مصطلحات عربية وإسلامية فى الصحف الأجنبية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصطلحات عربية وإسلامية فى الصحف الأجنبية

نشر فى : الخميس 29 ديسمبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 29 ديسمبر 2016 - 9:25 م
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا لـ«فدى بركة» الأستاذة الجامعية اللبنانية، حول تداول المصطلحات العربية والإسلامية بالصحف الأجنبية وتأثير ذلك على القارئ الأجنبى وكيفية تعامله مع ذلك.

تستهل «بركة» الحديث بأنه منذ بضع سنوات، يشهد العالم العربى فى مختلف أصقاعه ما أطلق عليه اسم «الربيع العربى» أو «ثورات الربيع العربى». لكن لا يهم هنا، فى سياق ذلك الحديث سواء أكان هذا الربيع مزهرا أم أشبه بالصيف الخانق، بل ما يهم أن نراقب كيف وصفته الصحف الأجنبية، وخصوصا الإنجليزية والفرنسية منها، وما قالته عن هذه الظاهرة.

***

لقد رافقت هذا الربيع موجات كبيرة من الهجرة من الجنوب إلى الشمال، أى من العالم العربى إلى العالم الغربى، وهى حركة تتم منذ عشرات السنين بشكلٍ شبه منظم ومبرمج، عبر السفارات والهيئات المختصة وغيرها. إلا أنها اتخذت شكلا جديدا، منذ بضع سنين، مع اندلاع الثورات والانقلابات على السلطة، وانحراف الثورة فى بعض مواقعها عن أهدافها الأساسية، وتحولها إلى صراعاتٍ دموية تعمها الفوضى والعنف. ففاضت البحار بالمهاجرين غير الشرعيين المتجهين نحو ملاذ آمن ومستقبل أفضل، بعيدا عن هذا الربيع الذى أضناهم. أمام هذه الظاهرة، تتالت المقالات والتقارير الصحفية حول هؤلاء المهاجرين وغرقهم وأحوالهم، ولا سيما فى الصحف الأجنبية التى حاول بعضها أن يثير شفقة قرائه على هؤلاء الناس، فيما حاول بعضها الآخر إظهار الخطر الذى يشكلونه على المجتمعات الغربية. ولعل هؤلاء قد نسوا أن تدفق الأجانب هذا يجرى منذ سنوات عدة، وأن المجتمعات الإسلامية موجودة فى الغرب منذ زمن ليس بقريب. ولا شك أن الصحف خير دليل على هذا الوجود، فإذا ما نظرنا إلى عناوين الصحف الأجنبية ومضمون مقالاتها، ولاسيما الفرنسية والإنجليزية منها، قبل الربيع العربى وبعده على حد سواء، نجد أن الألفاظ العربية والإسلامية ترد فيها بكثرة وفى مختلف المجالات.

تشير «بركة» إلى أن ما يثير اهتمامنا هنا هو البحث عن طبيعة هذه الكلمات والمصطلحات الدخيلة فى الخطاب الأجنبى وعن كيفية ظهورها فى الخطاب الإعلامى، وخصوصا فى التراكيب اللغوية.

لقد قمنا بدراسة موسعة لورود هذه الألفاظ العربية فى الصحف الأجنبية خلال السنوات العشر الأخيرة، ولاحظنا أنها تنتمى إلى مجالات متعددة ولا تنحصر فى مجال واحد فقط. فقد نجد كلمات تتعلق بمجال الطعام، ثم نجد غيرها تتعلق بمجال الحرب والمقاومة والجهاد، ثم نجد مجموعة أخرى تتناول الموضوعات المصرفية والمالية. ويختلف ذلك باختلاف الأحداث التى تجرى فى العالم العربى، ووفقا للموضوع الذى يعالجه الصحفى والكلمات التى يختارها فى مقاله. وبذلك نجد أن كلمات عديدة مستعارة من العربية ترد فى صيغتها الأصلية فى الصحف الأجنبية على الرغم من وجود مقابل أجنبى لها يفى بالمعنى نفسه تقريبا ويتسم بالوضوح، ولاسيما بالنسبة إلى القارئ الأجنبى الذى يجد ولا شك صعوبة فى فهم الكلمة أو اللفظ العربى المكتوب بالأحرف اللاتينية. قد يعود هذا الخيار إلى أسباب عدة. أولها ضيق الوقت أو قلة الإرادة، اللذان قد يدفعان الصحفى إلى استخدام الكلمات العربية فى صيغتها الأصلية عوضا عن مقابلاتها الأجنبية لتوفير الوقت والمجهود. وثانيها تفضيل اللفظ العربى على الأجنبى نظرا لما يحمله من وقع على القارئ الأجنبى، وقدرته على جذبه أكثر من الكلمات التى يعرفها واعتاد عليها. أما ثالثها، فهو عدم وجود مقابل مناسب للفظ العربى، يفى بالمعنى المقصود.

إلا أن هذه الكتابة لا تكفى، فالقارئ الأجنبى الذى لا يملك أى معرفة باللغة العربية لن يفهم اللفظ العربى الذى أدخله الكاتب أو الصحفى فى سياق مقاله أو تقريره. لذا، نلاحظ أن تفاسير عدة تصاحب هذه الكلمات لكى تفسرها وتوضح معناها وأحيانا اختلافها عن اللفظات الأجنبية القريبة منها. فنرى أن القارئ يشارك نوعا ما فى عملية الكتابة، فيأخذ الصحفى بعين الاعتبار جهله فى ما يتعلق باللغة العربية، ويحاول أن يملأ هذا النقص فى معلوماته عبر تفسيرات وشروحات دلالية، وأحيانا حتى اشتقاقية.

كما وتُقرَن الألفاظ العربية فى الخطاب الأجنبى بعلامات طباعية مميزة، كعلامتى الاقتباس أو تُكتب بالحرف الأسود الثخين للفت نظر القارئ إلى طابعها الجديد والغريب. وتسقط هذه العلامات تدريجيا مع كثرة استخدام الكلمة فتصبح مألوفة لدى القارئ الأجنبى وقد تسقط معها الشروحات والتفاسير. فنلاحظ أن القارئ الأجنبى يبدأ باستخدامها فى خطابه الخاص، حتى أنها تدرج أحيانا فى المعاجم الأجنبية باعتبار أنها أصبحت كلمات من اللغة نفسها. ولا يمكن أن نعين على وجه التحديد متى تتبنى اللغة الأجنبية اللفظ العربى، فذلك يعتمد على مدى تواتره فى الصحف وترداده بين الناس. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إدخال هذه الكلمات العربية فى اللغة الأجنبية لا يتم بشكل كامل ومتواز، أى أنه إذا كانت كلمة ما تشير إلى أشياء عدة فى اللغة العربية، فإنها قد تدخل فى معاجم اللغة الأجنبية تحت معنى واحد فقط.

لنأخذ على سبيل المثال كلمة «حلال» التى أدخلت إلى اللغة الفرنسية فى العام 1987 بحسب معجم «لو بوتى روبير». يشير هذا المعجم إلى أن كلمة «حلال» تنتمى إلى المجال الدينى، وأنها تشير إلى لحم الحيوان المذبوح بحسب التعاليم الإسلامية. إلا أنها لا تشير فى اللغة العربية إلى «اللحم» فحسب، بل إلى كل ما هو قانونى تبعا للشريعة الإسلامية، سواء أكان ذلك يتعلق بالزواج أم بالطعام أم بالمال أم بغير ذلك. ونرى أيضا فى مقالة نشرت فى الصحيفة الفرنسية «لو كوريى انترناسيونال» أن كلمة حلال عادت واتخذت دلالات جديدة فى اللغة الفرنسية، فصارت تشير إلى أمورٍ لا حاجة لها بأن تكون حلالا أو غير حلال مثل مساحيق التجميل.

نجد مثالا آخر هو كلمة «جهاد» التى دخلت أيضا فى اللغة الفرنسية فى العام 1870، والتى يعطيها المعجم نفسه تعريف الحرب المقدسة فى سبيل نشر الإسلام والدفاع عنه. فيما تعريف هذه الكلمة بحسب اللغة العربية والإسلام هو كل ما يقوم به المسلم فى سبيل دينه وربه، كالتعلم والعمل وغيرهما من الأعمال الحسنة أو المفيدة التى تتطلب مجهودا. ولذلك يميز الدين الإسلامى بين الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر.

***

تختتم الكاتبة بأن كل هذه الأمثلة، وغيرها كثير، تدل على أن الاحتكاك بين الشعوب، الذى يعود إلى مهد البشرية، والذى ازداد انتشارا فى عصر العولمة هذا، يولد احتكاكا بين اللغات لا محالة. فكلما انتقلت كلمات مستعارة جديدة من لغة إلى أخرى، رأينا فيها دليلا على التواصل بين الشعبين اللذين يتكلمان هاتين اللغتين، سواء أكان ذلك بفضل التواصل الفكرى أو السياسى أم بسبب الحروب والصراعات التى يعيشها أبناء هذين الشعبين.

النص الأصلى:
التعليقات