ما لنا وما علينا فى المعارك الكلامية مع الخليجيين والسعوديين - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما لنا وما علينا فى المعارك الكلامية مع الخليجيين والسعوديين

نشر فى : الخميس 13 يوليه 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الخميس 13 يوليه 2017 - 9:45 م
كثرت المعارك الكلامية فى السنوات الأخيرة بين قطاع كبير من المصريين وبين قطاع مماثل من السعوديين، وبعض مواطنى دول الخليج الأخرى، بمن فيهم كتاب وسياسيون، وهذه بالتأكيد ظاهرة سلبية فى مجملها، بغض النظر عن الأسباب الظرفية لكل واحدة من تلك المعارك، ومع ذلك فإننا نود أن نركز فيما يلى على بعض الأفكار التى يمكن أن تساهم فى تبادل حوار رشيد بين الطرفين. 
مثلا غاب عن هذه المعارك كلية ما يوصف بالاستثمار المصرى بالدم فى تحديث إقليم الخليج والجزيرة العربية بالكامل، وذلك من خلال دور الجيش المصرى فى اليمن بين عامى 1962، 1967. 
ربما لا يكون ذلك الدور محلا للتقدير الإيجابى الآن ــ بل ومنذ فترة طويلة – فى مصر، بما أنه يوجد حاليا شبه إجماع لدى الرأى العام، والنخب المسيسة والمثقفة من المصريين، على أن التدخل العسكرى المصرى لنصرة الجمهوريين اليمنيين على تحالف الملكيين، كان هو البداية لسلسلة الكوارث التى جلبها النظام الناصرى لنفسه ولمصر، عندما أدى إلى استنزاف قدرات مصر العسكرية والاقتصادية، وكان ــ بالتالى – سببا فى عدم تأهيل الجيش لأداء مهمته الأصلية فى مواجهة إسرائيل، مما تسبب فى كارثة الهزيمة فى يونيو 1967، كما كان هذا التورط سببا فى وقف عملية التنمية الشاملة بعد نجاح الخطة الخمسية الأولى، بما صاحب ذلك أو ترتب عليه من اندلاع أولى الموجات التضخمية فى أسعار السلع والخدمات، التى تسببت بدورها فى موجة من الاختلالات الاجتماعية الحادة، ازدادت عمقا واتساعا مع تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى بعد حرب أكتوبر 1973. 
لكن هذا التقويم السلبى للدور العسكرى المصرى فى اليمن داخل مصر نفسها، لا ينفى أن تأثيره كان بالغ الإيجابية فى منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية كلها، بل إن هذا الدور يعتبر – فى التحليل الأخير – هو الفاعل الأصلى فى نشوء الظاهرة الخليجية كما نعرفها الآن، وكما بدأت فى سبعينيات القرن الماضى، وهاكم كيف جرت فصول القصة. 
أولا: لولا ذهاب القوات المصرية إلى اليمن ما كان يمكن للعائلات المالكة فى السعودية وسائر إمارات وسلطنات الخليج والجزيرة أن تحسم أمرها، وتخلع الملوك والسلاطين والأمراء التقليديين، وكانوا لا يختلفون كثيرا عن أئمة اليمن الذين أطاحت بهم الثورة، ليتولى السلطة « كوادر» أكثر استنارة نسبيا، وأكثر استعدادا لتطبيق بعض الأساليب الحديثة فى الحكم والسياسة، وذلك لاحتواء المد الثورى أو الإصلاحى، الذى ألهمت به الثورة اليمنية سائر شعوب المنطقة، رغم انخراط هذه العائلات فى مساندة القوات الملكية اليمنية ضد الجيش المصرى. 
هكذا خلع الملك سعود عن العرش السعودى، وخلفه أخوه الملك فيصل، وهكذا أيضا خلع الشيخ شخبوط من إمارة أبوظبى وخلفه الشيخ زايد، وهكذا أيضا خلع السلطان سعيد بن تيمور، وخلفه ابنه السلطان قابوس على عرش سلطنة عمان. 
ومن المؤكد أنها ليست صدفة أن هؤلاء الحكام الجدد أطلقوا فور توليهم السلطة – كل فى بلده – حملة تحديث، بالمعايير الخليجية بالطبع، فتقرر فصل مالية الدولة عن «مالية» الحاكم، واستحدثت آليات لتوسيع مشاركة المواطنين (الرعايا) فى الثروة، وانطلقت برامج للتوسع فى التعليم والارتقاء بالرعاية الصحية، فضلا عن الإسكان والمرافق والخدمات العامة الأخرى. 
ثانيا: لولا وجود الجيش المصرى فى اليمن ما كان بوسع الجزيرة العربية والخليج الحصول على الاستقلال عن الامبراطورية البريطانية، ثم عن الهيمنة الأمريكية بالسرعة والسهولة التى جرى بهما ذلك التطور التاريخى، فقد أعطى ذلك الوجود زخما معنويا وماديا للمد القومى العربى التحررى، الذى كانت مصر الناصرية تقوده، فاندلعت حرب التحرير فى جنوب اليمن ضد الاحتلال البريطانى المستمر منذ عام 1830، مما أجبر حكومة هارولد ويلسون العمالية فى لندن على الجلاء عن الجنوب اليمنى، وإعلان ما عرف وقتها بسياسة، «تصفية الوجود البريطانى فى شرق السويس»، وكانت قاعدة عدن هى ركيزة ذلك الوجود، بعد أن كان استقلال الهند قد حطم الركيزة الأخرى للامبراطورية البريطانية فى شرق السويس، وهنا تجدر ملاحظة أن البريطانيين ظلوا يحتلون الجنوب والخليج العربيين لأكثر من عشرين سنة بعد استقلال الهند، مما ينفى الادعاء بأن الخروج من الهند هو السبب الحقيقى والمباشر لخروج الاستعمار من جنوب الجزيرة العربية، وإمارات الساحل المهادن من عمان إلى الكويت ( التى حصلت على استقلالها مبكرا نسبيا ).
ثالثا: كان من نتائج القيادة المصرية لحركة التحرر الوطنى فى المنطقة، ومن نتائج الوجود العسكرى المصرى فى اليمن، وكذلك من نتائج النجاح السياسى المصرى فى معركة تأميم قناة السويس، أن تمكنت حكومات الخليج والسعودية من تأميم شركات البترول الأجنبية على أراضيها دون أية تضحيات، ثم جاءت حرب أكتوبر 1973 لتوفر الفرصة لرفع أسعار البترول بقرار من المنتجين، وبذلك تضخمت الثروة الخليجية، التى صنعت كل شىء هناك، بما فى ذلك الأدوار النافذة التى تلعبها الآن عواصم المنطقة فى شئون الأقليم، بل والعالم. 
رابعا: يتصل بالدور المصرى فى اليمن، وفى مساندة عملية تحرير الجنوب اليمنى، أن نظاما شيوعيا هو الذى تولى الحكم فى اليمن الجنوبية (وإن كان على غير هوى القاهرة)، ومثل هذا النظام ــ الذى جاء بالنفوذ السوفيتى إلى الجزيرة العربية ــ تحديا ايديولوجيا بالغ الخطورة لحكومات المنطقة، وكانت إحدى وسائل المواجهة المسارعة إلى الاتفاق الاجتماعى لابطال جاذبية الأفكار «الثورية» لحكام عدن فى تلك الأيام. 
الخلاصة: أن كل فرصة أتيحت لمواطن خليجى، كان للدم المصرى فى اليمن، وفى حرب أكتوبر نصيب فى توفيرها، جنبا إلى جنب مع أدوار المعلمين، والأطباء، والمهندسين، والعمال المصريين وغيرهم، لذا فبعض الامتنان واجب، أو على الأقل التوقف عن لمز مصر والمصريين بسبب الصعوبات الاقتصادية الحالية. 
*************************************
أما المآخذ الواضحة على أداء غالبية المشاركين المصريين فى تلك المعارك الكلامية مع نظرائهم السعوديين، وغيرهم من مواطنى دول الخليج، فأولها ثبات وعى أولئك المصريين على وصف شعوب الجزيرة والخليج بالبداوة، وكأن الدنيا لا تتغير، والتاريخ لا يتطور، أو كأنهم لا يرون أن هؤلاء البدو أصبح فيهم الآن أطباء ومهندسون، وأدباء ومفكرون، وأساتذة وعلماء ومعامل، وأن لديهم الآن بعض أرقى الجامعات، وبعض أنجح النظم الإدارية. 
وهنا نذكر أنفسنا ونذكر مواطنينا بأن الارستقراطية التركية التى هيمنت على مصر حتى أوائل القرن الماضى كانت تعتبر «صفة المصرية» مرادفا لتعبير «الفلاح الخرسيس».
ومع ذلك ففى تلك الحقبة البدوية، شهدت الجزيرة العربية مراكز حضرية تضاهى مثيلتها فى أى مكان فى العالم، وما كان يمكن إلا لحضارة متقدمة إقامة سد مأرب مثلا، وما كان يمكن إلا لتنظيم سياسى راق أن يقيم «إيلاف قريش» السياسى التجارى قبل الإسلام، ولكن يبدو أن بعضنا يحتاج إلى تذكر تشبيه المستشرق الفرنسى الكبير مكسيم رودنسون ذلك الإيلاف بتحالف مدن الهانزا الحرة الألمانية التجارى السياسى فى بواكير العصر الحديث. 
أما المن الدائم على السعوديين والخليجيين بالمعونات المصرية فى سالف الأزمان، فإن المبالغة فيه تضر أكثر مما تنفع، بما أن المعونات السعودية والخليجية لمصر لم تتوقف منذ هزيمة 1967 وبما أن فرص العمل فى الأسواق الخليجية هى أحد أهم مصادر الدخل الأسرى والقومى عندنا. 
يبقى أن أى منصف لا ينكر أن شطط بعض المصريين فى التحامل على السعودية بالذات يرجع فى حالات بعينها إلى كراهية الاسلام السياسى والمذهب الوهابى، أو إلى كراهية الاسلام نفسه فى حالات قليلة، وإلى جذور الكراهية القديمة من بعض القوميين والناصريين للسياسة السعودية فى ستينيات القرن الماضى، وكل ذلك لا هو موضوعى، ولا هو مفيد. 
********************************************
إذن فإن كان مطلوبا من السعوديين والخليجيين الكف عن الاغترار بالثروة فى حديثهم عن مصر وإلى المصريين، فمطلوب منا أيضا شىء من الحكمة والتواضع، وإدراك الحقائق الجديدة.

 

عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.