بحثا عن الزهور.. في ذكرى طلعت الشايب - منى أبو النصر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بحثا عن الزهور.. في ذكرى طلعت الشايب

نشر فى : الأحد 1 أبريل 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : الأحد 1 أبريل 2018 - 9:35 م

«العجوز الذي كان معروفاً بحبه للزهور، والذي قضى ذات مرة عاماً كاملاً وهو يبحث عن أصناف فريدة وجديدة منها، عند عودته ذات مرة إلى منزله، وجد جمعاً من الناس يتحلقون حول زهور المشمش الجميلة ويبدون إعجابهم الشديد بها.

العجوز الذي كان معروفا بحبه للزهور دخل إلى منزله مسرعا ونادى الخادم:هناك زهور رائعة خارج البوابة وحولها جمع من الناس، اذهب واعرف لنا من صاحبها وسوف أشتريها منه مهما كان ثمنها.

ابتسم الخادم وهو يقول: "إنها زهورك يا سيدي لقد نمت واستطالت بعض أفرع المشمش من خلال فتحات السور" مدهوشا، دخل العجوز الذي كان معروفاً بحبه للزهور إلى حديقته، ليكتشف أن ما قاله الخادم كان صحيحا، فتنهد قائلا: لابد أن يكون قد أصابني الخوف، زهور المشمش كثيرة في حديقتي..كيف سحرتني تلك الزهور إلى هذا الحد؟!».

• اسم هذه القصة هو "بحثاً عن الزهور"، وهي واحدة من روائع التراث القصصي الشعبي الذي أهدته الصين للبشرية، وواحدة من القصص القيّمة التي يضمها كتاب مُصمم في قطع كتيب صغير بعنوان "أنا القمر"، أهدته لي قبل نحو عامين الإعلامية المتميزة منى الشايب للذكرى الجميلة، وذلك بعد حديث ممتد بيننا عن الكتابات الموجهة للأطفال، والتي لا يعلم كثيرون أن منى الشايب لها باعٌ ومشروع لافت بها.

• الكتاب "أنا القمر- قصص شعبية صينية للصغار والكبار"، يأتي ضمن سلسلة الروائع التي يصدرها قطاع الثقافة التابع لـ"أخبار اليوم"، غمرني الإهداء، والعنوان، والنوع الأدبي، وكانت الدهشة الأكبر هي أن هذا الكتاب "أنا القمر" من ترجمة الرائع طلعت الشايب، أظهرت كثيراً من الحماس المضاعف لمطالعة الكتاب، ربما كانت معرفتي متأخرة بعض الشئ بأن المترجم الكبير طلعت الشايب له إنجازات في هذا النوع الأدبي المُسخر لفن الحكاية للصغار والكبار، فقد عرفته مترجماً رصينا لأعمال من طراز "صراع الحضارات" و"الحرب الثقافية الباردة والاستشراق الأمريكي" ، و"من الذي دفع للزمّار؟: الحرب الباردة الثقافية "، و"عارياً أمام الآلهة"، و"أصوات الضمير" ، وفي الأدب أتذكر "الحمامة" لباتريك زوسكند و"بقايا اليوم" لكازو إيشيجورو الحائز على جائزة نوبل أخيرا.

• أعدت قراءة حكايات "أنا القمر" مرّات، في كل مرة أقف مشدوهة بالحكايا، بالخيال، بالعجائبية الحكيمة، فالأشجار في هذا الكتاب تتكلم، والقمر يتحدث عن نفسه بإباء، والنمر يدافع عن الكرامة، والحمار يسخر، والحوت يدافع عن الأسماك الصغيرة، وحكاية بقرة وكلب اتفقا على الهرب، ومطاردة ثعبان على وقع الموسيقى، القصص حسب مقدمة الكبير طلعت الشايب "مختارة من كتاب "خرافات" للكاتب الصيني فنج زوفنج (1903-1976) والذي كتب معظمها في الثلاثينيات والأربعينيات مجبرا على استخدام لغة مقنعة ورموز يفضح بها مساوئ ورموز تلك الفترة"، هي حكايات تصلح للقراءة مرات وليس كعمل متصل كالروايات الطويلة ، إنما للقراءة اليومية المتصلة، بوقع حكاية أو حكايتين في اليوم، هكذا فعلت في محاولة للإبقاء على اتصالي بالحكايات لأطول فترة، وتأكيد الدهشة والفلسفة المُترعة في سطورها الزهيدة.

• قبل أيام قليلة مرّت الذكرى الأولى لرحيل المترجم الكبير طلعت الشايب، الذي كرس عمراً مدعوماً بما آمن طيلة حياته وهو التواصل الثقافي عن طريق الترجمة، ويليق هنا التمني بتنقيب المركز القومي للترجمة عن الأعمال التي أنجزها طلعت الشايب ولم ترى النور، إن وُجدت، أو تلك التي لم يُسلط عليها الضوء الكافي، أو تخصيص برنامج يتناسب وقدر الراحل طلعت الشايب في التكريم، ويليق كذلك دعوة مصحوبة بالرجاء لابنته "منى" شريكة الذكرى والنُبل والشغف الأدبي المتبادل، بالكتابة يوماً عن والدها الذي كرّس عمره إيمانا بما يحب، حتى تفاجئنا دراما الحياة بأن يُغيبه الموت وهو في محاضرة عن الترجمة، لتكون آخر كلماته في الدنيا عما أخلص وأحب، ربما تكون هذه الهوامش أزهارا ترد له التحية في عالمه الجديد.

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات