الإسلام كما أدين به
.. 23 ــ المسلم ومجتمعه - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
.. 23 ــ المسلم ومجتمعه

نشر فى : الخميس 14 يوليه 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 14 يوليه 2016 - 9:43 م
لا تقف تعاليم الإسلام عند «حدود الجوار» بالمعنى الضيق الذى يتداوله الناس بقولهم: «النبى وصى على سابع جار»، فتلك المقولة هى بعض عناصر فقه التكامل، والجوار فى الإسلام له أكثر من مستوى: جوار السكن، جوار العمل (الزمالة)، جوار الاختيار (الصداقة)، جوار القرابة (ذوى القربى/ ذوى الأرحام)، والجوار المتغير (رفاق الطرق والمرافق العامة أو أبناء السبيل)، وهكذا يتسع مفهوم الجوار لمستويات متنوعة ومتعددة..

ــ1ــ

ودائرة المجتمع الذى نسكن فيه أو نعمل فيه دائرة متسعة تضم تنوعات بشرية دائمة أو مؤقتة أو طارئة، ولابد أن يدرك المسلم واجباته نحو تلك التنوعات، لأنه مهما كانت إمكاناتنا الخاصة فقد يصبح الواحد منا فجأة جزءا من هذه التنوعات البشرية. فمن حيث العمر الزمنى والعقلى نجد الكبير والصغير وشريعتنا تقرر:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» والكبير المقصود: كبير السن أو كبير المسئولية أو كبير العقل أو كبير القلب أو كبير المعرفة أو كبير القدرات (النقدية والعينية) أو كبير الصلات والعلاقات، وكل تلك التنوعات من الكبار ملتزمة شرعا أن توجه بعض ما حباها الله به إلى من هم أقل أو أصغر مما نحن عليه. ولا ننسى أن توقير الكبير مترتب على قيامه بواجباته ومسئولياته، أما إذا تغافل أو جهل ومارس حياته كأن الله لم يزده شيئا فليس لهؤلاء أدنى حق فى التوقير. أما الصغير فليس صغير العمر الزمنى أو العقلى فحسب، بل لهذا الصغير أطياف كثيرة مثل صغير المال أو قليله: «فقير/ مسكين/ معسر/ مدين/ عاجز عن الكسب/ لا يجد ما يعمل». وقد نجد هذا الصغير اجتماعيا:«مغترب/ يتيم/ مطلقة/ أرملة»، وقد نجده فى ظروف صحية: (المسنين والمرضى المزمنين والمرضى المؤقتين إلخ)، وشرائح كثيرة كل منا يدركها ويستطيع لو فكر أن يجدهم قريبا منه، وهؤلاء جميعا لهم: «حق معلوم» لا يجوز تجاهله أو عدم الإحساس به.

ــ 2 ــ

ومن إعجاز البلاغ القرآنى استيعابه لحالات متوافرة بين الناس، وقد لا يلتفت الناس إليهم. ألم تقرأ قوله تعالى: ((..يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ..))، أو لم تقرأ أو تسمع قوله تعالى: ((..لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافا..))...وهؤلاء شريحة هامة تزداد اتساعا كلما تزايدت مساوئ السياسة وانهيارات الاقتصاد. فلا تنس أن قرارا ما أو سياسة خرقاء تسبب فورية توقف الاستثمارات، فلا تتصور أن المضرور هو صاحب الاستثمار فحسب، بل إن أى قلقلة فى السياسات العامة تسبب فورا: كسادا/ تقليل إنتاج/ استغناء عن عمالة/ رفع أسعار/ سوق سوداء إلخ ويتبع تلك الكوارث نكبات أخطر فى صور: تهرب/ عجز/ تفكك أسرى/ هجرات عشوائية/ أبناء شوارع/ محتاجون/ عشرات الأشخاص جاهزين للتجنيد تبع أى مغامر إلخ. ولا نستطيع لوم المحتاج ما دمنا لا نستطيع لوم صناع السياسات المدمرة ولا مسبيى الفساد والإفساد. فهل نتنبه جميعا لمسئولياتنا الاجتماعية ويؤدى كل منا واجباته قدر استطاعته؟! وربما استطاع كل منا أن يحصل على ما يكفيه وربما استحق البركة ففتح الله له أبواب خيرات كثيرة.

ــ3ــ

وختاما فإن المسلم يقول لنفسه دائما: «أنا لم أخلق نفسى»، ومعنى ذلك أن الخالق قد خلقنى لغيرى مع نفسى، وكما دبر الله حاجاتى من الرضاعة والتربية ــ رغم عجزى ــ وأحاطنى بالعلماء والأطباء والعاملين رغم صغرى وعدم قدرتى، فلابد وأن يكون لى دور فى كتائب النفع والإعمار.. تلك الكتائب الشريفة التى رسم نشاطها الشرع الحكيم بقوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا».
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات