ماكينزى وأمريكا وسد النهضة - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماكينزى وأمريكا وسد النهضة

نشر فى : الأحد 20 يونيو 2021 - 7:15 م | آخر تحديث : الأحد 20 يونيو 2021 - 7:15 م
«سلوك إثيوبيا فى قضية سد النهضة يقلقنا كثيرًا، ومصر تمارس قدرًا هائلًا من ضبط النفس، وتسعى للتوصل إلى حل دبلوماسى وسياسى للمشكلة، وهى أظهرت قيادة حقيقية فى هذا المجال».
الكلمات السابقة ليست لأى مسئول مصرى أو حتى مواطن عادى، لكنها للجنرال كينيث ماكينزى قائد القيادة المركزية الأمريكية، وقالها يوم الجمعة الماضى فى حوار مع الإعلامية أمل رشدى بقناة النيل للأخبار.
حينما قرأت هذه التصريحات على أكثر من موقع مصرى مساء الجمعة الماضية، لم أصدق أنها لمسئول أمريكى وتصورتها، لوزير الخارجية أو الرى المصرى أو أى مسئول مصرى بارز، بل تصورت للحظات أن ترجمة كلمات وتعبيرات المسئول الأمريكى ربما تكون ليست دقيقة، وملتبسة، بحيث أننا ترجمناها بالطريقة التى نتمناها، وليس كما قالها نصا.
وإلى أن نعرف حقيقة ونص ما قاله ماكينزى، وبافتراض أنها دقيقة، فإن ذلك يعنى العديد من الدلالات، خصوصًا أنها من المسئول العسكرى الأمريكى الأبرز فى الشرق الأوسط، أى القيادة المركزية.
السؤال الأبرز إذا كانت تلك هى وجهة النظر الأمريكية بالفعل فى هذه القضية شديدة الحساسية والأهمية لمصر، فلماذا لم يتم ترجمة ذلك إلى ضغوط حقيقية على إثيوبيا لإلزامها بالتوصل إلى اتفاق قانونى وملزم ويحقق مصلحة الأطراف الثلاثة؟!
أقول ذلك لأن هناك التباسًا واضحًا فى الموقف الأمريكى، ويبدو شديد التباين فى بعض اللحظات منذ دخول أمريكا إلى هذه الأزمة.
نتذكر أن إدارة ترامب السابقة، كانت أكثر انغماسًا فى هذه الأزمة، وأخذت على عاتقها دعوة الأطراف الثلاثة للتفاوض فى واشنطن، وشاركت بوزير خزانتها القوى آنذاك ستيفن مينوتشين، إضافة إلى رئيس البنك الدولى ديفيد مالباس فى المفاوضات، التى حققت اختراقًا كبيرًا وتوصلت إلى اتفاق، وتحدد موعد للتوقيع والاحتفال فى فبراير ٢٠١٩ بواشنطن، لكن المفاجأة أن الوفد الإثيوبى هرب ولم يحضر، والوفد السودانى تحفظ وامتنع عن التوقيع زمن عمر البشير، ووقعت مصر فقط على الاتفاق غير الملزم لأحد!!
موقف إدارة ترامب ظل قريبًا نسبيًا من الموقف المصرى، بل وقبل أسابيع من مغادرته البيت الأبيض، أطلق ترامب تصريحه الغريب والغامض حينما قال: إنه لم يتفاجأ إذا قامت مصر بتفجير السد. ولم نفهم وقتها هل هى دعوة لنهاجم السد ــ وليتنا فعلنا ــ أم أنها دعوة لتوريطنا فى أزمة كبرى أم أنها واحدة من نوبات وتصريحات ترامب غير المتزنة؟!
غادر ترامب وجاءت إدارة جو بايدن، وانشغلت بأمورها الداخلية وإزالة آثار وإرث الإدارة السابقة، ولم تتذكر هذه الأزمة إلا منذ أسابيع، حينما عينت الدبلوماسى المخضرم جيفرى فيلتمان مبعوثا للقرن الأفريقى وسد النهضة وزار البلدان الثلاثة.
الخطاب الأمريكى الشائع فى هذه المشكلة هى ضرورة استمرار التفاوض والحوار حتى الوصول إلى حل يحقق مصلحة كل الأطراف. وهو كلام جميل لولا أنه يصب فى المخطط الإثيوبى الذى يشترى ويستهلك الوقت حتى يفرض أمرا واقعيا بالملء الثانى، خصوصا أننا نتفاوض منذ عشر سنوات بصورة عبثية.
وهناك تقارير غير رسمية تقول إن واشنطن طرحت على الأطراف الثلاثة الوصول إلى اتفاق جزئى ينظم عملية الملء الثانى فقط. وإذا صحت هذه التقارير فهى تصب أيضا فى مصلحة إثيوبيا وخططها.
من أجل كل ذلك تبدو تصريحات ماكينزى غريبة ولا تتسق مع السياق الأمريكى الأساسى فى هذه الأزمة، إلا إذا كانت أيضا تحاول إقناع مصر، بأن واشنطن تتعاطف مع وجهة النظر المصرية، من دون أن تقدم حلولا عملية تحقق فعلا مصلحة كل الأطراف، وليس طرفا واحدا فقط كما هو واضح على أرض الواقع.
الولايات المتحدة تتعامل مع إثيوبيا باعتبارها مركز ارتكاز مهم لمصالحها فى كل أفريقيا، وليس القرن الإفريقى فقط. هى فرضت عقوبات شكلية جدا على أديس أبابا، ليس بسبب تصلبها فى قضية السد، ولكن بسبب انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان فى إقليم التيجراى.
وبالتالى فإن ما يهمنا فى كل ما سبق ليس فقط التصريحات المنمقة والمتعاطفة، بل التصرفات العملية فى الواقع.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي