لماذا تكثر المطالبة دائما بمحاكمة الفنان محمد رمضان، كلما ظهر بشكل غير مألوف يثير اللغط حوله بعد كل حفلة غنائية، سواء داخل مصر أو بالخارج، ولماذا تكثر الانتقادات عندما يجسد شخصية ما بعمل فنى تتجاوز تصرفاتها أقصى حدود المعقول دراميا، وتلقى بظلالها لحالة اشمئزاز اجتماعى.
المسألة بحق تحتاج لتحليل ليس فقط فنيا بل وسيكولوجيا لما لتلك الصورة التى يظهر بها الفنان.. وتطرح تساؤلا آخر: هل محمد رمضان على صواب فيما يفعله!.. أم أن المنتقدين يحمّلون المسألة أكثر من اللازم باعتبار أنهم تعودوا على مشهد الخروج على النص الاجتماعى فى سوابق أخرى كثيرة للفنان؟!
بادئ ذى بدء أنا مع حرية الفن كقيمة إبداعية، وضد القيد على فكر الفنان، ولكن الأمر هذه المرة كان لا يمكن السكوت عليه أو تركه يمر مرور الكرام؟! فالفنان لديه مسئولية اجتماعية خاصة إذا كان يمثل مصر «حتى ولو بحكم الجنسية» التى يحملها، فهى تشكل مسئولية تجاه العرف والتقاليد والشكل العام، وهو ما يضرب به رمضان عرض الحائط فى كل واقعة يثير بها جدلا، وآخرها تلك الصورة التى ظهر بها فى حفله بمهرجان «كوتشيلا فالى» بأمريكا مرتديا بدله تشبه ملابس الراقصات، ويرفع علم مصر أمام آلاف الأجانب فى استمرار لسلسلة الإطلالات المثيرة للجدل التى يعتمدها رمضان فى حفلاته.
نعم خالف رمضان العادات والتقاليد المتعارف عليها.
قال رمضان: «يمكن مدخلش أمريكا تانى بعد الحفلة دى تحديدا لكن رسالة وهنوصلها بالفن والموسيقى والتسلية زى ما هم علمونا».. أى رسالة يريد أن يوصلها رمضان عن الفن المصرى؟! ومن هم الذين علموه فعل ذلك؟!
الأمر الغريب هو ذلك الهروب من المسئولية للنقابات الفنية فى مصر، والتضارب فى بياناتها والتى عكست أيادى مرتعشة، نقابة الموسيقيين ذكرت على لسان مستشارها الإعلامى، أن النقابة ليس لها الحق فى محاسبة محمد رمضان على الإطلالة التى اختارها، وأن الجهة الوحيدة المنوط بها ذلك هى نقابة المهن التمثيلية كونه عضوا بها، وهى الجهة الوحيدة التى لها حق المحاسبة والمساءلة، أما عن الحفلات التى تقام داخل جمهورية مصر العربية، فهى عبارة عن تصريح للحفل الواحد أو العمل الواحد، طبقا لبروتوكول اتحاد النقابات الفنية الثلاث المهن الموسيقية والتمثيلية والسينمائية.
بينما ذكر بيان اتحاد النقابات الفنية على لسان مستشارها أن الاتحاد سيتخذ إجراء حول ما قام به محمد رمضان فى حفله بأمريكا عند التيقن بالصور والفيديوهات للحفل والتحقيق معه حول الواقعة بحضور النقباء الثلاثة ورئيس اتحاد النقابات الفنية.. كونه فنانا ويمثل صورة الفن المصرى، أى تيقن وأى صور وأى فيديوهات ينتظرها الاتحاد وهى تملأ الدنيا كلها وشاهدها القاصى والدانى؟
حالة الغضب الاجتماعى هذه المرة يجب ألا تمر بمرور الكرام، فعلم مصر له قدسيته، نقف له ونحن تلاميذ صغار نلقى التحية والولاء فى مشهد نحفظه عن ظهر قلب، إجلالا للوطن، يرفعه الجندى فى ساحة المعركة، هكذا تعلمنا من
المشهد الذى تتوارثه الأجيال، وتلك هى الرسالة، وهنا أتساءل أى رسالة أراد الفنان ان يوصلها للعالم وهو يحمل العلم بملابس الراقصات، وما علاقته بتلك الملابس.. أتتذكرون معى المشهد الذى قدمه بمسلسله الأسطورة، أجبر ناصر الدسوقى (محمد رمضان) خصمه موسى على ارتداء قميص نوم نسائى والتجول به فى الشارع، انتقامًا منه لنشره صورًا غير لائقة لزوجة ناصر. المشهد أثار موجة غضب بسبب الإهانة القاسية وطريقة تنفيذها الدرامية، وأيضا مشهد ظهر فيه محمد رمضان شبه عارٍ فى «جعفر العمدة» فى أحد المشاهد الرومانسية. رأى البعض أن المشهد لم يخدم الحبكة وكان مجرد استعراض بصرى.
النماذج كثيرة على سلوك الفنان فى حفلاته، بمركز المنارة، ظهر فى حفله عارى الصدر. فى حفل بمدينة العلمين الجديدة بالساحل الشمالى، ظهر على المسرح بملابس غير لائقة وشبه عارية.
أتوقف عند بعض تعليقات الجمهور التى كشفت عن غضبها من الصورة المتكررة للفنان منها «تدمير للهوية المصرية فى مهرجان كوتشيلا العالمى بأمريكا»، وتابع آخر بغضب: «راح يمثل مصر، لابس بدلة رقص حريمى».
فى عام 2021، أعلن الفنان هانى شاكر «نقيب الموسيقيين وقتها»، إعداد النقابة ملفا عن مخالفات الفنان محمد رمضان، لإرساله إلى نقابة المهن التمثيلية لدراسته والتحقيق مع الفنان محمد رمضان، بدعوى مخالفة الإقرارات التى وقع عليها هو ومنظم حفلاته، بالالتزام بالأداب العامة، وقيامه بخلع ملابسه على المسرح، والظهور عارى الصدر خلال الحفلات.
أنا لست ضد الفنان الموهوب الذى كان يمكنه أن يكون نموذجا لبطل شعبى حقيقى ومستمر تلتف حوله الجماهير، وهو قادر على ذلك بحكم مايملكه من إمكانيات، ولكن أى تاريخ يريد أن يسطره لنفسه.. تاريخ «عار» أم تاريخ تكسوه أعمال خالدة ذات قيمة؟!
أعتقد أن رمضان اختار طريقه، ولكن عليه ألا يقحم علم مصر فى هذا الطريق.