حساسية الصمت - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حساسية الصمت

نشر فى : الأحد 1 ديسمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 8 ديسمبر 2013 - 11:11 ص

«إحنا الصوت لما تحبوا الدنيا سكوت»، تطالعك العبارة على الجدران منذ قرابة الثلاث سنوات.. تصوب سهامها نحوك فى صمت من خلال الجرافيتى فى الشوارع، دون أن يعرف الكثيرون - ربما - أنها أغنية 6 أبريل، كما يطلق عليها فى عالم الإنترنت. وقد تكون هذه هى مشكلة الحركة الشبابية حاليا، أن أعضاءها والعديد ممن انضموا إليهم فى تجمعاتهم الأخيرة، اعتراضا على قانون أو محاكمات أو غيره، مصممون على أن يكونوا «الصوت» فى الوقت الذى تعب فيه أغلبية الناس، خاصة من ينتمون لأجيال أكبر سنا، وهؤلاء «يحبون الآن الدنيا سكوت».. يتوقون إلى الراحة والاستقرار، فتلك طبيعة شعب أمضى حياته على ضفاف النيل فى استقرار، حتى لو لم يكن سعيدا وراضيا. ينتظر دائما المخلص، وعندما لا يأتى يخترع إلها، يصنعه ويمجده كى ينقذه.. ثم تتكرر الحكاية نفسها منذ فجر التاريخ.

•••

فى إحدى دور العرض، جاء تعليق أحد المشاهدين تلقائيا عندما أخبرته من بصحبته أن الكلام قليل فى فيلم «فرش وغطا» لأحمد عبدالله، إذ رد المتفرج على الفور: «أحسن!».. هو أيضا مل الكلام ومن يتشدقون به ليل نهار، تحليلات وآراء تطارده على الشاشات وفى الأروقة.. الجميع يدلى بدلوه حتى لو لم يكن هناك «دلو»!! قد يكون التوقيت هو ما جعلنا نحب صمت البطل فى «فرش وغطا».. نصمت ونصمت ونصمت، هذا أفضل عندما لا يكون لدينا ما نقوله.. آسر ياسين فى الفيلم لا ينطق سوى بكلمات قليلة، لكن صمته معبر.. فرجته على الأحداث التى تجعله فى قلبها وتشده إلى المركز، منذ اندلاع الثورة، دون أن يقصد هى لسان حال الكثيرين. نلوذ بالصمت حين لا ينفع الندم، فالسكوت مطلوب أحيانا.. من وقت لآخر نصبح فى حاجة للاختلاء بالنفس، وهذا ما يسمح به الصمت، ففى بعض الحضارات خاصة الآسيوية يمجدون الصمت ويعلون من شأنه.. إذا كنت فى مفاوضات مع يابانيين على سبيل المثال فهم يثقون أكثر فيمن يتحدث أقل. أما فى الهند فممارسة الصمت لساعات أو أيام تدريب وسلوك، إذ تتطلب بعض تمرينات اليوجا أن تصوم عن الكلام ليوم كامل أو أكثر لتصل بعقلك إلى حالة «الزيرو أفكار»، تخلق «فضاء» فى الدماغ وسط خضم الرسائل والمعلومات الذى يتسرب إليها، فيصبح حشوا مبالغا فيه يمنعها من التفكير السليم أو حل المشكلات، ويعوق وضع رؤية استراتيجية بعيدة الأمد. لذا نحن فى حاجة حاليا إلى الصمت، إلى استراحة المحارب التى تسمح بشحن بطاريات المخ ليعرف بعدها أين هو الآن من كل الأشياء؟ ما موقفه من كذا أو فلان.. نحن بحاجة إلى حساسية الصمت التى تمكننا من فهم ما يدور حولنا بشكل أفضل، لأننا فعليا دخلنا بيت التيه.

•••

فى منتصف التسعينيات تقريبا خرجت علينا التونسية مفيدة تلاتلى بفيلم آخر يعلى قيمة السكوت والنظرات التى تشى بالكثير دون النطق ببنت شفة، كان عنوانه «صمت القصور» (لكن قطعا مساحة الحوار كانت أكبر من «فرش وغطا» فليس الغرض هنا عقد مقارنة بين الأسلوبين). قالت تلاتلى وقتها إنها كانت تفكر فى أمها وهى تكتب الفيلم، كانت تفكر فى المسكوت عنه لدى المرأة، فى كل الحركات الصامتة التى تدخل تحت إطار الطقس اليومى أحيانا إلا أنها تقول فى صمت ما يعجز عنه اللسان، المطلوب فقط هو قراءة ما يفيض به الوجه من تعبيرات والتوقف أكثر أمام بلاغة الصمت، بل وفك شفرة النظرات الحائرة أو القلقة أو الطامعة.. الصمت يعطى مساحة للفهم، فرجاء «شوية» هدوء، الهدوء الذى يصل بالمعنى دون صراخ أو هتاف

التعليقات