روسيا وأوكرانيا مقيدتان بأساطير العصور الوسطى - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 1:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روسيا وأوكرانيا مقيدتان بأساطير العصور الوسطى

نشر فى : الثلاثاء 1 مارس 2022 - 8:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 مارس 2022 - 11:01 ص

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا لكريستابس أندريجسون تناول فيه أسباب الصراع التاريخى بين روسيا وأوكرانيا.. نعرض منه ما يلى. 

 

هناك الكثير من التفسيرات الاقتصادية والأمنية للأزمة الأوكرانية، ولكنها ليست كافية. تعود الأسس الثقافية والتاريخية والدينية للصراع بين موسكو وكييف إلى الأسئلة الأساسية حول ماهية روسيا، وماذا يعنى أن تكون روسيًّا، ومن يسيطر على أساطير الماضى.

نشر الموقع الإلكترونى الرسمى للكرملين فى 12 يوليو 2021 مقالًا بقلم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بعنوان «حول الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين»، وهو مقال يعكس القصص التاريخية التى تشكل مواقف بوتين والعديد من الروس. 

يعتقد بوتين والعديد من الروس أن الروس والأوكرانيين هم نفس الشعب، «أمم شقيقة»، يسمى الروس فيها باسم مجموعة فيليكوروسى (الروس الكبار) ويسمى الأوكرانيون مجموعة مالورسى (الروس الصغار). ونفس الفكر ينطبق على بيلاروسيا، التى يعنى اسمها (الروس البيض). عندما أصبحت روسيا قيصرية فى عام 1547، كان اللقب الرسمى المختصر للحاكم هو «قيصر كل روسيا».

نشأ كل هؤلاء الروس من الدول والإمارات التى ظهرت بعد تفكك اتحاد «كييف روس»، التى حكمها العديد من أعضاء سلالة روريك. نشأت تلك السلالة فى نوفجوراد، ثم نقلت عاصمتها إلى كييف فى عام 882. وأصبحت العاصمة الكبرى لاتحاد روريك. لم يكن هناك ذكر فى ذلك الوقت لمدينة موسكو، وأول مرة تذكر اسمها كان فى عام 1147. 

هذا هو ما يجعل العلاقة الروسية مع بيلاروسيا وأوكرانيا مختلفة تمامًا عن العلاقات مع الدول الأخرى للاتحاد السوفيتى. كانت كازاخستان وإستونيا وجورجيا والدول الأخرى مثل «الرفقاء» الوطنيين، ولكن الأوكرانيين والبلاروسيين كانوا «أقرباء». لا ينكر الروس والبيلاروسيون والأوكرانيون هذه العلاقة، ويؤيد بوتين هذا الأسلوب فى التفكير. 

يدعم الدين هذه العلاقة كما يعتقد بوتين، وهو ما يعود هذا إلى القديس فلاديمير، المعروف أيضًا باسم فلاديمير الكبير، حاكم «كييف روس» الذى اعتنق المسيحية الأرثوذكسية عام 988 وجعلها دين الدولة الرسمى. أدى التحول إلى المسيحية الأرثوذكسية وزواج القديس فلاديمير من أميرة بيزنطية إلى وجود علاقات وثيقة مع البيزنطيين، ما يعنى بداية خط من الشرعية والخلافة فى القسطنطينية. فضل فلاديمير مونوماخ، حاكم كييف من 1113 إلى 1125، أن يطلق على نفسه اسم «أرشون كل الروس» على الطريقة اليونانية. جاء اسمه، مونوماخ، من صلات عائلته بالإمبراطور البيزنطى قسطنطين التاسع مونوماخوس. كانت القسطنطينية، بإمبراطورها الذى توج بطريرك المدينة، رأس الإيمان الأرثوذكسى، فوق الملوك والأرشون.

لكن هذا النظام اهتز بسبب الغزو الشرقى من المغول أولا، الذين هدموا اتحاد كييف روس وقسموه إلى عدة ولايات تابعة لهم، ثم التدمير النهائى للقسطنطينية نفسها عام 1453 على يد العثمانيين. تركت كييف فى حالة خراب، ولم يعد هناك إمبراطور بيزنطى يحكم فوق الملوك الروس.

حاولت أجزاء من دولة كييف روس القديمة استعادة شرعيتها مع ضعف قوة المغول فى أواخر القرن الخامس عشر، لتنشأ الأرض التى يطلق عليها روسيا الآن. ولكن كان هناك تحديات فى الغرب؛ فقد ضمت بولندا القوية جزءا كبيرا من غرب أوكرانيا الحديثة، وضمت ليتوانيا بيلاروسيا. فى هذه الفترة، حصلت أوكرانيا، التى كانت ذات يوم قلب اتحاد كييف روس، على اسمها. 

فى غضون ذلك، كانت الدولة الروسية الجديدة بحاجة إلى إثبات مكانتها الخاصة فى العالم الأرثوذكسى وفى خط السلالة من الإمبراطورية الرومانية، وهو مصدر آخر للشرعية القومية السياسية. مع وجود القسطنطينية، روما الثانية، فى أيدى المسلمين، كان على موسكو أن تصبح «روما الثالثة»، ورفع بطريركها إلى مستوى القسطنطينية وروما. يقول المثل الروسى «هلكت روما الأولى والثانية، والثالثة مازالت قائمة، ولن تكون هناك روما رابعة». أعلن القادة الروس، اعتبارًا من عام 1547، أنهم لم يعودوا ملوكًا بل أباطرة. 

• • •

ولكن ظهرت مشكلة، فلقب قيصر يعنى أن تحكم كل روسيا. كانت الأهمية الثقافية والتاريخية والدينية لكييف روس أكبر من أن يتم تجاهلها. لم تكن هذه مشكلة للقياصرة الذين استعادوا أراضيهم المفقودة فى الغرب ثم شرعوا فى التوسع نحو الشرق.

حاولت الإمبراطورية الروسية محو اللغات السلافية الشرقية الأخرى من ذاكرتها الثقافية المشتركة؛ لقد تصرفوا كما لو لم تكن هناك أوكرانيا أو بيلاروسيا. وفقًا للقيصر، كان الأوكرانيون دائمًا روسًا وليس لديهم تاريخ خاص بهم. تم حظر اللغتين الأوكرانية والبيلاروسية. كانت القومية الأوكرانية تهديدًا للأساطير الأساسية لروسيا وهددت محاولات خلق «شعب روسى». 

فى المقابل، نظر المثاليون الأوائل فى الاتحاد السوفيتى إلى الماضى الاقطاعى بازدراء، وتخيّلوا أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا كأمم منفصلة توحدت تحت الأفكار السوفييتية. لكن سرعان ما تفككت تلك المثالية. كان جوزيف ستالين مهووسًا بتدمير أوكرانيا. قتلت المجاعة المصطنعة فى 1932ــ1933 (هولودومور) ملايين الأوكرانيين، وتم قمع الثقافة الأوكرانية بشكل منهجى، بما فى ذلك حظر تدريس اللغة الأوكرانية فى المدارس، وتم إغلاق الكثير من المدارس.

ومع ذلك، كان خليفة ستالين، نيكيتا خروتشوف، أوكرانيًا وكان رئيسًا للحزب الشيوعى لأوكرانيا حتى عام 1949، لذلك رأى إحداث تكامل أوثق فى النظام السياسى السوفيتى مع درجة معينة من الاستقلالية فى الشئون المحلية كسياسة أكثر فاعلية. وكجزء من هذه السياسة تم إنشاء مجالس اقتصادية إقليمية، بالإضافة إلى المجالس الاقتصادية الجمهورية لتعزيز الحكم الذاتى الأوكرانى فى عام 1957. اكتسبت الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأوكرانية الحق فى تمرير قوانينها الخاصة طالما كانت متوافقة مع تشريعات الاتحاد. أصبحت كييف عاصمة سوفيتية، ولم تحصل على اهتمام أو امتيازات خاصة، لتتوافق بشكل أفضل مع بقية الاتحاد السوفيتى. تم التقليل من مكانتها الخاصة فى تاريخ السلافية الشرقية وتجاهلها لأنها لم تتوافق مع الرواية السوفيتية التى أراد من هم فى السلطة بناءها. 

• • •

لكن المشكلة بالنسبة لروسيا الحديثة هو غياب أيديولوجية السوفيت أو الامتداد الإقليمى للإمبراطورية القديمة. يقدم بوتين نفسه كشخصية شبيهة بالقيصر، إنه يريد أن يُدرج فى كتب التاريخ باعتباره موحدًا للأراضى الروسية.

لطالما قدم بوتين نفسه كقائد مجيد ومنتصر. خذ على سبيل المثال خطاب النصر الذى ألقاه بعد انتخابات 2012، أو كيف أنه بعد ضم شبه جزيرة القرم شدد على الأهمية التاريخية لإعادة التوحيد فى خطابه أمام نواب مجلس الدوما، واصفا إياه بـ«العودة إلى الوطن»، والتركيز على تاريخ المجد العسكرى الروسى. كانت أهدافه واضحة أيضًا فى المحادثات اليابانية حول الوصول إلى صفقة تتعلق بجزر الكوريل. كما قام ببناء قصر ضخم وفخم لنفسه، مع نسور مطلية بالذهب برأسين تنظر إلى الشرق والغرب، وهو ما يرمز إلى الإمبراطورية الروسية. إلى جانب هذا، تساعد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بوتين على تهدئة السكان ودعم كل الأساطير التى يريد الكرملين تمجيدها.

يريد بوتين أن يستعيد الإرث السوفيتى وأن ينظر إليه من منظور الأباطرة القدامى. لذلك، كان عليه أن يعيد التأكيد على الأساطير والقيم الإمبراطورية القديمة، ومن أجل ذلك كان عليه السيطرة على كييف. تسير أوكرانيا بطريقتها الخاصة، مدعية أن كييف روس هى إرثها، وتبتعد عن موسكو، وتستقل بكنيستها الأرثوذكسية بما يتعارض مع أساطير الدولة الروسية. هذه الأساطير الإمبراطورية هى التى تحدد روسيا ومعنى أن تكون روسيا. بوتين مقتنع بأنه بدون تلك الأساطير ستتفكك روسيا إلى أشلاء مرة أخرى، وإذا سمح بذلك سيتدمر إرثه. بالنسبة له، لا يمكن أن تكون هناك لغة أو ثقافة أو تاريخ أوكرانى منفصل.

فى الوقت نفسه، تواجه أوكرانيا مشكلة مماثلة، تشعر أنها هى الوريث الحقيقى لكييف روس. يحتاج الأوكرانيون إلى فصل كييف روس عن روسيا الحديثة وإظهار تاريخهم الخاص. لقد رأوا ما حدث عندما قبلت بيلاروسيا بالأساطير الروسية، حيث تلوح المعارضة الآن بعلم أبيض يتوسطه خط أحمر يرمز إلى القومية التاريخية الروسية. 

وهكذا، يستمر الصراع وسيستمر ما دامت روسيا تريد أن تكون قادرة على تسمية نفسها روسيا، ويريد المنحدرون الآخرون من كييف روس أن يقرروا مصيرهم وأن يكون لهم لغتهم وتاريخهم وتقاليدهم الخاصة، دون تدخل من موسكو. يمكن التعامل مع القضايا الاقتصادية، وإعطاء ضمانات أمنية، وإبرام صفقات جديدة، لكن هذه المشاكل القديمة لا يمكن حلها إلا من خلال بناء مشروع جديد تمامًا، بمُثل جديدة وأساس جديد للشرعية لا يحتاج إلى أساطير تاريخية. ربما حان الوقت لترك روما الثالثة تسقط أخيرًا، ودفن الأساطير القديمة بطريقة لائقة.

 

ترجمة وتحرير: ابتهال أحمد عبدالغنى

النص الأصلي

التعليقات