فيلم ديني - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فيلم ديني

نشر فى : الجمعة 20 أبريل 2018 - 9:20 م | آخر تحديث : الجمعة 20 أبريل 2018 - 9:20 م

تعودنا من زمان طويل، ربما يرجع إلى بدايات اختراع السينما، أن تكون هناك أفلام دينية مسيحية أو إسلامية، وغالبًا كانت هذه الأفلام تقوم بعملية سرد لقصص الكتاب المقدس أو القرآن الكريم، أو قصص مستوحاة من هذين الكتابين مع إضافات من المؤلف، لكن هذه الإضافات لا تخل بالقصة الأصلية، لكن يُعمل فيها نوع من الخيال يوضح توجهًا معينا أو إضافة معينة لفكرة فقهية أو لاهوتية. ومن أشهر الأفلام الدينية الإسلامية فى مصر «فجر الإسلام» وفيلم «صلاح الدين» و«هجرة الرسول»، ومن الأفلام العالمية «الرسالة»، ومن أشهر الأفلام المسيحية «حياة وآلام السيد المسيح» وفيلم «الرداء» و«الخروج» و«آلام المسيح»، ومن أشهر الأفلام الدينية المسيحية التى أثارت جدلًا فيلم «نوح» وفيلم «الإغراء الأخير للمسيح» و«دافنشى كود».

وبعيدا عن الأفلام الدينية التى أثارت جدلًا ضخمًا لكنها قدمت طرحًا معاصرًا لأفكار تقليدية، جاء فيلم بولس رسول المسيح سيناريو وإخراج «أندرو هيات» بطولة جيمس فولكنر، الذى يقوم بدور بولس وجيمس كاينز الذى مثل دور لوقا الطبيب الذى كان تلميذا لبولس وقام بالذهاب إلى روما بهدف علاجه من ناحية وكتابة مذكراته من الناحية الأخرى، وعاش معه فى السجن متطوعًا لتحقيق هذا الهدف مع كتابة رسائل بولس للكنائس التى أسسها.

***

ولقد كُتب هذا الفيلم بعناية شديدة وبتفسير معاصر لشخصية بولس الرسول التى أثارت جدلا فى القرن الأول، حيث كان يهوديًا أصوليًا متعصبًا ضد فكر المسيح وحركته التجديدية للدين اليهودى وهو لم يلتق المسيح فى حياته لكنه كان يرفض بشدة تعاليمه ويتعامل بقسوة شديدة مع أتباعه، وعندما كان شابا تم الحكم بالرجم على شابٍ من أتباع المسيح يدعى إستفانوس بتهمة الهرطقة ضد الديانة اليهودية، وأحب أن يشاهد عملية الرجم فتطوع بحراسة ثياب الرجال الذين قاموا برجمه حتى الموت وكان راضيا سعيدًا بذلك. واستمر بعد ذلك فى مطاردة المسيحيين بنفسه بتصريح من رئيس الكهنة ليذهب إلى دمشق ويقبض على رجال ونساء يوثقهم ويقتادهم إلى أورشليم لقتلهم، وحدث مرة وهو فى الطريق إلى دمشق وقع له حادث، حيث سقط من على حصانه وغاب عن الوعى، وصرح بأنه دار حديث بينه وبين السيد المسيح على أثره ترك اليهودية وتبع السيد المسيح وبدأ فى دراسة المسيحية واعتكف مدة 3 سنوات فى منطقة تدعى الصحراء العربية قريبة من سوريا.

ولقد كان بولس مشروع فيلسوف انضم للتلاميذ الذين عاصروا المسيح وكانوا يشكُّون فى نواياه ثم انتقل بين عدة بلدان يدعو للمسيح حتى قُبض عليه وذهبوا به إلى روما وأودع فى السجن تمهيدا لمحاكمته وإعدامه بقطع رأسه بالسيف، وهنا جاءه لوقا الطبيب وكان بحاثة من أصل يونانى وهو لم يكن من تلاميذ المسيح أيضًا لكنه كان مهتمًا بالدعوة وكتب قصة المسيح وبعض كتابات عن أنشطة التلاميذ فى القرن الأول الميلادى، خصيصًا قصة بولس، فطلب من السلطات الرومانية أن يعيش معه فى السجن ليستمع له ويكتب مذكراته وقد سُمح له بذلك.
وبمتابعتى لهذا الفيلم الذى يحكى عن عصر الإمبراطور نيرون الأكثر كراهية للمسيحيين بين أباطرة روما للدرجة التى فيها اتهمهم بإحراق روما وكان يضىء بأجسادهم الشوارع فى المساء ويلقى بهم للأسود فى الاستاد صباحًا لتسلية الجماهير.
فى هذا الجو كان المسيحيون مختبئين تحت الأرض مطاردين ،وهناك عدة مواقف لابد من سردها لأنها تقدم تفسيرًا جديدًا لشخصية بولس من أهمها مفهوم المعجزة، فقد تحدث بولس أنه كان يعانى من مرض عضال أطلق عليه مجازًا (شوكة فى الجسد) وقد قام شراح الكتاب المقدس بمحاولات لتخمين نوعية المرض. قال البعض إنه ضعف البصر الذى كان يشكو منه فى نهاية حياته، وقال البعض الآخر إنه مرض الصرع والذى كان يُعتبر فى ذلك الوقت مرضا شيطانيا، وبالتالى كان معوقا لرسالته فكيف يكون داعية وبداخله شيطان أو جن، وهناك من اعتبر الشوكة ترك زوجته له بسبب اعتناقه المسيحية وعدم زواجه بعدها. وقد سبب له ذلك عدة مشاكل. إلا أن كاتب السيناريو اقترح أن مرض بولس العضال كان كوابيس تأتيه كل فترة يرى فيها ضحاياه من النساء والرجال والأطفال الذين سفك دماءهم بيديه فيصرخ وهو نائم ويوقظه صديقه الطبيب، وظلت هذه الكوابيس تطارده فى أحلامه، وهذا التفسير أقرب إلى فكرة أنه كان يعانى من مرض الصرع بحسب بعض المفسرين الأوائل، وقد أعلن بولس أن الله استمع له ولم يشفه لكنه أعطاه قوة لتحمله فى الوقت الذى لم يستطع الطب فيه أن يساعده.

***

أما الأمر الثانى الذى توقفت عنده كثيرًا، كان عندما طلب منه قائد رومانى يتابع سجن المسيحيين ويطاردهم وقد مرضت ابنته مرضًا قاتلًا وأخذ القائد وزوجته يبتهلان للآلهة التى يعبدونها لكى تُشفى ابنتهما دون جدوى، وصرح كبار الأطباء أنه لا فائدة وهنا نصحه البعض أن بولس المسجون عنده معروف عنه القيام بمعجزات وعليه أن يطلب منه وهو سيستجيب لصالح انقاذ المسيحيين أو تخفيف الحمل عنهم وكانت المفاجأة أنه عندما طلب القائد ذلك من بولس قال له أنا لست بصانع للمعجزات أنا مجرد داعيه، إن سألتنى عن إلهى المختلف عن آلهتكم، يمكننى أن أشرح لك عنه، ثم أردف لكن هناك طبيبًا متخصصًا يستطيع أن يساعدك، وأنا سوف أطلب منه ذلك، وجاء لوقا الطبيب وكانت الفتاة تموت وبعد أن فحصها قال إن هناك تجمعًا دمويًا على الرئة وعلينا أن ننتهى منه، وطلب من القائد أن يعطيه سيفه وقام بإجراء عملية بذل فيها دماء الفتاة، والتى عندما تم هذا الأمر استيقظت وشفيت، وهذا الموقف يوضح إلى أى مدى كانت المعجزة ليست هى القاعدة، وهو طرح لاهوتى يتحدى أولئك الذين يتحدثون ليل نهار عن المعجزات فى عصر صار العلم والطب الطريق إلى الشفاء والتطور والتقدم. والمفاجأة هنا أن رسول المسيح قال: أنه لا يصنع معجزات طالما يوجد طبيب!! وأشار على الرجل أن يلجأ إلى العلم والطب لشفاء ابنته.
وربما هذا الموقف يدعو المؤسسات الدينية أن تتصالح مع الشباب الذى يرفض المعجزات ويلجأ للعقل والعلم.

***

موقف ثالث فى منتهى الأهمية، وهو أننا عادة عندما نتحدث عن المسيحيين الأوائل نتحدث عنهم بفخر شديد وكأنهم النموذج العظيم للمسيحية أولئك الذين لم يخطئوا وأننا إن كنا نريد نجاحًا وتجديدًا للمسيحية علينا العودة إلى الكنيسة الأولى التى هى بمثابة العصر الذهبى للدعوة المسيحية، وبالطبع ينطبق هذا أيضًا على الإسلام، فرجال الدين وقادته يتحدثون عن أيام فجر الإسلام كالنموذج الذى يحتذى ويتجاهلون تاريخا طويلًا من الخبرات المتراكمة التى أضيفت على مدى مئات السنين، لقد صور سيناريو الفيلم الكنيسة الأولى فى قوتها وضعفها أنهم بشر يخطئون ويصيبون، والموقف الذى أوضح ذلك كانت الإجابة عن سؤال ماذا تفعل جماعة المؤمنين فى موقف الاستضعاف والاضطهاد؟!!.

هناك مسيحيون فى السجن ينتظر بعضهم إلقاءهم للأسود الجائعة لتسلية نيرون والجماهير، وينتظر البعض الآخر صلبهم ودهن أجسادهم بالقار وإحراقهم لإنارة شوارع روما فى الليل. والبعض الثالث يعيش تحت الأرض فى رعب شديد، وهنا انقسمت الكنيسة فى توجهها إلى قسمين الأول هو المقاومة السلبية وتقديم الحب كقيمة عليا لجلاديهم وقبول الموت بنفس راضية ليكونوا شهداء وشهادة حب وسلام فلا يجب أن يقاوموا الشر بالشر أو السيف بالسيف، لكن القسم الثانى وكان معظمهم من الشباب رفعوا كبديل لقيمة الحب قيمة العدل وقالوا إن السيد المسيح كما نادى بالحب نادى بالعدل وعلينا أن نحقق العدل ولو بالسيف. وبدأ الشباب يسلحون أنفسهم خاصة بعد القبض على صبى مسيحى ابن 11 سنة وقتله، وبدأوا فى التدريب على السيوف لإرساء العدل رغم اختلاف الكبار من قيادات الكنيسة معهم. وفى حركة مفاجئة خرج هؤلاء الشباب مساءً وقتلوا الجنود الذين يحرسون السجن وحرروا المسيحيين ثم ذهبوا وقتلوا الجنود الذين يقومون بمحاصرة المسيحيين الذين يعيشون تحت الأرض ودخلوا مبتهجين بانتصارهم على الرومان وصرخوا فى وجوههم أنتم لكم فترة تريدون الخروج من هذا المخبأ والرحيل من روما وقد جاءتكم الفرصة لقد قتلنا الجنود الذين بالخارج وها نحن معكم سنرافقكم حتى تخرجوا بسلام من روما، لكن المسيحيين رفضوا أن يهربوا كنتيجة لقتل الجنود بالسيف وحدث حوار حول أيهما أهم: قيمة الحب أم قيمة العدل؟.

وعندما فشل الشباب فى إقناع الآخرين بالهرب بعد قتلهم الجنود نظروا إليهم وقالوا لهم: أنتم أغبياء لرفضكم فرصة التحرير بادعاء الحب لأعدائكم والمقاومة السلمية. لكن جاء إنقاذهم من هذا الموقف بعد عدة أيام عندما قام لوقا الطبيب بإجراء العملية الجراحية لابنة القائد الرومانى، فقام القائد الرومانى بنفسه بتحرير السجناء وبمتابعة المسيحيين الذين كانوا مختبئين تحت الأرض فى خروجهم سالمين من روما وهكذا انتصر الحب... وبعد عدة سنوات تحولت الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية.

فى النهاية يقول الفيلم إنه لا نجاح لأى دعوة دينية بدون رفض الخرافة وتبنى العلم الحديث مع القيم الإنسانية العليا (الحب ــ الخير ــ الجمال) هذه كانت رسالة الفيلم فهل بيننا من يفهم؟.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات