رعاع بافلوف وكلبه - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رعاع بافلوف وكلبه

نشر فى : السبت 20 مايو 2017 - 10:45 م | آخر تحديث : السبت 20 مايو 2017 - 10:45 م
وقف كلب فى ركن من أركان معمل ينتظر الطعام. إلى جانب فكه ثبت أنبوب مرن لجمع اللعاب. وفى ركن آخر من المعمل عكف عالم الفيزيولوجيا الروسى إيفان بافلوف على تحليل بعض النتائج. كان هدفه دراسة استجابة الحيوانات للمؤثرات المختلفة. وفى هذه المرحلة من التجربة كان تأثير الطعام على إفرازات الغدد اللعابية هو موضوع الدراسة.
ما حير بافلوف لبعض الوقت هو زيادة لعاب الكلب فى أوقات لا علاقة لها بتقديم الطعام! تكررت المسألة ولاحظ الرجل أن لعاب الكلب يسيل بمجرد ظهور مساعده فى المعمل سواء أكان يحمل طعاما أم لا.
فى الشهور التالية وضع بافلوف جرسا فى المعمل كان يضربه كلما قدم للكلب طعاما. بعد فترة من هذا الارتباط، وجد بافلوف أن لعاب الكلب يسيل كلما ضرب الجرس دون أن يقدم طعاما للكلب.
عرف رد الفعل هذا بـ«التكييف الكلاسيكى» وحملت التجربة اسم «الارتباط الشرطى». كان الاكتشاف من الأهمية بمكان إلى حد أن بافلوف كرس ما تبقى من عمره لدراسته، وكان أول روسى يحصل على جائزة نوبل فى الطب عام 1904.
خدمة كلب بافلوف الكبرى كانت تفسيره للتلاعب الذى يمكن أن يحدث فى سلوك البشر والحيوانات وتوضيح الآلية التى يمكن بها الحصول على رد فعل لا علاقة له البتة بالمؤثرات التى يتعرض لها الكائن الحى.
يمكنك مثلا أن تدرب البشر على اتخاذ رد فعل عنيف وعدوانى لكل من يبتسم لهم ويقول «صباح الخير»، لو تمكنت بالإلحاح والتكرار من ربط التحية بمجموعة من القيم أو المشاعر السلبية التى عادة ما تولد سلوكا عدوانيا.
هذه ليست فكرة غرائبية. هذه هى الآلية التى اتبعت لشيطنة دعاة حقوق الإنسان ومناهضى التعذيب فى مصر. بالمنطق البسيط يصعب أن تفترض شرا فى أى دعوة تنادى باحترام حقوقك الآدمية، أو مناهضة التعذيب البدنى، أو تأكيد حق كل مسجون مريض فى الرعاية الصحية. رد الفعل الطبيعى هو أن يقول المجتمع شكرا، أنا ممتن لاهتمامك بإنسانيتى، لا أن يمارس العدوانية أو يتغاضى فى صمت عن ظلم من يدافع عن إنسانيته، أو تقديمه للمحاكمة بهذه التهمة المدهشة.
لكن حملة منهجية ربطت كلمات «حقوق الإنسان» بالانتهازية والعمالة، على مدى شهور وسنوات تمكنت من إحداث ارتباط ذهنى شرطى، يستحضر فى الأذهان صور الارتزاق المأجور والعمل ضد الوطن والتعامل مع سفارات أجنبية معادية مع ما يصاحب ذلك من مشاعر سلبية. أحدث هذا تغييرا واسعا وأنتج سلوكا جمعيا عدوانيا غير معتاد أو متوقع يمارسه المجتمع ضد المطالبين بالحفاظ على كرامته!
ربما يكون هذا مثالا على أسوأ تطبيقات نظرية بافلوف فى «تكييف السلوك» والتى صار من الممكن بمقتضاها تدريب البشر على مناهضة كل قيم التغيير الإيجابى، أو النزاهة، أو الشفافية، أو المحاسبة، أو المسئولية تحت رعاية منظومة فساد ممنهج.
إدراك أبعاد ما حدث من تشويه فى السلوكيات ربما يستتبعه ضرورة التفكير فى آليات جديدة لخلق تكييف اجتماعى مغاير. ربما تكون هناك ضرورة لهجر كل المصطلحات التى تم تشويهها بالتركيز على تكييف كلمات جديدة وتجاوز مصطلحات: ناشط، نشطاء، ثورة، حقوقيون.. إلخ والتركيز على عبارات أخرى يتم ربطها بشكل إيجابى مع مصالح مباشرة. مثلا: حركة التغير الإيجابى، مسارالمستقبل.. أو أية عبارات لم يتم انتهاكها أو ربطها بانفعالات سلبية بنفس الدرجة.
ربما يحسن هنا أيضا أن نذكر أن التكييف الاجتماعى بهذه الطريقة قد لا ينتج دائما عن توجيه إرادى من هيئة أو جهة أو منظومة. فمن الممكن مثلا أن يتغير السلوك الجمعى تجاه منظومة ارتبطت فى الأذهان وعلى مدى عقود، بمشاعر الفخر والعزة والكرامة. تحول هذه المنظومة إلى نشاط ربحى تجارى استثمارى مكثف، وتكرار نشر أخبارها فى سياق الاستحواذ الاقتصادى، وربطها فى الخطاب الدارج بـ «السبوبة» و«الاحتكار» ربما ساهم فى خلق انفعالات وردود أفعال غير متوقعة تجاه المنظومة ككل، وتجاه البارزين من أفرادها تجد لها مخرجا فى أوقات غير متوقعة. وهو ما قد يفسر رد الفعل السلبى والعنيف على تصرف عادى تماما يقوم به أحدهم.

 

التعليقات