في الدفاع عن ٢٥ يناير - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في الدفاع عن ٢٥ يناير

نشر فى : الأحد 28 يوليه 2013 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأحد 28 يوليه 2013 - 12:07 م

كالعادة، ولاعتبارات النشر والطباعة أكتب هذا المقال مساء الجمعة، التي لا أعرف، كما لا يعرف غيري الى ماذا ستنتهي. ولكنني أعرف أنها جمعة العناوين واللافتات «المقلقة»، فجماعة اختارت كعادتها استحضار الدين «الذي هو أسمى من ذلك» الى غير موضعه. وممعنة كعادتها في التأكيد على تمايزها عن بقية المصريين «أغلبيتهم الساحقة مسلمون بالمناسبة» إختارت، ولذلك دلالته أن تسمي جمعتها، التي صادفت السابع عشر من رمضان «بيوم الفرقان»، وهو في اللغة يوم بدر  {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} الأنفال ٤١ -  وما سمي بذلك إلا لأنه فَّرق بين الحق الباطل «يوم التقى حزب الله وحزب الشيطان» (تفسير القرطبي ص ١٥٥٧)

وأخرى رفعت «التفويضَ» لافتة، وهو عنوانٌ إن لم ينضبط مصطلحًا وتعريفًا وتطبيقًا لفتح الباب واسعًا نحو إهدار حقوق الإنسان. وهي بين الحقوق التي خرج المصريون يبحثون عنها يوم ناداهم شبابهم «النقي» في هذا اليوم الذي كاد أن يصبح بصوره ومشاعره الجياشة بعيدا جدا؛ الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١


***



هل تذكرون الخامس والعشرين من يناير؛ هذا التاريخ المفترى عليه؟ حاول البعض سرقته، وما يزالون. وحاول البعض القفز عليه.. أو فيه، وحاول آخرون الالتفاف عليه أو حذفه من التاريخ «وكأنه لم يكن».

أعرف، كما نعرف جميعًا أن هناك في الصورة الآن من عاد «بلا حياء» يحاول أن يثأر مما جرى في يناير، وأن هناك، على الناحية الأخرى من يحاول أن يجد في شعاراتها وأغنياتها ملاذا يخرجه من عزلة قادته اليها سياساته. ولكني أثق في هذا الجيل. وأعرف أن ليناير أصحابًا يحمونه. مهما طال الطريق أو كان الثمن.

يخطئ من يتمنى أو يعتقد أو يروج أو يحاول أن يفهمنا أن الذين خرجوا في ٣٠ يونيو خرجوا للإنقلاب على ٢٥ يناير أو أهدافها. بالضبط كما أخطأ من حاول أن يصور أو يتصور أن الذين خرجوا في ٢٥ يناير كانوا ينقلبون على ٢٣ يوليو (وفي هذا حديث يطول). المخطئون لم يقرأوا التاريخ. والمغرضون لا يعرفون شعب مصر. ولا يعرفون معنى أن تكون شعبًا لا يرتد، ولا ينقلب على نفسه. شعبٌ وإن امتدت جذوره في التاريخ. إلا أن أغصانه تتشبث بآفاق مستقبل يستحقه. شعب يقوده شبابه، وإن بدا «في الصورة» غير ذلك.

وعليه، فكل ماهو «استثنائي» الآن بالتعريف، ينبغي أن يظل استثنائيا ومرتبطًا بظروف استثنائية، يمكننا أن نفهمه «فقط»، وأكرر «فقط»، في ضوء تهديدات واضحة للأمن القومي، وتهديدات «علنية» لتماسك القوات المسلحة ووحدتها، وهجمات إرهابية متصاعدة في سيناء، وترحيب «يائس» ببوارج أمريكية قيل أنها تقترب من شواطئ دونها الدماء، وسيناريو سوري جرى التلويح به علنا. ومحاولات حمقاء لبناء دولة داخل الدولة، وحديث أرعن عن «حرب مقدسة» بين أبناء الوطن الواحد، أو بين بعض من «أبنائه» وجنود جيشه الذين هم أيضا من «أبنائه» بحكم نظام التجنيد الإجباري والخدمة العامة.

نعرف أن هذه مرحلة «انتقالية». والمراحل الانتقالية «بالتعريف» لها أحكامها الانتقالية. ونعرف أن الولايات المتحدة «بلد الحريات» أصدرت قانون باتريوت Patriot Act (أكتوبر ٢٠٠١) بعد أن تهدد أمنها القومي بما جرى في ١١ سبتمبر. ولكننا نعرف أيضًا أن كل ذلك «استثنائي». وأن لا شيء من ذلك يمكن له أن يستمر. وأن دولة مدنية حديثة قوية معاصرة «لكل أبنائها دون استثناء» لا يمكن لها أن تعيش في ظل إجراءات استثنائية. وأن الذين خرجوا في ٢٥ يناير هاتفين «الشعب يريد إسقاط النظام» لن يسمحوا، مهما توهم البعض أن يعود هذا «النظام» مرة أخرى.



***



لن يسمح أحدٌ بعودة نظام سمح أن يحدث ما حدث لخالد سعيد وسيد بلال الذي أُخذ مظلومًا بلحيته. ولن يسمح أحدٌ بعودة نظام يُحرم فيه عبد الحميد شتا المتفوق من أن يأخذ حقه في أن يكون دبلوماسيا لأنه ابن لمزارع بسيط في دولة أنشأها إبن لساع بريد اسمه جمال عبد الناصر. ولن يسمح أحد أن يُحرم طالب متفوق في أن يعين معيدا بالجامعة أو وكيلا للنائب العام لأن تقارير «أمنية» أشارت الى أنه سلفي أو شيوعي أو عضو بالإخوان المسلمين، في حين تسمح بذلك «على الرحب والسعة» إن كان عضوا بالحزب الحاكم. ولن يسمح أحد بأن يظل علي جمعة «الذي صار مفتيا لمصر بعد ذلك» محروما من الصعود الى المنبر لسنوات، حتى وهو مستشار لوزير الأوقاف، ليس لسبب إلا لأن الأجهزة الأمنية لم تسمح. ولن يقبل أحدٌ بنظام يدفع حسن بشندي طالب الهندسة (١٨ سنة)، والذي لم يكن يمتلك غير قميصين، بأن يُفجر نفسه إحباطا أو فقرًا في شارع الأزهر المزدحم بالسائحين والباعة اللاجئين (أبريل ٢٠٠٥)، بعد أن غسل الآثمون «الحقيقيون» دماغه.

لن يسمح أحدٌ بأن يكون جهاز أمن الدولة إلا جهازا لأمن «الدولة»؛ التي هي دولتنا جميعا، لا أمن «النظام الحاكم»؛ أيا ما كان هذا النظام الحاكم.

لن يسمح أحدٌ بأن تتحكم السلطة التنفيذية بالقضاء؛ إن بسيف المعز أو بذهبه. أو أن يحُال الناسُ الى غير قاضيهم الطبيعي. أو أن يُحال الإخوان الى المحاكم العسكرية لمجرد أنهم إخوان. أو أن لا يأخذ طارق البشري مكانه الطبيعي كرئيس لمجلس الدولة عقابا له على حكم لم يعجب من بيده القرار.  كما لن يسمح أحد أيضًا بأن يهدد الرئيس معارضيه بالإحالة الى المحاكم العسكرية بدعوى أنه «القائد الأعلى للقوات المسلحة»، أو أن يسخر في حديث علني من أحكام القضاء، الذي بدونه لا تكون هناك دولة. أو أن يتجسس رجاله على المداولات السرية للمحاكم، وإن كانت «في الحارة المزنوقة».

لن يسمح أحدٌ في القرن الواحد والعشرين بأن يكون هناك جريمة اسمها «إهانة رئيس الجمهورية»، ناسيا ما أقره ابن حزم الأندلسي قبل ألف عام من أن «من تصدر لخدمة العامة، فلابد أن يتصدق ببعض من عرضه على الناس..»

لن يسمح أحدٌ بألا يكون هناك قانون حقيقي لاستقلال القضاء، مثل ذلك الذي شارك في إعداده مع آخرين حسام الغرياني وأحمد مكي، وتعثر لعقود في أدراج مبارك، قبل أن يضل طريقه للأسف «بعد يناير» في برلمان الإخوان المسلمين. مفسحا المجال للقانون المشوه «ذي المواد الأربعة» الذي كان سببا إضافيا لاحتقان أوصلنا الى ما وصلنا اليه.

باختصار لن يسمح أحدٌ بأن يكون لدينا نظام لا يفهم متطلبات العدالة الانتقالية Transitional Justice وأن المعنى الحقيقي لإصلاح الأجهزة الأمنية هو أن تعود لشعارها القديم «الشرطة في خدمة الشعب»؛ إحتراما وإنصافا ومساواة. وأن المعنى الوحيد لإصلاح الإعلام أو القضاء، أو «تطهيره» كما كان الهتاف المفضل للبعض، هو «استقلاله» التام عن السلطة التنفيذية، حتى لو توهم البعض، أو حاولوا إيهامنا بأنه زمن «الحاكم العادل»٠

لن يسمح أحد بأن يعود نظام كان فيه الأمين للعام للحزب الحاكم هو الذي يملك حق الموافقة على إنشاء الأحزاب. أو أن يتجسس جهاز أمن الدولة على نشاطات الأحزاب الرسمية المعترف بها. كما لن يسمح أحدٌ بأن يكون لأعضاء الحزب الحاكم «الوضع الخاص» ذاته الذي كان له، حتى لو تغيرت القبعات فصارت دينية أو قومية أو غيرها.

ولن يسمح أحدٌ باستمرار هذه الترسانة المشوهة من قوانين ولوائح تسمح لهيئة الاستثمار أن تنذر قناة دريم لتجرؤها بإذاعة محاضرة محمد حسنين هيكل في الجامعة الأمريكية (أكتوبر ٢٠٠٢) والتي كانت أول حديث على الإطلاق عن سيناريو التوريث ومخاطره. أو تسمح لها بأن تهدد القنوات الخاصة بالإغلاق دون «انتظارحكم قضائي» كما حدث قبل أيام من ٣٠ يونيو. أو أن تسمح بالطبع بما جرى من حجب وإغلاق لقنوات دينية وغيرها بعد الثالث من يوليو «ما لم تتورط أي من هذه القنوات أو تلك في التحريض على العنف أو القتل»

لن يسمح أحدٌ بنظام لا تتمتع فيه مصر باستقلال قرارها، أو أن ترسم حسابات «التنظيم» طبيعة علاقاتها بدول عربية شقيقة. أو أن يعيش نظامها الحاكم على فزاعة تخويف الغرب من الإخوان كما فعل مبارك، أو من السلفيين كما فعل من أتى بعده. فمصر لأبنائها، وبأبنائها.. ولا شأن لأحد آخر.

كما لن يسمح أحدٌ بأن تختزل علاقة مصر الاستراتيجية بالقضية المحورية «فلسطين»، أو بأشقائنا في غزة (البوابة الشرقية لأمننا القومي) بعلاقة مضطربة «مؤقتًا» مع «تنظيم» يحكم الآن هناك.

لن يسمح أحد بنظام يقصي أحدًا بسبب معتقداته أيًا كانت؛ دينية أو سياسية أو مذهبية. أو يحرم أحدًا «دون مسوغ قانوني» من ممارسة حقوقه السياسية. ولكن لن يسمح أحدٌ أيضا باستحضار الدين «الذي هو مقدس» الى غير ساحاته. بالزعم بأن تصويتا بعينه هو الطريق الى الجنة. أو أن أحدا احتكر الإسلام الذي هو لكل المسلمين. أو أن يعترض على قرار «سياسي» للدولة باستحضار ثأرات دينية قديمة، كما حدث عندما اعترض البعض «دينيا» على قرارات «سياسية» لمرسي بفتح صفحة جديدة مع إيران.

لن يسمح أحد بأن يأتي بعضهم من دولة اوروبية يتمتع فيها مع أسرته بحرية كاملة لعقيدته، ويجاور فيها جيرانا من عقائد أو مذاهب أخرى؛ يسامرهم ويزاملهم ويدعوهم الى تناول العشاء، دون أن يشغل باله بعقيدتهم، أو بماذا يقول دستورهم في الموضوع، ليصادر هنا على حرية الآخرين في أن يعتقدوا ما يشاؤون. وينشغل ويشغلنا معه عن متطلبات المستقبل، بمعارك الماضي، أو بحرف هنا أو كلمة هناك.

لن يسمح أحدٌ بأن تظل شاشات مصر منقسمة الى نافذتين. فوفاءً لدماء شباب نقي سال واختلط في يناير، سنعمل «جميعًا» على أن تعود لحظة ١١ فبراير العبقرية، التي كانت فيها مصر «كلها» برجالها ونسائها، وفقرائها وأثريائها، ومسلميها ومسيحييها، وشيوخها وشبابها، ومحجباتها وسافراتها يرددون خلف الشيخ محمد جبريل دعاء القنوت يطلب فيه من العلي القدير «أن يزيح عنا الغمة» … وقد كانت ساعة إجابة.



***



وبعد..

فقد يعتبر البعض أن في حديثي إفراط في التفاؤل. ربما.. ولكنني أعلم يقينًا أن هناك من مازال يضع أغنية رامي جمال «يا بلادي» نغمة لهاتفه. كما أن هناك ملايين يحتفظون بأغنية أنغام الصادقة المعبرة «٢٥ يناير» على حواسيبهم الشخصية. ثم أنني تعلمت من علي (رضي الله عنه) ما ذكرتني به يومًا ابنتنا الكريمة سامية جاهين: «لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه».

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات