الشروق في مقابر المماليك.. شهادات حية عن حقيقة «هدم آثار الأجداد» - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:58 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشروق في مقابر المماليك.. شهادات حية عن حقيقة «هدم آثار الأجداد»

أرشيفية
أرشيفية
عبدالله قدري وإسماعيل إبراهيم
نشر في: الإثنين 27 يوليه 2020 - 12:27 ص | آخر تحديث: الإثنين 27 يوليه 2020 - 12:37 ص

كانت أصوات ضجيج السيارات تقطع صمت المكان، بينما أخذ الغبار الناتج عن عمليات الهدم في مقابر "ترب الغفير"، يتصاعد إلى السماء مشكلاً شبورة حجبت رؤية العين، حينها كان طارق أحد سكان المقابر يسير نحو مدفن أسرة محمد وعبد الحكيم مرزوق الذي تأسس سنة 1935 ميلادياً، حسبما أشارت إليه لافتة المدفن، ورصدته عدسة الشروق.

أكثر من 45 عاما قضاها طارق في مقبرة أسرة عبد الحكيم مرزوق، عاش طفولته في كنف المقبرة التي شارفت على 100 عام، يعمل حانوتياً في الصباح، وفي المساء يعود إلى المدفن، مقر إقامته.

في شبابه استخرج طارق بطاقة الهوية الشخصية من السجل المدني على عنوان المدفن، لا جديد سوى وقع خطوات الأهل والأقارب الذين يترددون بانتظام على المدفن كما يقول طارق لـ"الشروق،" حتى تبدل الحال منذ الأيام الماضية، حين بدأت الحكومة في إزالة بعض أجزاء من المدافن الأهلية لتنفيذ مشروع محور الفردوس.

طالت عمليات الإزالة أجزاءاً من مقبرة أسرة محمد وعبد الحكيم مرزوق التي يقيم فيها طارق، هدمت "اللوادر" سور المقبرة واقتطعت منه نحو 8 أمتار حسبما يقول طارق " اللودر هدم بعض الغرف من المقبرة لتوسيع الشارع، لكن لم يهدم المقبرة كلها ولم يتعرض لها، فقط السور وبعض الغرف الداخلية المطلة على الشارع"، يقول طارق. 

#الشروق| الوضع على الأرض في صحراء المماليك.. شهادات الأهالي وتصريحات المسئولين

#الشروق| الوضع على الأرض في صحراء المماليك.. شهادات الأهالي وتصريحات المسئولين

Posted by ‎جريدة الشروق - Shorouk News‎ on Sunday, July 26, 2020

مقبرة أسرة محمد وعبدالحكيم مرزوق ليست الوحيدة التي شملتها إجراءت هدم أجزاء منها، فهناك العشرات من المقابر الأهلية طالتها عمليات هدم جزئي، حيث رصدت عدسة الشروق مشاهد من أرصفة تمت إزالتها بالكامل، ومقابر مفتوحة بعد "أن جاء أصحابها ونقلوا رفات الأموات إلى مكان آخر"، كما يقول إبراهيم أحد سكان مقابر صحراء المماليك.

"إلى الآن لم تتعرض آثار المماليك إلى أعمال هدم، عدد من المقابر الأهلية فقط طالتها بعد أعمال الهدم"، يقول إبراهيم لـ"الشروق" بينما كان يسير في الطرق الجانبية للمقابر يتابع أعمال إنشاء محور الفردوس.

لم يُمس الحوش الذي يسكن فيه إبراهيم بشيء، ما زال يعيش رفقة زوجته وابنه الذي كان يحمله على كتفيه أثناء حديثه للشروق، يعرف إبراهيم مقابر المماليك جيداً، يعيش هناك منذ 40 سنة، أخذنا نحو مقبرة المفكر المصري أحمد لطفي السيد باشا وإخوته، وهو يشير إلى الواجهة الخارجية للمقبرة والتي طالتها أعمال الهدم.

تعرضت واجهة مقبرة أحمد لطفي السيد المطلة على شارع صلاح سالم إلى الهدم، فيما رسمت خطوط بيضاء أمامها لوضع حد فاصل بينها وبين الشارع، قبل أن يظهر سور مبني من جديد بالطوب الأحمر بعد أيام من هدم السور الأساسي للمقبرة، يقول إبراهيم: "عائلة أحمد لطفي وصلت إلى المكان وتحدثت مع المسؤولين، وأكدوا لهم أن المقبرة لن تتعرض للهدم، فقط السور الخارجي".

جولة في مقابر المماليك وترب الغفير تأخذك إلى الوراء، مقابر بُنيت على طرازً قديم، ويتفاوت تاريخ إنشائها، منها ما مر عليه 50 عاماً وأكثر والبعض تجاوز 70 عاماً، وأخرى شارفت على 100 عام، البعض منها تعود إلى شخصيات غير معروفة، والأخرى تعود إلى شخصيات كانت ذات ثقل سياسي في مصر.

جانب مقبرة أحمد لطفي السيد رصدت الشروق فتحات لبعض المدافن جراء أعمال الهدم، يقول إبراهيم "قمنا بإزاحة رفات أهل هذه المقابر، والبعض الآخر تسلمها أهاليهم ونقلوها إلى مكان آخر".

من هذه المقابر – لم تتعرض للهدم - مقبرة رشوان باشا محفوظ وزير الزراعة المصري الأسبق في عهد الملك فاروق في الفترة ما بين 27 أبريل 1938 حتى 13 ديسمبر 1938، حسبما أشار إليه موقع مركز البحوث الزراعية، وكان رشوان باشا عضواً بحزب الأحرار الدستوريين، ورئيس اللجنة الدائمة للعلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان.

 وكان رشوان باشا محفوظ من أعيان الحواتكة في أسيوط، ولد سنة 1883 ميلاياً، وكان عضواً بأول مجلس نواب في عهد الخديو إسماعيل، وترأس البعثة المصرية إلى السودان والتي كانت تهدف إلى تحسين الزراعة في القطر المصري، إذ كان السودان آنذاك جزء من مصر، وذلك حسبما أشار إليه كتاب السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثالث) للمؤلف عبدالله حسين.

لم نصل إلى تاريخ محدد لوفاة رشوان باشا محفوظ فقد اختلفت مصادر عدة في شأن وفاته، لكن حسب ما أشارت إليه لافتة مقبرته التي كتب عليها الآية القرآنية "وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ"، تحتها كتبت عبارة مدفن صاحب السعادة رشوان باشا محفوظ 1948 ميلادياً.


إلى تُرب الغفير حيث رصدت عدسة الشروق عدد كبير من مدافن شعبية سكن فيها الأهالي منذ عشرات السنوات، من بينهم عاصم شاب عشريني تعرض المدفن الذي كان يقيم فيه وهو وأسرته لانقطاع المياه والكهرباء تمهيداً لإزالته حسبما يقول عاصم لـ"الشروق".

ويضيف "أنا اتولدت هنا من 25 سنة، وعشت طفولتي وشبابي هنا"، يتحدث عاصم بينما يشير إلى حوش بعيدٍ يعيش فيه شقيقه أيضاً " إحنا مش عارفين الحكومة هتهد امتى، لكنهم قالوا لنا نبحث عن مكان آخر، لا أعرف إذا كان فيه تعويضات أم لا، إحنا موجودين في مكاننا لغاية ما نشوف الحل إيه؟".

بجانب هذه المقابر الشعبية وعلى مرمى البصر تجد قبة السلطان أبو سعيد قانصوه، وهي قبة كبيرة ومربعة تتوسط "قرافة المماليك"، وتعرف بين أهالي المقابر باسم قُبة الغفير، أنشئت سنة 1498، وهي تعود للسطان أبو سعيد الذي تولى حكم مصر، أحد المماليك البرجية الذي تولى حكم مصر في سنة 1498.


لم تطال المقبرة أي أعمال هدم، ظلت صامدة كما هي شأنها شأن باقي آثار المماليك، فعلى مقربة منها كانت خانقاه السلطان إينال بشارع السلطان أحمد، وتُعرف باسم مجموعة السلطان إينال تأسست سنة الانتهاء 1451م، 1453م وسميت باسم صاحبها المل الأشرف إينال الذي تولى حكم مصر سنة 1453 وظل فى الحكم ثمانى سنوات حيث توفى فى سنة 865 هجرية 1461م، وقد تعرضت المجموعة في السابق للإهمال وهي الآن قيد الإغلاق.

وعلى شارع صلاح سالم حيث تقع مقبرة الأميرة نازلي حفيدة محمد علي باشا، حيث تعرضت المقبرة لهدم السور المحيط بها، لإجراء عملية توسعة للشارع حيث محور الفردوس، ولا زالت المقبرة الأثرية قائمة لم يمس منها سوى السور.


"إلى السيدة التي عبرت معي ظلام الحيرة.. والحب في قلبينا حتى وصلنا إلى شاطىء الشمس...." هذه الكلمات الرقيقة ربما كانت أول ما سيقع عليه عيناك إذا زرت مقبرة أسرة الكاتب والروائي المصري الكبير إحسان عبد القدوس، فهي كلمات كتبها لزوجته لواحظ المهيلمي التي دفنت معه في نفس القبر.

ولكن أعمال الهدم قد طالت هذا الشاهد وطالت مقبرة الكاتب الكبير ما اضطر ابنائه إلى نقل الرفاة إلى مكان آخر، لتظهر صورة اللوحة الرخام بعد أيام مكسورة.

كما أطاحت أعمال الهدم بالسور الخارجي لمقابر الفنان فؤاد المهندس وعائلته، ونفى محمد المهندس، نجل الفنان الراحل ما تم تداوله حول إزالة مقبرة فؤاد المهندس، مؤكدًا أنه تم إزالة حوالي 8 متر من إحدى الجوانب و6 متر من الجانب الآخر من مقابر جده، وهي المقابر التي دفن فيها عدد كبير من عائلته، ولم يتم نقل أي رفات والمدفن باقي كما هو.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك