فى طوالع البعثة المحمدية - رجائي عطية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى طوالع البعثة المحمدية

نشر فى : الأربعاء 2 سبتمبر 2020 - 8:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 سبتمبر 2020 - 8:50 م

تعددت كتابات الأستاذ العقاد الإسلامية، وتعددت كتاباته عن السيرة المحمدية، وعن الرسول عليه الصلاة والسلام، وعندى أن من أميز كتاباته فى هذا المضمار، كتابه الرائع، فى طوالع البعثة المحمدية أو «مطلع النور»، سنة 1955، بعد خمس عشرة سنة من إصداره «عبقرية محمد» سنة 1940، وبين الكتابين وبعد ثانيهما ــ كتب الأستاذ العقاد كثيرا عن رسول القرآن عليه السلام، واخترت فى كتابى «مدينة العقاد» ــ أن أبدأ بكتابه «مطلع النور» فى طوالع البعثة المحمدية ــ لأنه عن الرسالة، طوالعها ومقدماتها ومعالمها، وأثنى بعده بعبقرية محمد الذى هو اقتراب وتعرف على الشخصية المحمدية وكوامن العظمة والعبقرية فيها. وتستطيع أن تقول ما قاله العقاد إن «مطلع النور» هو عنوان هذه الصفحات.
وإن مدى البحث فيها على البعثة النبوية المحمدية، وما تقدمها من أحوال العالم، وأحوال الجزيرة العربية، وأحوال الأسرة الهاشمية، وأحوال أبويه الشريفين، ومقدمات الرسالة وطوالعها ومعالمها. وهو يبدأ سطور الكتاب بعدة تساؤلات تفرض نفسها.
كيف نشأت ديانة الإنسانية بعد ديانات العصبية والأثرة القومية؟
وكيف نشأت نبوة الهداية بعد نبوة الوقاية والقيادة؟
وكيف أصبحت المعجزة تابعة للإيمان، بعد أن كان الإيمان تابعا للمعجزة؟
وكيف ظهر الإسلام بعد عبادات لا تمهد له، ولا يبقى عليها؟
أما المقدمات فلم تكن واحدة.
منها مقدمات لم تكن واحدة منها ممهدة لنتائجها، فهى وإن مهدت لها خطوة أو خطوات فى الطريق، قد تعود وتنكص بعد ذلك خطوات وخطوات.
وهذه هى المقدمات التى لا تأتى بعدها النتائج الصالحة ــ إلا بعناية الله وقوانين الكون وعوامله التى ساقها سبحانه إلى حيث يشاء.
فليست الجاهلية ــ مثلا ــ مقدمة للإسلام.
مثلما أن الفساد فى العالم ليس سببا فى الإصلاح، وإن دفع إلى الرغبة فيه.
وعلى ذلك فليست قريش ولا جزيرة العرب ولا دولة القياصرة ولا أبهة الأكاسرة ــ هى التى بعثت محمدا عليه الصلاة والسلام ــ لينكر العصبية على قريش، ويعلم العرب تسفيه التراث الضرير الموروث بالاعتياد عن الآباء والأجداد، أو ليهدم العروش التى قام عليها جبابرة الطغاة وتألهوا بها من دون الله.
وإنما كان هؤلاء وأولاء ــ المرضى الذين شفتهم البعثة المحمدية بغير سعى منهم إلى الشفاء.
أو تلك ــ إن شئت ــ هى المقدمات ونتائجها كما ترسمها وتتجه بها عناية الله.
هذا رسول يوحى إليه فيصنع الأعاجيب.
جاء بدين الإنسانية فى أمة العصبية.
جاء ينكر كل إله ــ أو صنم ــ غير الواحد الأحد فى عالم يؤمن بكل إله ــ أو صنم!!! ـ غير الواحد الأحد ــ رب العالمين.
هل يقدر شخص واحد على كل ذلك؟
أجل، محمد عليه السلام قدر عليه بعناية الله.
ولولا تدبير من الله، لما ادخرت جزيرة العرب لهذه الرسالة لتخرج بالتاريخ الإنسانى كله إلى عالم جديد.
الطوالع والنبوءات
جرت المقدمات التى سبقت البعثة المحمدية على نوعين:
مقدمات ترتبط بما تلاها من الحوادث ارتباط الأسباب بالمسببات.
ومقدمات لا ترتبط بما تلاها هذا الارتباط، بل لعلها تناقضها وتؤدى إلى خلافها، ولكنها ترتبط بها ارتباط الداء بالدواء الشافى.. فليست النتائج هنا وليدة المقدمات، بل هى العلاج والآية الإلهية التى تحول الأسباب الطبيعية إلى طريق الحكمة الأبدية.
رائد الأستاذ العقاد فى بحثه ــ كما يفصح ــ هو التفكر فى مُلْك الله ــ وهذا التفكير هو فريضة الإسلام الكبرى ــ والنظر بالعقل فى حقائق السماوات والأرضين.
رائد البحث فى المقدمات، يقود الباحث إلى أن إرادة الله تعالى ظاهرة فى ملكه وآيات خلقه.. والناس مطالبون بالنظر فى هذه الإرادة قبل النظر فى الخوارق والمعجزات.
وعلى هذا مدى السؤال حول المعجزات والخوارق.. هذه الخوارق التى كانت حجج صدق لبعض الرسل والأنبياء لإقناع المخاطبين بصدق التعبير عن الواحد الأحد رب العالمين.
ليس السؤال هو: هل المعجزة ممكنة أو غير ممكنة، فالعقل المنكر أن المادة لا توجد إلا هكذا ــ هو أضيق العقول التى تسرع للإنكار بينما تصدق بأى شىء بغير بحث ولا برهان!
ولكن السؤال: هل المعجزة لازمة أو غير لازمة؟ وهل كان أم لم يكن لها أثر مشهود فى الإقناع بالدعوات؟
ذلك أن الله جل وعلا يضع قوانين الطبيعة لحكمة، ويخرقها لحكمة.. وأمره سبحانه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
والعلامة التى لا التباس فيها ولا سبيل لإنكارها، فهى علامة الكون أو علامة التاريخ.. وقد قالت حوادث الكون إن الدنيا كانت فى حاجة إلى رسالة، وقالت حقائق التاريخ إن محمدا ــ عليه الصلاة والسلام ــ هو صاحب تلك الرسالة.
ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون، وعلامة التاريخ.
وفى أخبار الخوارق والمألوفات، يلاحظ الباحث فى تاريخ الدعوات، أن المؤرخ المسلم اكتفى بالآيات الكونية، ربما لأنه وجد هذا الطريق واضح المعالم أمامه وأمام الناظرين الذين يعملون بهداية الإسلام، ولكنه لو شاء لوجد ذخيرة من الطوالع والنبوءات التى يعتمد أبناء الديانات الأخرى على أمثالها.
ويجد الأستاذ العقاد أنه من الحسن أن يأتى على أمثلة من الطوالع والنبوءات التى وجد فيها بعض المؤرخين المسلمين شواهد على ظهور النبى عليه الصلاة والسلام مكتوبة قبل أوان ظهوره بعشرات القرون. ويلاحظ أن هؤلاء المؤرخين، أو أكثرهم، من فضلاء الهند وفارس والأمم الشرقية التى تتكلم غير العربية.
ومن الأمثلة التى يوردها ويرى أنه يستدعيها المقام ولا يجوز إهمالها، كتاب بالإنجليزية ألفه «مولانا الحق قدرياتى» وسماه «محمد فى الأسفار الدينية العالمية» واستفاد فى مقارناته ومناقضاته فيه ــ بمعرفته بالفارسية والهندية والعبرية والعربية وبعض اللغات الأوروبية، ولم يقنع فيه بكتب التوراة والأناجيل بل عم البحث فى كتب فارس والهند وبابل القديمة، وكانت له فى بعض أقواله ــ فيما يرى العقاد ــ توفيقات تضارع أقوى ما ورد فى نظائرها فى شواهد المتدينين جميعا.
يقول الأستاذ عبدالحق إن اسم الرسول العربى «أحمد» مكتوب بلفظه العربى فى «السامافيدا ـ Sama vida» من كتب البراهمة، وأنه ورد فى الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثانى ونصها أن «أحمد تلقى الشريعة من ربه وهى مملوءة بالحكمة وقد قبست منه النور كما يقبس من الشمس».
ولا يخفى المؤرخ وجوه الاعتراض التى قد تأتى من جانب المفسرين البرهميين، بل وينقل عن أحدهم «سينا أشاريا Syna Asharya» أنه وقف عند كلمة «أحمد» فالتمس لها معنى هنديا وركب منها ثلاثة مقاطع وهى: «أهم» و«آت» و«هى».. وحاول أن يجعلها تفيد «إننى وحدى تلقيت الحكمة من أبى».
وقال الأستاذ عبدالحق ما فحواه إن هذه العبارة منصرفة إلى البرهمى «فاتزا كانفا Kanva»، وهو لا يصدق عليه القول بأنه وحده تلقى الحكمة من أبيه.
ويزيد الأستاذ عبدالحق على ذلك بأن وصف الكعبة المعظمة ثابت فى كتاب «الأشارفا فيدا ـ vidaِAsharva» حيث يسميها الكتاب «بيت الملائكة» ويذكر من أوصافه أنه ذو جوانب ثمانية وذو أبواب تسعة.
والمؤلف يفسر هذه الأبواب التسعة بالأبواب المؤدية إلى الكعبة، وهى أبواب إبراهيم والوداع والصفا وعلى وعباس والنبى والسلام والزيارة وباب حرم، ويسرد أسماء الجوانب الثمانية حيث ملتقى جبل خليج وجبل قعيقعان وجبل هندى وجبل لعلع وجبل كدا وجبل أبى حديد وجبل أبى قبيس وجبل عمر.
وينوه الأستاذ العقاد بما وجده لدى الأستاذ عبدالحق من صبر طويل جعل يتتبع به مواضع كثيرة من الكتب البرهمية يرى أن النبى محمدا مذكور فيها بوصفه الذى يعنى الحمد الكثير والسمعة البعيدة، وكذا أسمائه الوصفية المذكورة فى كتب البراهمة.

التعليقات