إنترڤيو - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنترڤيو

نشر فى : الخميس 20 يوليه 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 20 يوليه 2017 - 9:40 م
فى الصيف يبدأ موسم «إنترڤيوهات» المدارس، وأعتذر مقدما عن استخدام الكلمة بأصلها الإنجليزى لأنها هى الشائعة وبعض النحاة يقول: خطأ شائع خير من صحيح مهجور. يبدأ موسم «الإنترڤيوهات» للالتحاق بالمدارس وتلك لحظة حاسمة فى حياة كل أسرة، ولعلنى لا أبالغ إن قلت إن السؤال الثانى الذى تجهز له الأم الحامل بعد سؤال الاسم المقترح للمولودة أو المولود هو السؤال الذى يتعلق بالمدرسة التى وقع عليها اختيارها. بطبيعة الحال هذا النوع من الأسئلة غير مطروح بالنسبة للأسر المعدمة التى كل همها هو إلحاق الأبناء بمدرسة فى محيط القرية أو الحى كى لا تضاف نفقات التنقلات إلى أعباء الحياة المكلفة، لكنها أسئلة مطروحة على الطبقة المتوسطة التى يكثر الحديث عنها هذه الأيام والتى تعتبر أن التعليم الجيد هو أولويتها رقم واحد وأنها قد تستغنى عن الاشتراك فى أحد النوادى الرياضية أو عن تجديد السيارة القديمة على الرغم من تكرار أعطالها لكنها أبدا لا تتنازل عن مستوى التعليم. وهذا مجرد استدراك لتوضيح أن الطبقة المتوسطة حين تنفق على تعليم أبنائها فإنها لا تفعل ذلك عن سعة لكنها تضحى بأولويات أخرى مهمة كالتكوين الرياضى والتنقل الآمن لأنها تؤمن بالاستثمار فى التعليم. 
وكما اختفت من مصر لافتة «شقة للإيجار» بمعناها التقليدى أى الذى لا ينطبق على الشقق المفروشة والشقق ذات الإيجار الجديد، تبخرت أيضا فرصة إتاحة التعليم لكل من يحتاج إليه من المواطنين لأسباب تتعلق بزيادة الطلب على العرض نتيجة تضخم عدد السكان. ومثل هذا الوضع يفرض على مدارس الطبقة المتوسطة أن تجرى «إنترڤيوهات» للأطفال المتقدمين لها ويتقرر بعدها قبولهم أو رفضهم. دخلتُ مدرستى بدون «إنترڤيو» لكن ابنى مر بهذه التجربة قبل نحو ٣١ عاما، وعندما عصرت ذهنى لتذكر ملابسات هذا «الإنترڤيو» لم أَتذكر إلا أن ابنى لم ينطق حرفا فى المقابلة حتى ظننت أنه حتما مرفوض لكنه للعجب قُبِل ولم يكن لذلك من تفسير إلا أنه فضل كبير من الله. حفيدتى أيضا مرت بهذه التجربة ووُضعت على قائمة الانتظار وكان يمكن ألا يدركها الدور لولا أننا استعنّا بصديق، ومسألة الاستعانة بصديق هذه أصبحت ممارسة شائعة لإلحاق الأطفال بالمدارس المتميزة، وبالتأكيد لا تمثل هذه الممارسة الأسلوب الأمثل للتعامل مع قضية بطبيعتها تربوية، وما كانت أسرة ابنى تحب أن تفعل فى روما كما يفعل الرومان لكنها لجأت لسلوك الرومان مكرهة. 

***
إذن أصبح فى الأمر «إنترڤيو»، ولا تتوقف نتيجة هذا «الإنترڤيو» قبولا أو رفضا فقط على إجابات الطفل أو على عوامل قدرية مثل توفيق الله أو حتى على مساعدة شخصيات نافذة كما سبق القول، لكنها قد تتوقف أحيانا على الظروف الأسرية للطفل فبعض المدارس يطلب من الأهل تعبئة استمارة تخص مستواهم التعليمى، لا بل وحتى التقدير الذى حصلوا عليه عند التخرج من الجامعة وكأن الممتاز ينجب ممتازا والمقبول ينجب مقبولا وهكذا!. أما أغرب شىء فهو هذا العامل المستجد على نطاق ليس بالضيق والخاص بالجنسية الأخرى للطفل، وذلك بمعنى أن الطفل الذى يحمل جواز سفر أمريكيا أو أوروبيا ويتساوى أداؤه مع أداء طفل آخر لا يملك غير الجنسية المصرية تكون له الأولوية فى الالتحاق بالمدرسة، وهذه ممارسة شديدة العنصرية تتعالى على جنسية الدولة التى تعمل تلك المدراس على أرضها. 
***
فى «الإنترڤيو» يكون على الطفل أن يجلس مع ناس غرباء يلتقيهم لأول مرة ــ غالبا فى وجود الأهل عن بُعد لكنه فى بعض الأحيان يدخل المقابلة فردا، ومثل هذه التجربة تضع طفل الرابعة من عمره تحت ضغط نفسى وغالبا ما تُعتبر مسئولة عن تشكيل صورته الأولى عن المدرسة باعتبارها تعنى الامتحان. غالبا أيضا لا ينسى الأطفال تفاصيل هذه التجربة حتى بعد أن يكبروا ويصبحوا آباء وأمهات، فإذا كنت أنا قد نسيت ملابسات «الإنترڤيو» الذى اجتازه ابنى قبل ثلاثة عقود فلقد فوجئت أنه لا زال يذكر أنهم سألوه عن معنى «شجرة» باللغة الفرنسية فأشاح عنهم بوجهه. ولا يحتاج الطفل إلى أن يكون انطوائيا ليصمت فى مثل هذا النوع من المواقف أو يُعْرِض بوجهه عن سائليه فسلوك الأطفال لا يخضع بالضرورة لتفسيرات المدرسة السلوكية وإلا ما وُصِف الصغار بالتلقائية، أما إن كان الطفل انطوائيا أو غير اجتماعى بالفعل فسوف يمثل له هذا الموقف العصيب بلا شك نوعا من التعذيب الشديد. 

***
وحول أسئلة «الإنترڤيو» كتب أحدهم على الفيسبوك شاكيا من صعوبة الامتحان الذى تعرض له طفله ذو الثلاثة أعوام ونصف، ومن ذلك أنهم اختبروه فيما إذا كان ينطق حرف «r» كما ينطقه الفرنسيون أى « أغ» أم لا، وأضاف أنه فخور بابنه «الدكر» على حد قوله على الرغم من تأثره النفسى الشديد. أثار وصف «دكر» عاصفة من النقد فَلَو أن البكاء خاصية نسائية خالصة ما خلق الله الدموع فى مآقى الرجال، لكن ليس هنا موضع مناقشة هذا الأمر فهو جزء من ثقافة عامة تحتاج إلى التغيير، أما مناط النقاش فهو صعوبة الاختبار وتلك شكوى متكررة. بالتأكيد توجد مبالغات فى تقدير هذه الشكوى لكن هل يُعقل أن يُسْأل طفل إن كان يعرف لغة أخرى غير الإنجليزية؟ حدث بالفعل. ومثل هذا السؤال يوجه للمتقدمين لامتحانات وزارة الخارجية وليس لطفل على أبواب أولى حضانة.
***
يبدأ موسم «الإنترڤيوهات» وتتحول أنظار البيوت المصرية من امتحانات الثانوية العامة ومشاكلها وتنسيق القبول بالجامعات إلى مقابلات الأطفال الشخصية للالتحاق بـ kg1، فيا أصحاب المدارس التى يطلب الأهل ودها بحثا عن مستقبل محترم يفيد أطفالهم ويفيد وطنهم ــ حنانيكم، إذا لم يكن من «الإنترڤيو» بد فليكن، لكن من فضلكم انظروا بعين الرأفة لأعمار الصغار وأنتم تختبرونهم وكونوا فى شروطكم أكثر رفقا بالطبقة المتوسطة، فقد قال عنها أرسطو إنها رمانة الميزان.

 

نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات