دستورٌ معبرٌ عن الثورة لا عبءٌ عليها - سليمان عبدالمنعم - بوابة الشروق
الجمعة 1 أغسطس 2025 2:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

دستورٌ معبرٌ عن الثورة لا عبءٌ عليها

نشر فى : الخميس 14 نوفمبر 2013 - 7:35 ص | آخر تحديث : الخميس 14 نوفمبر 2013 - 7:35 ص

ثمة نقاشٌ دستوريٌ محتدمٌ ومتواصل منذ شهور، فى هذا النقاش اختلافٌ وصراعٌ. وفيه مناورات أحزاب وجماعات مصالح. وفى هذا النقاش أيضا تطلعات بشر وطموحات ساسة. حسنا، كل هذا جزء من سمات المراحل الانتقالية التى تمر بها الشعوب والأمم. هذه ضريبة القيمة الدستورية المضافة إلى تطورنا السياسى والدستورى. كل ما نأمله أن تكون جودة المنتج بقدر ما يدفعه المصريون من ضنك وإحباط وضيق حال. السؤال الآن وقد كادت تتضح الملامح النهائية لمشروع الدستور الجديد (أو المعدّل) هو هل تشى هذه الملامح التى توافرت لدينا حتى الآن بدستور يعبّر عن الثورة أم انها تنذر بدستور يمثل عبئا عليها؟ فى الإجابة ملاحظات عدة منها ما يتعلق بالمشهد الدستورى برمته ومنها ما ينصب تحديدا على مضمون بعض التعديلات.

•••

لنتجاوز قليلا حالة عدم الوضوح ونقص الشفافية التى اتسمت بها الكثير من أعمال لجنة الخمسين. لم نكن نتمنى هذا أو نتوقعه خصوصا وأن هذا هو نفس ما أُخذ على لجنة دستور 2012. ربما حاولت لجنة الخمسين بحسن نية أن تستعين فى قضاء حوائجها بالكتمان. لكن لا هى ضمنت لنفسها الكتمان فى أزهى عصور النميمة السياسية ولا هى أوفت بالتزام الشفافية والوضوح فى مواجهة المجتمع. على أى حال هذا أمر تجاوزته الأحداث الآن. ما يقلق بالفعل كان هو الإصرار على عدم إصدار إعلان دستورى مكمّل يبدّد الخلاف ويزيل الالتباس بشأن هوّية الوليد الدستورى المقبل وما إذا كان يعتبر تعديلا لدستور 2012 أو دستورا جديدا؟

ربما كان عزوف مؤسسة الرئاسة عن إصدار إعلان دستورى مكمّل لحسم هذه المسألة مبعثه التشاؤم من فكرة الإعلانات الدستورية المكمّلة وما جرّته على أصحابها بالأمس القريب من ويلات! وربما كان للفريق القانونى لمؤسسة الرئاسة مبرره فى التفسير اللغوى لمصطلح «تعديل» وأنه لا يمنع من شموله كل نصوص دستور 2012 المعطّل. وقد يرى آخرون أن هذا الخطأ فى هويّة الوثيقة الدستورية الجديدة لن يغيّر من واقع الأمر شيئا لأنه ليس ثمة وسيلة أو وجه للطعن فى «دستورية نص دستورى». لأن الطعن أو الدفع بعدم الدستورية لا يهدد إلا التشريعات واللوائح المخالفة للدستور. لكن هذا لن يعُجز القريحة القانونية من ابتكار مطاعن تنال من عدم اتساق هويّة الوثيقة الدستورية الجديدة مع نصوص الإعلان الدستورى الذى لم يمنح للجنة الخمسين سوى صلاحية تعديل الدستور المعطّل. أيا كان وجه الصواب فى هذا الخلاف فالمؤكد أن إصدار إعلان دستورى مكمّل كان كفيلا بتحقيق اليقين الدستورى والاستقرار السياسى لا سيمّا ونحن فى غنى عن افتعال أزمات دستورية مستقبلة أو التشكيك فى سلامة إجراءات المرحلة الانتقالية أو اكتشاف ثغرات قانونية. لا نريد أن نصدق أن هذه المخالفات أو الثغرات قد تكون مقصودة بهدف إرباك المرحلة الانتقالية وإطالة أمدها. مثل هذا التفكير ليس تآمريا فقط بل إنه إذا صحّ سيصير سلاحا ذا حدين قد ينقلب لصالح هذا الطرف أو ذاك!

•••

من بين ما أتيح معرفته بشأن مشروع النصوص الدستورية الجديدة النص الخاص بهويّة الدولة المصرية ووصفها فى مشروع المادة الاولى بأنها «دولة دستورية حديثة». ثمة ملاحظات ثلاث هنا.

الملاحظة الأولى أن حذف كلمة «مدنية» بات فى الواقع لغزا طريفا محيّرا. فهل جاء حذف وصف «المدنية» إرضاء للقوى الإسلامية فى اللجنة واسترضاء مبكرا للناخبين ذوى الميول الدينية؟ هذا تفسير مستبعد لأن القوى الإسلامية نفسها بدأت تكيّف نفسها فى الآونة الأخيرة مع مفهوم الدولة المدنية، بالأقل على صعيد النصوص والمفاهيم. إذن هل كان حذف مدنية الدولة تعبيرا عن قوى 30 يونيو؟ هذا بدوره مستبعد ومن باب أولى لأن الدولة المدنية كانت أحد المطالب الأساسية لقوى 30 يونيو. ثم إن المجتمع المصرى أصبح مؤيدا فى غالبيته لمفهوم الدولة المدنية باعتبارها ضمانة فى مواجهة محاولة تديين الدولة أو عسكرتها. لهذا سيبقى التساؤل محلّقا وحائرا لماذا تم حذف عبارة الدولة المدنية؟

الملاحظة الثانية خاصة بوصف «الدولة الدستورية». فالتأكيد فى صدر مشروع الدستور على أن مصر دولة دستورية هو تحصيل حاصل. فلم يعد احترام الدستور أو التقيد به شرطا مميّزا للدولة بل هو من المفترضات والبديهيات فى الدول الديمقراطية المعاصرة. نفهم مثلا أن تنص المادة الأولى من الدستور على أن مصر دولة مواطنة بحيث ينقل وصف المواطنة من مكانه إلى نص المادة الأولى تعبيرا عن أهميته لا سيّما فى مجتمع يعرف ظاهرة الأقليات والفئات المهمّشة والضعيفة. كان يمكن أيضا أن يُذكر فى نص المادة الأولى أن مصر جمهورية ديمقراطية تأخذ بالتعددية السياسية والتداول السلمى للسلطة. فمثل هذه الإشارة مطلوبة فى دولة لم تعرف طوال ستين عاما سوى انتقال السلطة بطريق وفاة الرئيس أو اغتياله أو الثورة عليه أو عزله. أما أن توصف الدولة بأنها دستورية فأمر لا يقدّم ولا يؤخر.

الملاحظة الثالثة خاصة بوصف مصر بأنها «دولة حديثة»، وهذا وصف يفتقر إلى المدلول القانونى والسياسى ولا يعنى فى ذاته شيئا. فهل هناك فى العلم الدستورى دولة قديمة ودولة حديثة ؟! يمكن استخدام لفظى القِدَم والحداثة فى علوم التاريخ والاجتماع، أما فى الدستور والقانون فليس للمصطلح مضمون قانونى محدد. وبالتالى فعبارة الدولة الحديثة مجرد وصف إنشائى جدير بالحذف. والصياغة الإنشائية يجب أن تنزه عنها الدساتير والقوانين. فالأصل أن يكون لكل لفظ ينص عليه الدستور أو القانون مضمون، وآثار، وقابلية للتطبيق. وليس فى كلمة «حديثة» شيء من هذه العناصر الثلاثة.

•••

يبقى أحد أهم التعديلات الدستورية النص الخاص بكفالة الكرامة الإنسانية وحظر التعذيب. فقد كان انتهاك الكرامة الإنسانية وتفشى ممارسات التعذيب أحد الأسباب الكامنة لثورة 25 يناير وشرارة اندلاعها. ولهذا كان الأمل كبيرا أن يأتى التعديل الدستورى (أو الدستور الجديد) بما يمثل اضافة نوعية على طريق مكافحة هذه الآفة اللعينة. ولقد بُح صوتنا منذ سنوات بأن الحلقة الضعيفة فى مكافحة ظاهرة التعذيب ليست فى العقوبة المقررة لفاعليها ولا هى فى الوسائل التى يتم بها لأنها لن تخضع يوما لحصر.

الحلقة الضعيفة والثغرة الكامنة فى مكافحة التعذيب يلزم لمعالجتها كلمة واحدة لا أكثر هى أن تشمل جريمة التعذيب المتهمين (والمحتجزين) معا بحيث ينص على حظر تعذيب كل متهم (أو محتجز) لأن مصطلح «متهم» يعنى قانونا كل من وجه إليه اتهام من سلطة الادعاء لكن الذى يحدث فى الواقع هو ممارسة التعذيب بحق أشخاص تم احتجازهم أو تقييد حريتهم بدون أن يوجه إليهم بعد الاتهام من سلطة الادعاء (النيابة العامة). مثل هؤلاء وهم كُثُر قد يتم تقييد حريتهم واحتجازهم لأيام (وربما أكثر) قبل عرضهم على النيابة العامة وربما فى غير أماكن الاحتجاز القانونى. وبالتالى فإن ممارسة التعذيب فى مواجهتهم قد يفلت من نطاق تطبيق جناية التعذيب، وربما يخضع (إذا أمكن إخضاعه) لجنحة إساءة استعمال السلطة، والفارق بين الجريمتين كبير.

بالطبع ليست نصوص الدستور هى الأداة القانونية المناسبة لتجريم التعذيب، فمجال ذلك هو قانون العقوبات. لكن بما أن الدستور سيفرد نصا خاصا لحظر التعذيب وعدم جواز تقادم الدعوى الجنائية الناشئة عنه فلا ضير ان يتضمن النص الدستورى الجديد حظر تعذيب كل متهم (أو محتجز). كلمة ستمثل حماية دستورية طال انتظارها لشعب عانى من انتهاك كرامته الآدمية فأورثناه مشاعر المهانة. فالشعوب الحرة تحمى ديمقراطيتها والشعوب المُهانة تسعى لتحطيمها.

سليمان عبدالمنعم أستاذ بكلية الحقوق ــ جامعة الإسكندرية
التعليقات