جوادالاخارا - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 8:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جوادالاخارا

نشر فى : الأحد 12 ديسمبر 2010 - 11:11 ص | آخر تحديث : الأحد 12 ديسمبر 2010 - 11:12 ص

 تشرفت أن أكون ضيفا على معرض كتاب جوادالاخارا بالمكسيك. كنت الكاتب العربى الوحيد الذى يكتب بالعربية فى أكبر معرض كتاب للغة الإسبانية فى العالم، وفى مدينة تحمل اسما عربيا وهو «الوادى الحجرى» والذى تحور فى نطقه باللغة الإسبانية إلى وادالاخارا أو جوادالاخارا حيث إن حرف الـ«چ» ينطق خاء بالإسبانية. صاحبنى شاب مكسيكى مصرى يتحدث بطلاقة ــ بالإضافة إلى الإسبانية والعربية ــ اللغتين الإنجليزية والفرنسية وهو كريم هاوزر الذى يعمل فى «البيت العربى» فى مدريد وهى هيئة تابعة لوزارة الخارجية الإسبانية تدعم العلاقات الثقافية بين العالم العربى والعالم الإسبانى، أما كريم هاوزر فهو يعمل فى إدارة دعم العلاقات الثقافية العربية ودول أمريكا اللاتينية فى البيت العربى، وكان له دور كبير فى دعم كل ما هو ثقافة عربية داخل معرض كتاب جوادالاخارا بنشاط يحسد عليه.

المشكلة أن العلاقات الثقافية بيننا مقطوعة الأوصال تماما لأنه لا أحد فى الوطن العربى مهتم بدعمها، رغم أن الهجرة العربية إلى أمريكا اللاتينية بدأت فى القرن التاسع عشر. الغريب أنه كانت هناك محاولات مبكرة فى بدايات الربع الثانى من القرن العشرين لإقامة عروض مسرحية مصرية فى أمريكا اللاتينية. سافر نجيب الريحانى بفرقته وقدم عروضا فى البرازيل وأوروجواى والأرجنتين، كما سافر يوسف وهبى بفرقته المسرحية إلى أمريكا اللاتينية كما سافرت فرق فنية أخرى فى هذه الفترة.

وفى السنوات الأخيرة قامت قناة الجزيرة بإنتاج سلسلة من الأفلام الوثائقية عن عرب أمريكا اللاتينية. لكن الأثر العربى فى وجدان أمريكا اللاتينية أكثر عمقا بكثير من تأثير الجاليات العربية على المجتمع اللاتينى، فقد انتقلت عبر الأندلس سمات كثيرة من الثقافة العربية والمعمار العربى والمفردات اليومية واللغوية العربية كان لها تأثير واضح على الثقافة اللاتينية، ويكفى قراءة المجموعات القصصية للكاتب والشاعر الأرجنتينى العظيم «بورخيس» لفهم هذا الأثر.

قابلت فى حفل غذاء نظمه رئيس معرض الكتاب ــ شاعرا مكسيكيا شهيرا هو «هوجو جوتيريز فيجا» وهو كهل فى السادسة والسبعين من العمر ممتلئ بحيوية شعرية طازجة، ووجدته انتهى من تأليف كتاب عن شعر المتنبى، وبدأت فى قراءة بعض الأبيات التى أحفظها للمتنبى وبدأ هو الآخر فى قراءة بعض الأبيات باللغة الإسبانية وتحدثنا عن الأثر العربى فى ثقافة المكسيك. كما قابلت الدكتورة «كاميلا باستور» وهى باحثة متخصصة فى علم الأنثروبولوجيا وتخصصها الدقيق عن الوجود العربى فى أمريكا اللاتينية. تحدثنا عن الكتاب الأخير للمؤرخ الفرنسى «سيرج كروزنسكى» الذى نشر عام 2008: «ما الساعة هناك؟ أمريكا والإسلام فى العصور الحديثة». وبالطبع أمريكا هنا هى قارتا أمريكا الشمالية واللاتينية. وهو كتاب مهم فى هذا الشأن. وشاركت الدكتورة باستور فى ندوة فى موضوع تخصصها.

الثقافة العربية إذن حاضرة رغم غيابنا الكامل.
فى إحدى الندوات التى تحدثت فيها فى معرض الكتاب وكانت الندوة التى حاورنى فيها أحد ألمع كتاب المكسيك من جيل الوسط وهو الأديب «موريسيو مونتييل» عن كتابى «تاكسى» و«سفينة نوح»، سألنى رجل مكسيكى من الجمهور فى حوالى الخمسين من العمر: بعد أن استمعنا إلى حوار فى الأدب: دعنى أسألك سؤالا فى السياسة، لماذا لا تبذلون أنتم العرب جهدا حقيقيا فى تغيير الصورة السلبية عن العالم العربى والإسلامى التى يتم الترويج لها إعلاميا فى المكسيك وفى أماكن أخرى من العالم؟ هل لا تدركون أن هذه الصورة السلبية يمكن أن تكون شديدة الضرر على أحوالكم فى ظل النظام العالمى الجديد؟ فعندما يساء إلى سمعة رجل يسكن فى دولة بعيدة فهو أمر غير ذى بال لهذا الرجل، أما لو كان يسكن فى نفس القرية الصغيرة التى نسكنها جميعا فهو أمر شديد الخطورة على مصادر رزقه. وكان السؤال التالى من فتاة تعمل فى منظمة العفو الدولية: لماذا ظلت العلاقات الثقافية بين الشعوب العربية والشعوب اللاتينية شديدة الوهن رغم كل الطفرات التقنية المذهلة التى شهدها العالم خلال العشرين عاما الماضية؟

قضية الانكفاء على الذات وعدم القدرة على الرؤية خارج الحدود شديدة الضيق لأسوار سجن تم بناؤها بكفاءة هو أمر كتب عنه أخيرا عدد كبير من الكتاب فى مصر وفى الوطن العربى، وكانت نتيجته واضحة تماما فى كل الحوارات التى أجريتها مع الصحفيين فى أمريكا اللاتينية.

والكارثة أن نسبة كبيرة من المصريين أصبحت هى الأخرى تروج لثقافة الانكفاء على الذات. أسمع دائما من يقول: (ما أهمية الحديث عن أى شىء سوى ما تحت أقدامنا). لكن الحقيقة أن إقامة علاقات ثقافية عربية ــ لاتينية هو أمر شديد الأهمية لنا نتيجة للتقارب الكبير فى مسيرة تحرر الشعوب العربية واللاتينية من الاستعمار أولا، ثم فى مسيرة الكفاح ضد الديكتاتوريات المتلاحقة ثانيا، وفى السعى للتخلص من السطوة الأمريكية بمؤسساتها الاقتصادية كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى ثالثا، رغم أنهم سبقونا فى هذه المجالات بخطوات.

دراسة التجربة اللاتينية السياسية والاقتصادية والثقافية هو أمر شديد الأهمية يجب أن يتم دعمه فى جميع الجامعات المصرية، فالمتخصصون لدينا فى هذا المجال يمكن عدُّهم على أصابع اليد. وهو الأمر الذى لن يأتى إلا بإقبال الشباب إلى تعلم اللغة الإسبانية والتخصص فى أحوال أمريكا اللاتينية. الحل أن ننظر حولنا ونتعلم.

خالد الخميسي  كاتب مصري