طنطاوى والفريق عنان ووزراء الداخلية المسئولين عن مذابح محمد محمود ومجلس الوزراء وبور سعيد والذين لم يتعرضوا حتى لتحقيقات صورية ذرا للرماد فى العيون، وعندما جاءنا رئيس منتخب قام بمنح قلادات تكرم طنطاوى وعنان دون حتى إجراء محاسبة شكلية لهما، وعندما قرر أن يقيل وزير داخلية فعل ذلك لأنه رفض أوامره بإطلاق النار على المتظاهرين، ثم جاءت سياساته كلها لتقر مبدأ «وإلا فالبقاء للأقوى» الذى أعلنه نائبه على الملأ عندما كان يظن هو ورئيسه أن الأقوى فى صفهما أصلا.

يا سيدى، ليس معنى أننى حريص على أن أسمى الأشياء بمسمياتها، أننى فقدت قدرتى على قراءة الواقع وأصبحت أحلق فى دنيا الأوهام، نعم، أعلم أنه لن يتم معاقبة كل من تورطوا من قادة الشرطة والجيش فى أى انتهاكات جرت منذ يناير 2011 وأنت نازل ونازف، ومتأكد أن الحكام الحاليين والقادمين سيساومون الشعب باستخدام سلاحى الجوع والخوف لكى يؤجل تحقيق العدل أو ينساه، وستطاوعهم غالبية الناس رغبة فى الخلاص، لكن التجارب ستعلمنا أننا لن نكون أفتك شعوب الأرض لكى نغير وحدنا قانون (العدل أساس الملك)، وسندرك بعد دفع المزيد من الأثمان أن العدالة ليست رفاهية بل ضرورة للتقدم والرخاء، عندها فقط سيفعل الشعب المصرى ما فعلته شعوب أخرى شهدت ظلما كالذى شهدناه وأشد، وسينتخب لحكمه من يطبق سياسات العدالة الإنتقالية الشاملة التى لا تجعل أحدا يفلت من الحساب ولا تحرمه أيضا من طلب الصفح والمغفرة من ضحاياه، وإلا ستظل البلاد تقدم كل فترة شهداء من الذين خرجوا لكى يطالبوا بحقوق شهداء سابقين، وستظل حالة الفوضى والإنفلات والتسيب فى ازدياد، ولن يستفيد من تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية إلا الجلادون واللصوص والمنافقون القدامى الذين سينضم لمعاونتهم جلادون ولصوص ومنافقون جدد، وهكذا دواليك دما وقتلا ونهبا ونفاقا.

وحتى يحدث ذلك، يحيينا ويحييك، ستضطر لتحمل آلام المرارة وما دونها، وأنت ترى الإخوان وهم يتحدثون عن القصاص وحقوق الشهداء، مع أنهم لم يتركوا فى الماضى مخرجا يمكن أن يستخدمه المتورطون فى القتل إلا وقدموه (إنزل يابنى بفيديوهات الدية وإنما قتله الذى أخرجه وهم إيه اللى وداهم هناك)، ولا أشك أنهم سيعودون لتذكر تلك التبريرات وترويجها مجددا بين أنصارهم، لو قدمت لهم السلطة مخرجا يتيح لهم البقاء على قيد الحياة السياسية، لكن ذلك يبدو الآن أمرا بعيد المنال، لأن السلطة الحاكمة تسير بالمسطرة على نهج «وإلا فالبقاء للأقوى»، ولذلك فهى تسمح لأجهزة أمنها ودلاديل إعلامها بارتكاب حماقات طائشة دون إدراك أن ذلك يقوى من موقف المعسكر الرافض لها وللإخوان معا، وهو معسكر لا يستمد قوته من عدد أنصاره بل من عدالة قضيته، أما الإخوان فلأنهم لم يعد لديهم ما يخسرونه أكثر مما خسروه فهم يرفعون شعار «إذا لم تستطع التكويش على كل شيئ أفسد كل شيئ»، والمواطن العادى سيعطى صوته وقبضته أيضا لمن يعده بحسم هذه المعمعة ليتمكن من العيش فى هدوء وسلام، ولذلك فهو ينحاز الآن للفريق السيسى لأنه الوحيد الذى يبدو له قادرا على ذلك من الموجودين على الساحة، فهل تستطيع لومه على ذلك؟، هذا حديث آخر دعنا نكمله غدا إذا عشنا وكان لنا نشر.