دروس سويسرية - أشرف البربرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس سويسرية

نشر فى : الخميس 18 يونيو 2015 - 10:45 ص | آخر تحديث : الخميس 18 يونيو 2015 - 10:45 ص

قال وزير الدولة السويسرى للشئون الخارجية إيف روسيه، «إن وظيفة الدولة هى حماية أرواح البشر وليس إزهاقها». ورغم أن الرجل قال هذه العبارة فى معرض تبريره لإلغاء عقوبة الإعدام فى بلاده، فإنها تكشف عما يحكم علاقة المواطنين بالسلطة فى الدول المتقدمة، حيث تصبح حماية الأرواح هى المبدأ الحاكم لكل تصرفات السلطة، فى حين أن حماية السلطة ورأس الحكم تظل الهدف الأسمى لمن يحكمون بلادنا.

وفى لقاء مع السفير كلاديو فيشر حول النظام السياسى السويسرى، قال الرجل إن «الشعب هو الرئيس» فى بلاده، ولذلك فكل ما تقوم به السلطات فى هذه البلاد يستهدف الاستجابة لإرادة الشعب، خاصة وأن المواطن السويسرى يستطيع إلغاء قانون أو استصدار قانون أو حتى تعديل الدستور إذا تمكن من حشد الأغلبية الشعبية اللازمة لذلك. ويرى فيشر أن هذا المفهوم الراسخ لدى المواطنين يضمن أعلى درجات الولاء والانتماء والالتزام بالقوانين والقواعد بين المواطنين الذين يؤمنون إيمانا قويا بأنهم أصحاب البلاد، وأن السلطة ليست إلا أداة لتنفيذ إرادة الشعب وضمان مصالحه.

ولما كانت عبارة «الشعب هو الرئيس» حقيقة واقعية فى سويسرا، فإن رئيس البلاد مجرد منصب شرفى يشغله أحد أعضاء المجلس الاتحادى (الحكومة) لمدة عام غير قابل للتجديد، كما أنه لما كان الشعب هو الرئيس، فإنه لا يوجد فى هذه البلاد «سوبر ستار» فى الإعلام ولا فى السياسة ولا حتى فى عالم المال والأعمال.

أما الدرس الآخر هو أنه إذا تحققت العدالة الاجتماعية تراجعت نفقات الأمن، حيث قال ستيفان بيلجر مستشار كانتون شافهاوزن فى سويسرا إن ميزانية كانتون شافهاوزن السنوية تبلغ نحو 650 مليون فرنك، نصيب الأمن منها 30 مليون فرنك فقط، فى حين أن ميزانية التعليم تصل إلى 120 مليون فرنك، والصحة إلى 100 مليون فرنك. وأشار بيلجر إلى أن قواعد العدالة الاجتماعية فى الكانتون أدت إلى تراجع كبير فى معدلات الجريمة.

ومنذ وصولى إلى سويسرا ضمن وفد صحفى وإعلامى مصرى بدعوة من وزارة خارجيتها، كان السؤال الذى يلح على عقلى هو: «هل أصبحت سويسرا غنية ومتقدمة لأنها دولة ديمقراطية وخاضعة لسيادة القانون؟ أم أنها دولة ديمقراطية لأنها غنية ومتقدمة؟».

وطرحت هذا السؤال على السيد ستيفان بيلجر، فقال بمنتهى الحسم، إن الديمقراطية وسيادة القانون هما ضمانة الازدهار فى أى مجتمع، مشيرا إلى أن سويسرا تأسست فى منتصف القرن التاسع عشر، وقبل ذلك التاريخ كانت عبارة عن مقاطعات فقيرة متصارعة، لكنها ما إن اختارت الديمقراطية وسيادة القانون والعدالة بين الجميع، حتى تقدمت بسرعة على طريق الرخاء.

ويبقى الدرس الأكبر من هذه الزيارة ومن اللقاءات العديدة مع مسئولين وإعلاميين وخبراء فى سويسرا هو أن التخلف والفقر ليسا قدرا محتوما على مصر، وأن ما عانينا منه فى الماضى وما نعانيه الآن وما قد نعانيه فى المستقبل ليس إلا ثمن استسلام الشعب للاستبداد طمعا فى استقرار زائف.

أخيرا، نقول إن الديمقراطية والحكم الرشيد والتخلص من النزعة الاستبدادية التى تجعل من الرئيس، أى رئيس، متسلطا على حاضر البلاد ومستقبلها يمكن أن تفتح أمام مصر مستقبلا واعدا فى الأجل المنظور.

التعليقات