الاقتصاد والرعاية الاجتماعية فى برنامج حياة كريمة - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد والرعاية الاجتماعية فى برنامج حياة كريمة

نشر فى : الأحد 1 أغسطس 2021 - 8:25 م | آخر تحديث : الأحد 1 أغسطس 2021 - 8:25 م
أن تهتم الدولة فى مصر وعلى أعلى مستوياتها بأحوال سكان الريف هو أمر لا يمكن إلا وأن يحظى بالترحيب والحماس، فالريف المصرى هو أساس حضارة هذا البلد التى تمتد فى شقها المعروف إلى أكثر من خمسة آلاف سنة. الزراعة على ضفاف النيل هى التى أتاحت لسكان مصر أن يشيدوا الأهرامات والمعابد، وأن يوفروا لأجهزة دولتها وعلى مدى العصور ما تحتاجه من موارد، مادية وبشرية، حتى وإن كان نصيبهم من هذه الموارد أقل القليل. سكان الريف يمثلون أكثر من نصف السكان فى الوقت الحاضر، ويوفرون فى الزراعة العمل لخمس العاملين، ويساهمون بأكثر من عشر الناتج المحلى الإجمالى، وحتى عندما يهاجرون من مصر، بصفة مؤقتة أو دائمة، فلهم نصيب معتبر من التحويلات التى هى أكبر مصادر العملة الأجنبية فى البلاد.
قد يكون الاهتمام بالفلاحين هو نوع من رد الجميل لهم، وهو واجب مستحق، فهم صانعو ثروة هذا البلد ولكنهم لا يستمتعون فى معظمهم بالخير الذى يجلبونه. دراسات الدخل والاستهلاك والإنفاق التى تشرف عليها زميلتى القديرة الأستاذ الدكتور هبة الليثى فى إطار الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تكشف أن ثلثى الفقراء فى مصر يعيشون فى الريف، وأن ٤٣٪ منهم يتركزون فى ريف محافظات الوجه القبلى، التى يتجاوز الفقر فيها باستثناء محافظتى الجيزة والفيوم متوسط الفقر فى مصر عموما، ويصل الأمر إلى أن يكون أكثر من نصف السكان فى بعض محافظات الصعيد، خصوصا أسيوط والمنيا وسوهاج وقنا وأسوان، ومعظمهم يعيشون فى الريف لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من مأكل وملبس ومسكن لائق. وإذا كانت نسبة الفقر قد انخفضت فى بعض المحافظات بين ٢٠١٧ ــ٢٠٢٠ إلا أنها زادت على وجه التحديد فى هذه المحافظات، كما ارتفعت نسبة عمالة الأطفال بين فقراء الريف بالمقارنة بفقراء الحضر لتتراوح ما بين ١٥ــ١٧٪ من كل الأطفال بينما تقف عند حدود ٩٪ بين فقراء الحضر. وعلى امتداد تاريخ مصر لم يبادل حكام مصر الفلاحين ودا بود. كما تكشف عن ذلك حكايات الفلاح الفصيح، وكان وصف واحد من سكان هذا البلد بأنه فلاح يأتى فى أغلب الأحيان فى إطار توجيه الإهانة له وتحقير مكانته الاجتماعية.
ومع ذلك، فقد كان هؤلاء الفلاحون هم دعامة الاستقرار السياسى فى مصر على مدى العصور، فى الماضى والحاضر، فهم نادرا ما يثورون، إلا عندما تضيق بهم أوضاع العيش، ويجدون أن الظلم الذى يتعرضون له يفوق حدود ما يمكن لبشر احتماله، ومن ثم يخرجون على طاعة الحكام، كانوا حاضرين فى ثورة ١٩١٩، وغابوا عن ثورة ٢٠١١، ولذلك ليس من المدهش أن تعترف حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسى بفضلهم، وتخصص لهم برنامجا طموحا يستهدف أن يوفر لهم «حياة كريمة»، وهو برنامج يستحق أن يهتم به كل صاحب خبرة أو معرفة بما يمكن أن يكون خيرا لهؤلاء المواطنين والمواطنات. وأن يجتهد خصوصا فى اقتراح سبل استدامة غايات هذا البرنامج وتكامله مع سياسات الدولة الأخرى.
معالم البرنامج
ليس هذا البرنامج هو أول مسعى يستهدف ترقية الريف. كانت إقامة الوحدات المجمعة التى تشمل مدرسة ووحدة صحية ومشرفا زراعيا من أولى برامج ثورة يوليو للنهوض بأحوال الفلاحين، كما تتابعت قوانين الإصلاح الزراعى فى الخمسينيات والستينيات لتحقق نفس الغاية، وكانت هذه الجهود تسترشد بهدف العدالة الاجتماعية الذى كان واحدا من أهداف ثورة يوليو الستة، كما كانت إقامة التعاونيات وتجربة التجميع الزراعى وسائل لمكافحة مشكلة تفتيت الملكية الزراعية، ولكن برنامج حياة كريمة يسترشد بفلسفة مغايرة ترى فى توفير المناخ الملائم للقطاع الخاص خير سبيل لتحقيق الرخاء لسكان الريف.
معالم هذا البرنامج الطموح واضحة، فصلها الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، الذى بيّن أن التكلفة الكلية للبرنامج تصل إلى ٧٠٠ مليار جنيه على مدة ثلاث سنوات، وليس من المعروف ما إذا كانت السنوات الثلاث تبدأ من سنة ٢٠١٩ عندما شرعت الحكومة فى تنفيذ البرنامج، أم أنها هى تكلفة السنوات الثلاث ٢٠٢١ــ٢٠٢٤، والبرنامج يغطى ٤٥٠٠ قرية فى ١٧٥ مركزا، وقد أعطى البرنامج فى مرحلته الأولى أولوية لـ٥٢ مركزا وهى المراكز الأكثر احتياجا بسبب مستويات الفقر فيها، وتكلفة هذه المرحلة ٢٦٠ مليار جنيه.
وهناك أربعة محاور لهذا البرنامج هى النهوض بالبنية الأساسية، وبناء الإنسان المصرى، والتدخلات الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. المحور الأول يتضمن توفير مياه الشرب والصرف الصحى والكهرباء فضلا عن مكاتب البريد وخدمات الإنترنت، ويشمل محور بناء الإنسان المصرى تطوير خدمات التعليم والصحة والشباب والرياضة والتوعية والثقافة، وتستهدف التدخلات الاجتماعية توفير سكن كريم، وإحلال وتطوير المنازل القديمة والمتهالكة، أما محور التنمية الاقتصادية فيتضمن تأهيل وتبطين الترع وتوفير فرص عمل من خلال إتاحة التمويل لإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
رعاية أم تنمية اقتصادية؟
النظرة الأولى لعناصر هذا البرنامج توحى بأنه أقرب إلى برامج الرعاية الاجتماعية، فهو يركز على توفير خدمات لسكان الريف هى إما لا تتوافر لهم مثل مكاتب البريد والإنترنت فائق السرعة، أو لا تتوافر على نحو مناسب. بطبيعة الحال توافر الخدمات مثل الطرق والمدارس والمستشفيات يمكن أن يحسن دخول المواطنين فى الريف لأنه يقلل من النفقة التى يتحملونها للحصول على هذه الخدمات فى أماكن بعيدة عنهم، أو يرفع مستوى التعليم والمهارة مما يتيح لهم الحصول على وظائف أعلى دخلا، كما أن تبطين الترع أو توفير التمويل لإقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة يقلل من نفقات الإنتاج أو الاستثمار. بعبارة أخرى، الطريق إلى التنمية الاقتصادية هو من خلال توفير المناخ الذى يشجع على زيادة الإنتاج وإقامة مشروعات جديدة. ويتوافق ذلك مع الفلسفة النيوليبرالية التى تدعو لها المؤسسات الاقتصادية الدولية التى تقصر دور الحكومة على توفير المناخ المحفز للاستثمار وتترك مهام الإنتاج لفاعلين آخرين مثل المشروعات الخاصة والاستثمار الأجنبى.
ليس هذا الاستنتاج صحيحا تماما لأن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تهمل القطاع الزراعى، فهى تتضمن أنشطة تعود بالنفع على سكان الريف. ولذلك فالتقييم الصحيح لبرنامج حياة كريمة هو بوضعه فى إطار هذه الخطة التى تغطى قطاعات عديدة لها أثرها المحتمل على سكان الريف. ولذلك يكون السؤال هو عما إذا كانت مشروعات الخطة تسهم على نحو مباشر فى زيادة الإنتاج الزراعى وتنويعه وتسهيله وتشجيعه على نحو يؤدى إلى دفع التنمية الاقتصادية فى الريف المصرى وذلك إلى جانب تحسين الخدمات فيه الذى يسعى إليه برنامج حياة كريمة؟
مثل هذا السؤال يستمد أهميته من ضرورة ضمان الاستدامة للمشروعات التى يتضمنها برنامج حياة كريمة، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانت هناك جهود هادفة ليس فقط للتخفيف من حدة الفقر بتقديم الدعم والمساعدات كتلك التى يوفرها مشروع تكافل وكرامة، ولكن بتوفير فرص عمل لا تنتهى الحاجة لها عندما يتم تنفيذ مشروعات حياة كريمة مثل شق الطرق أو بناء المدارس والمستشفيات.
التنمية الزراعية فى خطة التنمية المستدامة متوسطة المدى ٢٠١٧ــ٢٠٢٢
تكشف قراءة وثيقة خطة التنمية المستدامة للفترة ٢٠١٧ــ٢٠٢٢ عن اهتمام بالقطاع الزراعى من خلال توجيه استثمارات كبيرة له، وتفصيل مشروعات تستهدف دفع النمو فيه، مما يعود على المواطنين عموما وعلى المشتغلين بالزراعة خصوصا والمرتبطين بأنشطتها بارتفاع فى دخولهم، وتتنوع المجالات التى تغطيها هذه المشروعات. ولكن ربط هذه المشروعات ببرنامج حياة كريمة يثير نوعين من التساؤلات، أولهما عن مدى أولوية الزراعة ضمن مشروعات الخطة، وثانيهما حول مدى التكامل بين مشروعات الخطة والأنشطة التى يتضمنها برنامج حياة كريمة.
فمن حيث الأولوية لا ترد التنمية الزراعية كأحد التوجهات الاستراتيجية لخطة ٢٠١٩ــ٢٠٢٠، وتذكرها التحديات الأربعة عشر فى تحديين هما الأمن المائى والغذائى والزحف العمرانى وتآكل الأراضى الزراعية. كما أن الاستثمارات الموجهة لقطاع الزراعة وهى ٤٢ مليار جنيه من القطاع العام و٣٣.٥ مليار جنيه من القطاع الخاص لا تمثل سوى ٣.٦٪ من إجمالى استثمارات الأول و٥.٣٪ من إجمالى استثمارات الثانى، وهى تحتل المرتبة السادسة من حيث حجم الاستثمار بالنسبة لكل منهما، تسبقها فى حالة القطاع العام الاستثمارات الموجهة لقطاعات التنمية العقارية والأنشطة الاستخراجية من غاز ومعادن والصناعات التحويلية والكهرباء والاتصالات، وفى حالة القطاع الخاص تأتى الاستثمارات فى مجالات التنمية العقارية والغاز الطبيعى والصناعات التحويلية والكهرباء والنقل والتخزين قبل الاستثمار فى الزراعة.
والتساؤل الثانى الذى لا يجد جوابا سهلا له هو مدى التكامل بين مشروعات حياة كريمة ومشروعات التنمية الزراعية الواردة فى الخطة. هل تتوجه مشروعات الخطة نحو القرى التى يستهدفها برنامج حياة كريمة؟ وما هى نسبة هذه المشروعات إلى إجمالى مشروعات التنمية الزراعية التى تخدم التوسع فى الأراضى الجديدة المستصلحة أو التى سيجرى استصلاحها؟
من الواضح أن تجاوز برنامج حياة كريمة كونه برنامج رعاية إلى أن يكون دفعة حقيقية للتنمية الزراعية يتمتع بالاستدامة يقتضى أن تحتل التنمية الزراعية مكانة أعلى بين أهداف خطة التنمية، وأن تتلقى قدرا أكبر من استثماراتها، وأن يكون هناك ارتباط واضح بين البعد الجغرافى لمشروعات التنمية الزراعية ومشروعات برنامج حياة كريمة.
مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات