مصر والسودان - عمرو هاشم ربيع - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر والسودان

نشر فى : الخميس 20 أبريل 2023 - 9:05 م | آخر تحديث : الخميس 20 أبريل 2023 - 9:05 م

السودان يحترق، ومصر تدعو كافة الأطراف إلى تغليب لغة العقل، وتدعو القوى الخارجية بالنأى عن نفسها فى التدخل فى الأحداث. المشكلة الرئيسة فى السودان هى التعثر فى الانتقال السلمى للديمقراطية عقب انهيار حكم البشير.

الجيش يتشبث بالسلطة فى مواجهة المدنيين، ويترافق ذلك مع صراع مكبوت داخل المكون العسكرى على ذات المكاسب التى تجعله يتحكم فى ناصية القرار السياسى وليس العسكرى فقط. الصراع تحول منذ السبت الماضى من صراع مكبوت إلى حرب حقيقية تدير حلقاتها عملية تخلف سياسى مريع ومفزع. فى مثل تلك المواقف تتنبأ الدول بسهولة بالمشهد المتوقع، وهو ما وجدناه كثيرًا فى المسالك الغربية فى العراق وسوريا مثلا، من توقع نواكب، ويعقب التوقع انسحاب سريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ما حدث فى السودان عكس ذلك، رغم التوقع لم يحدث ردود فعل على قدر الحدث، وهو أمر من الأهمية حتى لا تصل الأمور لهذا المستوى المتأزم بالنسبة لمصر على وجه التحديد.

مصالح مصر مع السودان كبيرة، ومن أهم مشكلاتها أن البعض كان يربطها فقط بمياه النيل، ما جعل الأواصر بين البلدين مجرد أمور مادية صرفة، رغم كون السودان امتدادا طبيعيا للوضع الأمنى والاقتصادى والاجتماعى فى مصر، بذات القدر بما يحدث على الحدود الشرقية بالنسبة للإخوة الفلسطينيين بغزة الذين يعتبرون حاجزا طبيعيا مع الكيان الصهيونى صنيعة الغرب، أو على الحدود الغربية حيث الاقتتال الليبى الليبى المؤثر بلا شك سلبا على الأوضاع فى مصر.

فى السودان مشكلات كثيرة. اليوم انسحبت قوات الجيش المتواجدة قبالة الحدود مع إثيوبيا للحاق بالداخل لمواجهة لقوات الدعم السريع، هذا الانسحاب إذا ما طال أمد الصراع، سيكون له عواقب غير مرضية على الأوضاع فى تلك المنطقة، لا سيما وأن تاريح التعامل مع إثيوبيا هو تاريخ ملىء باستغلال الفرص لحصد مكاسب داخلية من الصراعات الداخلية فى الدول المجاورة، ولنا فى بدء بناء سد النهضة واستغلال أحداث 25 يناير 2011 أكبر مثل لذلك.

من زاوية أخرى، حالة الفوضى فى السودان مقلقة للشأن المصرى إذا ما طال الصراع المسلح. إذ ما كادت البلاد تفرغ من محاربة الإرهاب من الداخل، وتتصدى لمنافذ ومنابت دعمه من الحدود الشرقية والغربية والجنوبية، إلا وقد لا حت اليوم بوادر عودته من جهة الجنوب، فالإرهاب كالحيوان القمام لا يرقى له التواجد إلا فى وجود الجيف، ولا تود أفضل من جيف الاقتتال الخارجى والانفلات الأمنى وعدم الاستقرار الداخلى، حتى يفرخ هذا الإرهاب ويستوطن.

واحدة من المشكلات التى تم القضاء عليها فى السنوات القليلة الماضية، الهجرة غير النظامية التى ما برحت لسنوات تمر عبر الدروب والوديان من الجنوب، بعضها يستوطن مصر، وبعضه يعتبرها ممرا للخروج عبر المتوسط إلى أوروبا. بالطبع حالة عدم الاستقرار المستعر فى السودان اليوم هو أمر ينذر بعودة تلك الظاهرة، وزيادة فرص اللجوء إلى الخارج إلى أو عبر مصر.

أمر آخر متصل بالشأن التجارى بين مصر والسودان، وهنا نتذكر جميعًا حقيقة أن السودان كانت هى أحد المنافذ للخروج من أزمة توافر اللحوم الحمراء، عقب المشكلة لكبيرة التى حدثت على وجه الخصوص منذ خفض قيمة العملة المصرية وارتفاع أسعار اللحوم بسبب اختفاء الأعلاف فى السوق المحلية، ووصل سعرها إلى الضعف تقريبا. لا شك أن المشروع المصرى الكبير فى ولاية النيل الأبيض المقام على مساحة 40 ألف فدان لتربية الثروة الحيوانية، هو من المشاريع الواعدة، المطلوب المحافظة عليه، وهو مشروع يخدمه مشروع آخر أشمل وأعم وهو تأسيس مينائى قسطل وأشكيت البرى، لدعم حركة السلع والبضائع، لا سيما وقد تخطى حجم التبادل التجارى بين البلدين 1.2 مليار دولار.

الأمر الأكثر أهمية هو أن مصر كانت تنأى بذاتها عن التدخل أو التوسط فى العملية السياسية فى السودان عقب سقوط البشير. ومن المهم التأكيد على أن الدعم المصرى للتحول الديمقراطى فى هذا البلد هو الكفيل على المدى البعيد بتحقيق الاستقرار فى العلاقات بين البلدين، وبالطبع الاستقرار الداخلى فى السودان.

أما ما هو عاجل، وفى ظل شح الخدمات بسبب الاحتراب القائم، فهو سرعة مد السودان بما يحتاج من أمور ضرورية من مصر وعبر مصر، بغرض رفع العبء عن كاهل شعبه جراء الصراع الحالى.

عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
التعليقات