كيف نتعامل مع وزير متحرش؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 3:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف نتعامل مع وزير متحرش؟

نشر فى : الأحد 21 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 21 أبريل 2013 - 8:00 ص

لم أكن أتخيل يوما ما أن أكتب عن تحرش الوزراء فى مصر، ربما بحكم ذلك السياق القيمى الدعوى الذى أصبحنا نعيش فيه والذى يجبرنا ويدفعنا دفعا للتعامل مع كل القضايا المجتمعية والاقتصادية والثقافية بل والسياسية من منظور أخلاقى بحت، حتى كدنا نصدق بالفعل أن الأخلاق هى المفتاح السحرى لحل كل مشاكلنا على اختلاف مشاربها، فالقرض من الصندوق الدولى حرام تارة لأنه ربا فاحش، وحلال تارة لأن الضرورات تبيح المحظورات، والتحرش الجنسى فى الميادن والشوارع سببه أن الفتيات أصبحن على حل شعرهن مثيرات ومميلات للحملان الوديعة التى لم تعد تتحمل الضغوط، أما ارتفاع الأسعار وقلة الخدمات التى تقدمها الدولة فسببه جشع التجار وفساد الإدارات المحلية، أما ضعفنا أمام العدو، وفى قول آخر «الصديق» الإسرائيلى فسببه أننا نسينا كتاب الله وسنة رسوله (عليه الصلاة والسلام)، أما حل ذلك كله فيتمثل ببساطة فى أن نحارب «جبهة الخراب» ونتبع «جبهة الضمير» ونؤمن على ما يقوله ويفعله «الرئيس المؤمن» والذى أضحى من إنجازاته الصلاة فى المساجد بانتظام بحسب أحدهم!

 

●●●

 

ربما بسبب كل ما تقدم كدت على وشك الاقتناع أن معايير اختيار الوزراء والمسئولين هى معايير ربانية، تقوم على الصدق والإخلاص والطهارة كما حاول بعضهم أن يقنعونا، لكن تظل هناك مشكلة بسيطة! فأحد هؤلاء الأطهار المخلصين تحول من وزير للإعلام يهتم بتطهير الأخير من مثالبه ووضع ميثاق شرف له إلى متحرش بزميلاته من المذيعات والصحفيات، صحيح أن الرجل لم يتحرش حسيا بعد، ولكنه أصبح يجيد فن التحرش اللفظى، والأدهى أنه طور أساليبه فى المراوغة والدفاع عن هذا التحرش بتقمص دور القديس البرىء محولا الآخرين إلى ذئاب تتصيد كلامه «المبتور من سياقه» بسبب نياتها السيئة!

 

كاد الوزير المتحرش يقنعنى فى المرة الأولى، حينما وصف أسئلة إحدى المذيعات العربيات بأنها «ساخنة مثلها» فى تحرش جنسى فج بالسيدة، وقد بدأت حملة شديدة الغضب ضد الرجل، فإذا به يعتذر ويؤكد أنه لم يقصد أبدا الإساءة وقد أسىء فهمه! قالها بوجه ملائكى وبعبارات متواضعة فأقنعنى وكذبت نفسى وأذنى وقلت لعلها غلطة أو سقطة غير مقصودة! مرت على الحادثة شهور، وفيها أصبح الرجل متمرسا فى السياسة وعكست تصريحاته وآراؤه ثقة كبيرة فى النفس واطمئنانا مثيرا على المنصب، فأخذ يلقى بأسلحته الثقيلة فى وجه من لا يعجبه، فتارة يقول إنه يتمنى لو تأخونت وزارة الإعلام لأن فى ذلك إصلاحا لها، وتارة يعتدى حرسه على أحد المصورين لأنه لم يستأذن، وهو يصور الوزير التقى فى صلاته، فيبرر الرجل فعلة حرسه هكذا ببساطة، إلى أن سئل الرجل عن حرية الإعلام بواسطة صحفية مصرية فرد عليها بتحرش لفظى جديد ذكرنا بالقديم، وتأكدت وقتها أن تحرشه الأول لم يكن مجرد سقطة، ولكن يبدو أن ثقافة وزيرنا الجديد تدفعه دفعا للتحرش كلما أتيحت له الفرصة!

 

●●●

 

عندى هنا ثلاث ملاحظات على الفارق بين الحادثتين: الأولى، أنه وبينما جاء تحرشه الأول نخبويا على طريقة رجال الأعمال كما نراهم فى بعض الأفلام والمسلسلات، فإن تحرشه الثانى جاء سوقيا فجا ومعبرا عن ثقافة دونية بحتة! أما الثانية، هى أنه بينما سارع رجلنا المتحرش فى المرة الأولى إلى الاعتذار والتوضيح والتبرير، فإنه فى المرة الثانية اكتفى ليس فقط بالنفى واستغفال كل من شاهد الواقعة المشينة، بل إنه اتهم الآخرين بسوء النية والتصيد لكلماته البريئة! فالمشكلة إذن مشكلة ثقافتنا ونيتنا المنحطة وليس فى كلام الوزير البرىء! أما الثالثة، فهى أنه وبينما بهت وتلعثم وزيرنا المتحرش فى المرة الأولى حينما ردت المذيعة عليه سريعا بأن أسئلتها ساخنة وليست هى كما ألمح الوزير بفجاجة، فإنه فى واقعة التحرش اللفظى الثانية بدا واثقا من نفسه منتشيا بفعلته، حيث أدار وجه عن الصحفية الضحية وقد علت وجه ضحكة تعكس تجبر وعنجاهية وثقة تامة فى أن أحدا لن يحاسبه أو يتعقبه بسبب فعلته السوداء!

 

انتظرت أن أجد ردا رسميا يحفظ ماء وجه الحكومة أو الرئاسة فلم أجد! ورغم أنه فى حالات ممثالة وفى دول تعرف القانون وربما بمعايرنا لا تعرف الأخلاق (كإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا واليابان على سبيل المثال)، فإن إقالة الوزير أو إجباره على الاعتذار كأضعف الإيمان هى التصرف الطبيعى، فإن فى حالتنا المصرية حيث يسود السياق الأخلاقى القيمى ويدفع المواطن دفعا على تصديقه، فإن رئاستى الجمهورية والوزراء قررتا صم الأذن والتظاهر بأن شيئا لم يحدث، وهو إقرار ضمنى بالموافقة على فعلة الوزير وعلى اتهامه لنا بعدم نظافة النية فى مقابل نقائه الفطرى!

 

●●●

 

نعود للسؤال إذا، مادام أن الرئاسة والحكومة تتجاهل التحرش المتكرر للوزير بزملاء المهنة فكيف يرد المجتمع إذا؟! فى اعتقادى فإن هناك ثلاثة مستويات للرد على صاحبنا المتحرش:

 

أولها: أن تصر الضحية على المسالك القانونية فى تعقب المتحرش، وحسننا فعلت الصحفية المصرية المحترمة بالإصرار على حقها القانونى برفع دعوى قضائية على الوزير وعليها أن تذهب فى ذلك إلى أبعد الحدود حتى يقع، ومن هم على شاكلته تحت طائلة القانون والعقاب.

 

ثانيها: أن تساندها نقابة الصحفيين وكل الجهات المعنية بالأمر بما فيها أحزاب المعارضة بتصعيد الضغوط المجتمعية والسياسية على الحاكم لإقالة المتحرش أو اجباره على الاعتذار كحد أدنى، فالتحرش بصحفية لا يقل أبدا عن إغلاق قناة أو جر مذيع أو معارض لقاعات المحاكم! وفى ذلك قد تحتجب الصحف أو تصدر صدر صفحاتها سوداء وفى منتصفها صورة الوزير المتحرش أو غيرها من أساليب الضغط ولفت نظر المجتمع إلى خطورة ما يحدث.

 

أما ثالثها: فهو رد الفعل الشعبى والمجتمعى، وهنا فقد ابتدع الشباب والجماعات الحقوقية والمدنية المعنية بالأمر فى بعض الدول المذكورة عالية والتى شهدت حوادث مماثلة أساليب للفت النظر والضغط على المتحرش أو بلغتنا العامية «تجريسه»، منها تعليق صوره بأساليب كاريكاتورية ساخرة فى الميادين والشوارع الرئيسية، ومنها ما ابتعدته إحدى هذه الجمعيات فى الولايات المتحدة فى مواجهة تحرش مسئول محلى لم تستطع المحكمة توفير أدلة كافية لإدانته، فوضع الشباب صورته فى منتصف ميدان ودعوا المتعاطفين للتقىء والبصق عليها مما اضطره للاستقالة فى النهاية.

 

 

 

مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر