بعيدًا عن حصار التاريخ - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعيدًا عن حصار التاريخ

نشر فى : السبت 24 أغسطس 2013 - 8:55 ص | آخر تحديث : السبت 24 أغسطس 2013 - 8:55 ص

أحيانا، أشعر أن لدينا رغبات عارمة فى حبس أنفسنا فى مربعات ضيقة ومساحات محدودة، لا نريد أن نغادرها أيا كانت الأسباب المنطقية التى تدعونا إلى ذلك، وفى مقدمة ما نحبس فيه أنفسنا، ما نستطيع أن نطلق عليه الظروف التاريخية المشابهة، سواء ما حدث فى بلادنا، أو فى بلاد تشبه بلادنا.

فالكثيرون مما يحاولون قراءة المشهد الحالى، لا يخرجون عن القراءة الكلاسيكية لما شهدته مصر من قبل، فغالبيتهم يقارنون بين أزمة الإخوان الحالية، وبين أزمتهم فى الخمسينيات (أزمة ١٩٥٤) حينما تصادموا مع عبدالناصر، هؤلاء يتعاملون على أن عبدالناصر هو الفريق أول عبدالفتاح السيسى، باعتبار أن كليهما ينتمى للمؤسسة العسكرية، وهو تشابه يبدو من أول وهلة، أنه تشابه غير مقبول، ولا منطقى، لا فى الخلفية العسكرية، ولا فى المدخلات السياسية، ولأن الزمن يباعد بين الحدثين، ما يقرب من ستين عاما.

فإن الجماعة أيضا ليست الجماعة، ولا يمكن لنا بأى حال من الأحوال مقاربة الأزمتين، ومع ذلك تبقى أزمة ١٩٥٤ حاضرة بقوة فى جميع محاولات فهم مصير الجماعة فى هذا المأزق التاريخى الذى لم ينته حتى الآن.

أما التاريخ القريب، ومن الشقيقة الجزائر، فيسيطر على قراءة مستقبل الصراع بين الجيش وقوى الإسلام السياسى، ما يطلق عليه السيناريو الجزائرى، على اعتبار أن هذا التيار (الإسلام السياسى) نجح فى الوصول إلى الحكم بطريقة ديمقراطية (للدقة عبر صناديق الانتخابات)، ثم تم إبعاده عن السلطة عن طريق الجيش، تماما مثلما حدث فى ٣ يوليو الماضى.

وهنا لا أرغب فى عقد مقارنة بين الحدثين، أو تقديم قراءة نقدية لهما، بل إن الربط بينهما يبدو منطقيا، لكن لو دققنا قليلا فى التفاصيل، سنكتشف، أن المعادلة الرئيسية فى مصر مختلفة تماما، فالجيش هو الذى سلم السلطة فعليا للإسلاميين (المشير طنطاوى قدم التحية العسكرية للرئيس المعزول) واحتفل به، والثوار هم الذين ضغطوا على الجيش للتبكير بالانتخابات الرئاسية (فى الذكرى الأولى لثورة يناير) ثم قامت جميع القوى المعارضة بالوقوف خلف مرشح الجماعة فى مواجهة ما اعتبرته مرشح النظام السابق.

وكان ذلك سببا رئيسيا فى وصول الإسلاميين للحكم، ثم انتظر الجميع عاما كاملا لم يروا فيه إلا الإنكار والتهرب من كل ما اتفق عليه، ثم خروج واضح عن الديمقراطية، ومحاولة الفرعنة (الاعلان الدستورى) ثم التعامل السيئ مع عموم المواطنين، كما أن عزل الجيش للرئيس، لم يأت إلا بعد ثورة الجماهير والرغبة فى الإطاحة ليس فقط بالرئيس الذى لم يستجب لهم، بل وبالجماعة التى يعتقد الشعب أنها هى التى تحكم، وكل ذلك لا علاقة لها بسيناريو الجزائر.

وأخيرا، الكتابات التى تحاول الربط بين المشهد السورى بالحاصل فى مصر، على اعتبار ان ما يحدث فى سوريا ثورة إسلامية ضد حاكم مستبد، وبصراحة هذا ربط متعسف، لأن ما يحدث فى سوريا حرب عصابات واضحة ضد النظام مدعومة من قوى إقليمية وخارجية عديدة، إلى جانب تعقيد التركيبة الطائفية والعرقية فى سوريا، وعلاقة ذلك بمن فى سدة الحكم، وهى كلها أمور غير موجودة مما يحدث فى مصر.

إن هذا لا يمنع أن نقرأ التاريخ القريب والبعيد، وكذلك الحاضر، ونستفيد منه، لكن دون أن نحبس أنفسنا داخل هذه المربعات الضيقة، أو الرضوخ لسيناريوهات إجبارية يفرضها تاريخ أو واقع، بل علينا تجديد التفكير فى قراءة المشهد وتحليله، للمساهمة فى الخروج منه منتصرين لهذا الشعب الذى ينتظر تحقيق الانتصارات على الارض منذ ثلاثين شهرا، لا مراجعة أزمة ١٩٥٤ أو بالتعرف على ما حدث فى الجزائر أو الرعب من الذى يحدث فى سوريا العزيزة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات