لكى لا تفقد «جبهة الإنقاذ» المعنى - ياسر علوي - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 11:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لكى لا تفقد «جبهة الإنقاذ» المعنى

نشر فى : الأربعاء 13 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 فبراير 2013 - 8:00 ص

مثل تشكيل «جبهة الإنقاذ» لحظة تفاؤل استثنائية فى مسار الثورة. فالجبهة نشأت فى لحظة فوران شعبى على خلفية أزمة الإعلان الدستورى، فلبت مطلب «توحيد المعارضة»، وبدت للوهلة الأولى كيانا قادرا على مواجهة الماكينة الانتخابية القوية للإخوان المسلمين.

 

لم يخل التفاؤل بميلاد الجبهة من مبالغات، غير أن أحدا، مهما بلغت «واقعيته»، لم يتوقع أن تنتقل الجبهة بهذه السرعة من إعلان عن تجديد شباب الثورة، إلى مظهر إضافى من مظاهر الأزمة المصرية.

 

فعجز الجبهة عن توثيق ما أعلنه قادتها من تزوير فى الاستفتاء على الدستور، اضطرها للتعامل مع نتائج الاستفتاء كأمر واقع لا مفر من قبوله، ثم إن استراتيجيتها فى إدارة معركة الاستفتاء، عكست انفصالا واضحا بين خطاب قادتها، الذى ركز على قضايا الحقوق والحريات الشخصية، وأولويات التحركات الجماهيرية الصاخبة (المعنية أساسا بقضيتى الأجر وإعادة هيكلة جهاز الأمن).

 

•••

 

فضلت «جبهة الإنقاذ» إذن، أن تخوض الصراع على الدستور على أرضية «الحريات والحقوق الشخصية» وليس على أساس أولويات الحراك الجماهيرى. فماذا كانت النتيجة؟ انخفاض حاد فى نسبة المشاركة فى الاستفتاء (أقل من ثلث الناخبين) رغم وصول الحراك الجماهيرى فى الشارع وأماكن العمل ـ ما يسميه إعلام السلطة بالفوضى والتحركات الفئوية ـ إلى ذرى غير مسبوقة. ثم تكرر هذا الانفصال بين التحركات «الفئوية» ضد قرارات رفع الأسعار، وغياب أى بيان صادر عن الجبهة حول هذه القرارات.

 

هذا الانفصال يطرح بطبيعة الحال أسئلة عديدة حول مبرر وجود الجبهة، وقدرتها على التعبير عن الحراك المعارض ومطالبه.

 

وهنا تكمن الأزمة العميقة التى تعيشها مصر. فنتائج الاستفتاء على الدستور، وحجم الاحتجاجات المستمرة إلى اليوم، توضحان بجلاء أن السلطة تواجه تآكلا فى شرعيتها وقاعدة تأييدها، وأن هناك طلبا شعبيا متزايدا على بديل سياسى لها.

 

ورغم أن بعض قادة جبهة الإنقاذ، خصوصا حمدين صباحى ومحمد البرادعى، لديهم رصيد كبير فى الشارع المعارض، فإن «جبهة الإنقاذ» تظل عاجزة عن طرح نفسها كبديل قادر على ملء «فراغ الشرعية». لماذا عجزت الجبهة عن طرح هذا البديل؟

 

 المسألة فى حقيقة الأمر أكبر من مجرد أخطاء فى التقدير أو تكتيكات المناورة السياسية أثناء أزمة الدستور وبعدها. المشكلة تكمن فى تركيبة «جبهة الإنقاذ» نفسها.

 

فالجبهة التى نشأت بشكل متعجل، وعلى وقع أزمة الإعلان الدستورى المحتدمة، لا تعدو أن تكون ائتلافا بين أطراف تجمع على رفض سلطة الإخوان، ولكنها تختلف حول طبيعة البديل الذى يمكن طرحه فى مواجهة هذه السلطة.

 

لهذا، عجزت الجبهة عن اتخاذ مواقف موحدة تجاه قضايا تمس بشكل مباشر حياة المصريين (رفع الأسعار، أو مشروع الاتفاق مع صندوق النقد). لم تكن المشكلة هنا قضية «سهو». فعدم صدور مواقف موحدة تجاه هذه القضايا سببه عدم وجود توافق حولها داخل الجبهة.

 

فما الذى يجمع مثلا بين موقف التيار الشعبى أو التحالف الاشتراكى تجاه هذه القضايا مع موقف حزب المصريين الأحرار؟ أو حتى مع مواقف أجنحة داخل كل من حزبى الدستور والمصرى الديمقراطى الاجتماعى لا تعارض رؤية الحكومة لهذه الملفات؟

 

ومن بين أهداف الثورة (العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية)، هل يكفى التوافق على قضية الحرية ومطلب إعادة هيكلة الداخلية لبناء بديل سياسى له معنى؟

 

•••

 

المعضلة المصرية واضحة. الشارع مستاء من السلطة وبحاجة لبديل، و«الجبهة» بصيغتها الحالية لا تمثل بديلا. والبديل لا يمكن أن يظهر إلا كنتيجة لنشوء نواة سياسية متماسكة ذات برنامج موحد، تنسق مع سائر أطراف المعارضة انتخابيا (بإخلاء الدوائر، والدعم المتبادل لمرشحين)، ولكنها لا تلزم نفسها بإطار مؤسسى جامد مع أطراف تتناقض معها فى برنامجها وأولوياتها، فتكون النتيجة عجزا عن طرح رؤية بديلة لما تقدمه السلطة. ولكن، كيف تنشأ هذه النواة؟

 

من الناحية العملية، هناك بديلان ممكنان:

 

الأول: هو نشوء تحالف لأحزاب «يمين الوسط» فى الجبهة، يضم أحزاب الدستور والمصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى الاجتماعى والعدل. يمكن بسهولة أن يتوافق هذا التحالف على برنامج «ليبرالى مرشد» إن صح التعبير، فيعدل مثلا قانون الضرائب العقارية (الذى كان التغيير الأساسى الذى دخل عليه فى طبعته الإخوانية ـ مقارنة بمشروع يوسف بطرس غالى ـ هو زيادة حد الإعفاءات، أى المزيد من الانحياز للأغنياء!!)، ويتبنى ضرائب تصاعدية، وتطبيقا فوريا للحد الأدنى للأجور، مقابل الإبقاء على مشروع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى بدون تعديل، وكذلك على دعم الطاقة لكبار المستثمرين.

 

نقطة قوة هذا البديل تتمثل فى أن له قيادة طبيعية محل توافق، هى محمد البرادعى (الأب الشرعى لأحزاب هذا التحالف، التى نشأ أغلبها كرد فعل لتأخر البرادعى فى إنشاء حزب سياسى بعد الثورة). أما نقطة ضعفه، فتتمثل فى أن الاختلافات بين برنامجه وبرنامج السلطة ليست جذرية بالشكل الذى يتناسب مع حالة الفوران الجماهيرى، الأمر الذى قد يعوق قدرته على جذب جموع الغاضبين.

 

أما البديل الثانى، فهو نشوء تحالف «ليسار الوسط» داخل الجبهة، يضم أحزاب المصرى الاجتماعى والدستور مع التيار الشعبى والتحالف الاشتراكى. وعندئذ سيكون برنامج هذا التحالف أكثر جذرية، من خلال طرح قضايا إضافية مثل برنامج للتأمين الصحى وخطة إنفاق عام توسعى لإنعاش الاقتصاد، ومواجهة عجز الموازنة من خلال إلغاء دعم الأغنياء (مثال: دعم الطاقة الموجه لصناعات تحقق أرباحا تزيد على 60%) ووضع حد أقصى للأجور وضريبة على الثروات المالية والعقارية.. إلخ.

 

لهذا البديل نقطتا قوة، الأولى هى جمعه بين زعامتين جماهيريتين للمعارضة (البرادعى وصباحى)، والثانية هى أن برنامجه سيكون أكثر تعبيرا عن مطالب العدالة الاجتماعية، ومن ثم يفترض أن يكون أكثر قدرة على جذب الشرائح التى بدأت فى التحرك فى الشوارع وميادين العمل وتجاهل صناديق الانتخاب.

 

أما نقطة ضعف هذا البديل فتتمثل فيما سيسببه من أزمات داخل حزبى الدستور والمصرى الديمقراطى الاجتماعى، المنقسمين بين أجنحة تختلف اختلافات واسعة على تطبيقات العدالة الاجتماعية، مما قد يعوق قدرة هذين الحزبين على حسم خيارهما نحو تحالف وبرنامج أكثر جذرية فى التعبير عن مطالب الثورة.

 

•••

 

قد يثير هذا الحديث حول ضرورة نشوء نواة صلبة من رحم الجبهة تخوفا لدى البعض من تفتيت «وحدة المعارضة». غير أنه تخوف بلا أساس، وذلك لسببين:

 

أولا: أن مسألة خوض المعارضة الانتخاب بقائمتين هى مسألة مطروحة بالفعل وأعلنتها قيادات جبهة الإنقاذ. وهى لن تؤثر حسابيا على نصيب المعارضة فى انتخابات القائمة، بعكس الانتخابات الفردية التى يؤدى تعدد مرشحى المعارضة فيها لتفتيت الأصوات. فهل الأفضل أن تنشأ القائمتان على خلفية برامج سياسية متماسكة وتحالفات متجانسة، أم لمجرد «تسكين مرشحين» يصرون على أن يكونوا على «رأس القوائم»؟

 

أليس الأفضل أن تنشأ قائمتان أكثر تجانسا من رحم الجبهة، تقومان بالتنسيق السياسى فى ملفات الحقوق الشخصية وإعادة هيكلة الأمن.. إلخ، وتتمايزان فى البرامج الاقتصادية، بشرط التنسيق الكامل بينهما فى الانتخابات الفردية (أى أن يكون هناك مرشح واحد للمعارضة فى كل دائرة فردية، وهذا أمر ممكن الاتفاق عليه بدون الحاجة لانضواء الجميع تحت هيكل مؤسسى واحد)؟

 

ثانيا: أن استمرار ما نراه حاليا من «وحدة شكلية» للمعارضة، سيبقى المعارضة أسيرة إطار فضفاض يتفق على معارضة السلطة وبعض قضايا الحريات، ويختلف على كل شىء آخر. وبديهى أن هذه «الوحدة الشكلية» لا يمكن أن تنتج بديلا قادرا على تعبئة الكتلة الغاطسة (ثلثى الناخبين المسجلين) التى لم تشارك فى الانتخابات، والتى ستكون مشاركتها مفتاح حسم نتيجة الانتخابات البرلمانية.

 

الإصرار على الوحدة الشكلية يجعل جبهة الإنقاذ لافتة بلا معنى. أما نشوء نواة صلبة للمعارضة، فهو السبيل الوحيد لإنقاذ «جبهة الإنقاذ»، وتجنيب الوطن مخاطر الفوضى التى ستستمر طالما استمر شعور قطاعات واسعة من الجماهير بأن أولوياتها غائبة عن سياسات السلطة وبرامج المعارضة.

 

 

 

كاتب مصرى

ياسر علوي  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات