ثنائية قطبية جديدة - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثنائية قطبية جديدة

نشر فى : الإثنين 28 نوفمبر 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الإثنين 28 نوفمبر 2022 - 7:25 م
إبَان لقائهما الأول، فى الرابع عشر من نوفمبر الحالى، على هامش قمة مجموعة العشرين بإندونيسيا؛ رسم الرئيسان الأمريكى، جو بايدن، والصينى، شى جين بينج، من حيث المبدأ، ملامح نظام عالمى جديد. حيث يطل نموذج القطبية الثنائية مجددا، ولكن بصبغة، أمريكية صينية، هذه المرة. كما ينحو باتجاه حالة من الوفاق بين القوتين العظميين، تستند إلى تلافى المواجهات، مع تشارك فى المغانم، وتقاسم للأعباء.
خلافا للمتوقع، انبرى الزعيمان فى وضع «حواجز أمان»، وإبراز«الخطوط الحمر»، وتحديد «قواعد واضحة للطريق». بما يقلص احتمالات سوء الفهم، أو الخطأ فى الحكم، ويضمن عدم تحول المنافسة بين بلديهما إلى مواجهة، أو نزاع. كما يكفل الدفع بعلاقاتهما الثنائية صوب الاستقرار، والتنمية المستدامة. وأبدى الطرفان رغبة مشتركة فى إقامة قنوات اتصال مفتوحة ودائمة، بين المؤسستين العسكريتين ببلديهما، لإدارة المنافسة «المسئولة» بينهما، وتجنيبهما أى صدامات فى قابل الأيام.
ضمن سياق إستراتيجية الطمأنة، أكد، بايدن، التزامه بمبدأ «الصين الواحدة»، وعدم تشكيل تحالفات إقليمية مناهضة للصين. وشدد على أن بلاده ليست فى حرب باردة مع بكين، ولا تنتوى أن تكون. كما اتفقا على توسيع مساحة التلاقى، وإدارة الخلافات والمنافسة بينهما، بما يتيح احتواء التوترات. فى ذات السياق، أكدت وزيرة الخزانة الأمريكية، أن بلادها لا تسعى إلى شل اقتصاد الصين، أو إعاقة صعودها. وخلال لقائها مع الرئيس الصينى، دعت نائبة الرئيس الأمريكى، إلى منافسة لا تتحول إلى صراع أو مواجهة بين واشنطن وبكين. مع استبقاء خطوط اتصال لحماية مصلحة البلدين والعالم قاطبة. وعلى هامش مؤتمر وزراء دفاع دول رابطة آسيان بكمبوديا، أجرى وزير الدفاع الأمريكى، ونظيره الصينى، مباحثات ثنائية بغرض لجم التوترات، وإبقائها تحت السيطرة.
ما إن أيقن الغرب باستحالة دحر أى تحالف استراتيجى صينى روسى، حتى توالت الجهود الغربية الحثيثة لكبح جماح التقارب الاستراتيجى المتنامى بين موسكو وبكين. وتوسلا منها لاستبقاء شراكاتها الاقتصادية مع ضفتى الأطلسى، التزمت بكين الحياد إزاء الحرب الأوكرانية. ورغم انتقادها العقوبات الغربية ضد روسيا، لكنها لم تؤيد أو تدعم حملتها العسكرية، ولم تعترف بضمها أربعة أقاليم أوكرانية. وفى كلمته أمام قمة العشرين بأندونيسيا، منتصف الشهر الحالى، حذّر الرئيس الصينى، من تحويل الغذاء والطاقة إلى «سلاح»؛ فيما اعتبرانتقادا مبطّنا للغزو الروسى لأوكرانيا. وبينما لم ينجح بايدن فى إقناع، شى، بإدانة الاجتياح الروسى لأوكرانيا، اتفق الرئيسان على رفض استخدام الأسلحة النووية.
اكتست مباحثات الساعات الثلاث، بين، بايدن، و، شى، سمتا وديا وتفاهميا. فمن جانبه، أكد، بايدن، على حتمية المحادثات المباشرة، بين واشنطن وبكين، معربا عن أمله فى تجنّب الطرفين سوء الفهم والتقدير، وتلافى أى نزاع، يقود إلى حرب باردة جديدة. مشيرا إلى تشارك البلدين مسئولية إدارة خلافاتهما، بما يحول دون تحول المنافسة بينهما إلى صدام. لافتا إلى أن بلاده مستعدة للتعاون مع الصين، فى معالجة التحديات العالمية المتعلقة بأمنى المناخ والغذاء، بعد توقف دام أشهرا، على خلفية التوترات المنبعثة من قضية تايوان. بدوره، أشار، شى، إلى تنوع المصالح المشتركة بين البلدين، مبديا استعداده لإجراء محادثات صريحة مع واشنطن بشأن مختلف القضايا الاستراتيجية، توسلا لعالم أكثر استقرارا. مستبعدا أى رغبة لدى بلاده فى تحدى الولايات المتحدة.
رغم إعلان الرئيس، شى، عدم نية بلاده تغيير النظام الدولى الحالى، تنطلق الرؤية الصينية لمستقبل العالم، من رغبة فى إنهاء القطبية الأحادية، ومنع واشنطن من عرقلة صعود الصين، أوالعمل على احتوائها وتحجيمها. مع إرساء دعائم نظام تجارى عالمى، أكثرعدلا، وتعددية، وحرية. وفى خطابه الافتتاحى المطول لمؤتمر الحزب الشيوعى، تفاخر الرئيس الصينى، بتعاظم نفوذ بلاده الدولى، وجاذبيتها، وجهوزيتها لتشكيل العالم. وعقب إعلان تمديد ولايته، أكد أن الصين لا يمكن أن تتطور من دون العالم، الذى تتفاقم حاجته إلى الصين. وردا على مساعى، إدارة بايدن، تصوير التنافس مع بكين، باعتباره مواجهة ما بين الديمقراطية الغربية والاستبداد الصينى، حذر، شى، من أن تفضى سياسات استفزازية، على شاكلة: تحديد خطوط فكرية، وإثارة الخلافات بين التكتلات، والترسيم الإيديولوجى، إلى تقسيم العالم، وعرقلة تقدّم البشرية.
وعشية قمة «أبيك»، التى استضافتها بانكوك، يوم 18 نوفمبرالحالى، أعلن، الرئيس الصينى، رفضه القاطع لاندلاع حرب باردة جديدة، كما محاولات تعطيل أو تفكيك سلاسل الإمداد الصناعية، أو التدخل فى الشئون الداخلية للدول. وشدد على عدم السماح بتحول منطقة آسيا ــ المحيط الهادئ، إلى ساحة للتنافس بين القوى العظمى، أو فناء خلفيا لأى طرف. مشيرا إلى أن الانفتاح وحده هو الذى سيؤدى إلى حدوث تقدم. داعيا إلى إنشاء سلاسل إمداد، وسلاسل صناعية سلسة ومستقرة، وعدم تسييس العلاقات الاقتصادية، أو استخدامها سلاحا جيوسياسيا.
تناغما مع رؤية المفكرالسياسى الأمريكى، صمويل هنتنجتون، بأن بروز قوة عالمية جديدة يغذى أجواء عدم الاستقرار على الساحة الدولية، لم تتورع الولايات المتحدة عن المجاهرة باعتبارالصين منافسها الأول. ومن ثم، عكفت على بناء التحالفات، وتوسيع الشراكات، وتعزيز تموضعها الجيواستراتيجى حول العالم؛ لمواجهة ما تسميه «الدفعة العدوانية الصينية»، فى أصقاع المعمورة. وعقب قمة العشرين الأخيرة، بدأ، هنرى كيسنجر، مهندس السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الصين عام 1972، يستشعرهدوءا لافتا فى التوترات بين البلدين، يعكس تجاوبا مع دعوته إدارة، بايدن، لتحرى المزيد من المرونة حيال الصين، فى ظل حالة السيولة الجيوسياسية، التى تعترى النظام الدولى. كونها، وخلافا لروسيا، معنية بتوظيف ذلك النظام لخدمة مصالحها، وليس تدميره. كما تحرص القيادة الصينية الحالية على تعظيم استفادتها من تعاون بلاها مع الغرب، بدلا من تجرع مرارات الاصطدام به.
وفقا لاستراتيجية الأمن القومى الأمريكية الحالية، تبرز الصين، وليس روسيا، بوصفها التحدى الأبرز أمام الولايات المتحدة. فبفضل جرأة، شى، وصراحته، اللتين افتقدهما أسلافه، أضحت بكين أكثر حزما وندية فى مواجهة الغرب، كما غدت منافسا قويا، يمتلك القدرة على إعادة تشكيل النظام الدولى. وعلى عكس الرئيس الروسى، الذى ينتظره مستقبل سياسى غامض، إثر تداعيات غزوه أوكرانيا. يقف نظيره الصينى على أرض سياسية صلبة، باعتباره أقوى رئيس لبلاده منذ عقود. خصوصا بعدما وافق المؤتمر العشرون للحزب الشيوعى على منحه ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، متجاوزا بذلك نظام الولايتين الذى كرسه، الرئيس السابق دينج شياو بينج. بالتزامن، أعطت انتخابات التجديد النصفى الأمريكية، إدارة بايدن، مزيدا من الثقة، كما منحتها تفويضا شعبيا جديدا، فى التعاطى مع التحدى الصينى.
يوقن الحلف الأطلسى، بقدرة روسيا، المتهورة، على تهديد واشنطن والنظام العالمى، عبر انتهاك القوانين والمبادئ الأساسية للأخير؛ مثلما تراءى فى غزوها أوكرانيا. لكنه يدرك أنها، وبعدما فقدت مكانتها كقوة عظمى، لم يعد بمقدورها فرض توازن قوى دولى مغاير، أو تشكيل نظام عالمى جديد. فتحت وطأة العقوبات الغربية الموجعة، والعزلة المؤلمة، لم يتبقَ لها سوى محاولات يائسة لإرباك بعض أركان النظام الدولى الحالى. الأمر الذى دفع رئيس مجلس إدارة «مجموعة أوراسيا»، كليف كوبتشان، للادعاء أن نجاح الصين فى توسيع نفوذها بعموم البقاع الجيواستراتيجية، وتصدرها مع الولايات المتحدة، قائمة أقوى اقتصادات عالم اليوم، يجعلهما قطبيه العظميين، بلا منازع.
تبدو ثنائية واشنطن وبكين، القطبية البازغة، قريبة الشبه، بنظيرتها الأمريكية السوفييتية، التى سادت خلال الفترة من 1945، إلى1991؛ لاسيما حقبة الانفراج والوفاق الدوليين، إبان النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى، والتى كفلت إدارة الصراع بين القوتين العظميين وقتذاك،على أساس استبعاد المواجهات العسكرية، وتحجيم سباق التسلح. فقد لا تتوقف المساعى الأمريكية لإعاقة وصول الصين إلى أسرار صناعة الإلكترونيات الدقيقة، وتكنولوجيا أشباه الموصلات عالية التقنية. حيث يتبارى الأوروبيون والأمريكيون، فى نقل مصانعهم وشركاتهم، العاملة فى تلك المجالات، خارج تايوان والصين، كما شرعت شركة «آبل»، فى تدشين مصانع لأجهزة هواتف «آيفون» بالهند. تأسيا بما جرى مع الاتحاد السوفييتى السابق، الذى استنهضه حماسه للتوصل إلى تكنولوجيا تصنيع الحاسوب الأمريكى، أواسط القرن الماضى؛ هرعت الصين تسابق الزمن، بغية اللحاق بالركب. حيث أطلقت مشروعاتها الاستراتيجية وخططها الطموحة، لاكتساب التكنولوجيا الغربية، فائقة الدقة والتطور، مستغلة كونها مصنع العالم. فبينما تستغرق عملية إخلائها من المصانع الغربية بضع سنين، يراهن الصينيون على استكمال ناجز، لمشروعهم الوطنى التاريخى، بالغ الكلفة، خلال تلك المدة.
يبقى السؤال بشأن كلفة التحول، أو انعكاسات تلك المنافسات الضارية على الاقتصاد العالمى المتهرئ. ففى حين حذر، كيسنجر، من إمكانية تحول الصراع بين الولايات المتحدة والصين إلى تحدى البشرية الأعظم؛ يشدد صندوق النقد الدولى، على المخاطر الجمة، التى تتربص بالنظام الاقتصادى العالمى، جراء تصاعد التنافس الاستراتيجى المحموم، وتفاقم الحروب التجارية المستعرة، بين أقوى اقتصادين على وجه الأرض.
التعليقات