خلافات واحتقان على الساحة السودانية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خلافات واحتقان على الساحة السودانية

نشر فى : الجمعة 2 أكتوبر 2020 - 9:55 م | آخر تحديث : الجمعة 2 أكتوبر 2020 - 9:55 م

لقد دخل السودان فى دائرة من الخلافات أدت إلى حالة من الاحتقان على الساحة السودانية بشأن موضوعات سياسية تتصل بالمساعى والضغوط الأمريكية المكثفة لضم السودان إلى قائمة الدول العربية التى تقيم علاقات مع إسرائيل بلهفة أمريكية ملحة لتوسيع دائرة التطبيع فى العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى اقترب موعدها فى الثالث من نوفمبر 2020 وإبراز إنجازات الرئيس ترامب فى مجال السياسة الخارجية وخاصة إسرائيل إرضاء للجالية اليهودية الأمريكية واليمين الأمريكى الداعم لإسرائيل من أجل الحصول على أصواتهم. وثمة خلافات بشأن الأزمة الاقتصادية والمالية التى يعيشها السودان فى السنوات الأخيرة وزادت حدتها بتداعيات وباء كورونا، وكارثة الفيضانات التى دمرت آلاف المنازل وحقول المحاصيل الزراعية، وكيفية مواجهة هذه الأزمات.
فيما يتصل بالطلب الأمريكى لانضمام السودان لقائمة الدول العربية التى أقامت مؤخرا علاقات مع إسرائيل، فإنه أثناء جولة وزير الخارجية الأمريكى فى المنطقة فى الأسبوع الأخير من أغسطس 2020 أوضح له رئيس وزراء السودان د. عبدالله حمدوك عندما زار الخرطوم أن الحكومة السودانية الحالية حكومة انتقالية وليس لديها الصلاحية فى اتخاذ قرارات فى القضايا الرئيسية إلى أن يكتمل التحول الديمقراطى فى عام 2022، وأوضح لوزير الخارجية الأمريكى أنه من الأفضل عدم الربط بين دفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب بمسألة التطبيع مع إسرائيل، لأن السودان لم يعد من الدول التى تأوى الإرهابيين، وفى حاجة إلى المساعدات الاقتصادية والمالية ويأمل أن تساعده الولايات المتحدة فى ذلك.
***
ولكن اتضح مما تسرب من أنباء وتصريحات أن المجلس السيادى برئاسة عبدالفتاح البرهان، له رأى مختلف طالما أن عملية التطبيع مع إسرائيل تؤدى إلى رفع العقوبات الاقتصادية وتيسر حصول السودان على قروض واستثمارات تساعده على تجاوز أزمته الاقتصادية والمالية. وقد سافر رئيس المجلس السيادى البرهان على رأس وفد سودانى من بين أعضائه وزير العدل إلى الإمارات فى زيارة استغرقت ثلاثة أيام أجرى خلالها مباحثات مع وفد أمريكى والمسئولين فى دولة الإمارات العربية، تناولت مطالب السودان المالية والاقتصادية ورفع اسمه من القائمة الأمريكية المشار اليها، وكان واضحا من آراء المتابعين للزيارة والمباحثات أن الجانب السودانى ليس لديه مانع فى الربط بين عملية التطبيع مع إسرائيل مقابل المساعدات التى يحصل عليها.
كما أن الاتجاه نحو قبول التطبيع مع إسرائيل كان باديا بوضوح فى ثنايا كلمة رئيس المجلس السيادى السودانى عبدالفتاح البرهان فى افتتاح المؤتمر الاقتصادى القومى فى الخرطوم والذى استمر من 26ــ28 سبتمبر2020 واعتبر أن ثمة فرصة سانحة يجب اقتناصها من أجل مصلحة السودان ومساعدته على الخروج من أزماته الحادة. وهو ما دعا رئيس الحكومة ومتحدثين آخرين إلى إعادة تأكيد أن الحكومة الانتقالية غير مفوضة لاتخاذ قرار بشأن التطبيع مع إسرائيل، بل اعتبر البعض أن ربط رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية بهذا الموضوع فيه إهانة للسودان.
وقد أعلن رئيس وزراء السودان الأسبق، ورئيس حزب الأزمة وإمام الأنصار أكبر الطوائف الدينية فى السودان، الصادق المهدى، أنه سيقود حملة سياسية وشعبية يدعو إليها الأحزاب السياسية، والمكونات القبلية، والطرق الصوفية، والمنظمات الإسلامية للوقوف ضد أى خطوة من الحكومة الانتقالية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ووصف مثل هذه الخطوة بأنها استسلام، ولا صله لها بالسلام فى المنطقة. ودعا المسئولين فى الحكومة لإعلان التزام واضح بعدم القيام بأى مبادرات تستغلها الجماعات المتطرفة لإحداث فتنة فى السودان، واعتبر أن الضغوط من أجل التطبيع مع إسرائيل ابتزاز مهين لكرامة الشعب السودانى، وقال المهدى إنه كوّن لجنة قانونية لتبنى نص فى القانون الجنائى يوقع عقوبة السجن لمدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو الغرامة لكل من يقوم باتخاذ قرار أو عمل للتطبيع مع دول عنصرية معادية. وتجدر الإشارة إلى أن حزب الأمة ضمن الائتلاف الحاكم فى السودان.
ويلاحظ أن هذه الخلافات فى الرأى بشأن عملية التطبيع مع إسرائيل انتقلت من المستويات الرسمية إلى الرأى العام سواء الإعلام أو الخبراء والمتخصصين فى الشئون السياسية والاقتصادية، ما بين مؤيد ومعارض لعملية التطبيع.
***
أما من الناحية الاقتصادية فقد تباينت الآراء التى تناولها المتحدثون أمام المؤتمر الاقتصادى القومى لبحث وضع رؤية استراتيجية وطنية للتنمية تعالج أزمات السودان الاقتصادية والسياسية والأمنية، حيث يرى رئيس مجلس السيادة السودانى أهمية رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب بهدف إعادة دمج السودان مجددا فى المجتمع الدولى وإعادة بناء علاقاته الخارجية بما يعزز المصالح الوطنية، ووضع خطة محددة زمنيا وكميا، تتضمن الاستغلال الأمثل للموارد، وإتاحة مطالب الإصلاح الاقتصادى، ومكافحة الفساد، وتجنب المسكنات، وأن توقيع اتفاق السلام السودانى سيوفر فرصا داخلية وخارجية يجب استغلالها.
بينما دعا رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى التصدى للتدخلات الأجنبية فى الشأن السودانى وتوظيف القيادات الوطنية الفكرية والسياسية ذات القدرات العالية، وأهمية إصدار قوانين تطبق على المستوى الاجتماعى والسياسى، وبناء قضاء مستقل، وتعبئة الموارد الطبيعية والإنفاق على الأجهزة الأمنية والعدل والبنى التحتية وإنتاج السلع والخدمات من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية. وأرجع فشل المشروع الوطنى للتنمية إلى الفشل فى إدارة التنوع الثقافى والعرقى، والجغرافى فى السودان، وبناء مؤسسات الحكم والإدارة الحديثة، وغياب الرؤى، وعدم توظيف العلاقات الإنتاجية، وضعف الإدارة والقدرة على التخطيط لبناء نظام اقتصادى سليم. وتناول التحديات العديدة والكبيرة التى تواجه حكومته والمتمثلة فى الاستجابة للتطلعات للمساواة والعدالة، وغياب المشروعات التنموية القومية، وهو ما أدى إلى اتساع دائرة الخلافات بين المواطنين وتفشى الصراعات والحروب التى أدت إلى اهدار الموارد البشرية والمالية.
ويعيش السودان أزمة اقتصادية طاحنة ناتجة عن السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، وضعف الإنتاج، وتزايد الطلب على الواردات وقلة الصادرات، وهو ما أدى إلى اختلال كبير فى الميزان التجارى، وارتفاع معدلات التضخم إلى نحو 166% خلال أغسطس 2020، وارتفاع كبير فى الأسعار، وتزايد معدلات البطالة، ووصول نسبة الفقر إلى نحو 65% من السكان. وتبلغ الديون الخارجية للسودان نحو 60 مليار دولار أمريكى.
وترى الحكومة الانتقالية السودانية أن حل الأزمة الاقتصادية يكمن فى برنامج صندوق النقد الدولى والذى يتضمن إعادة هيكلة الاقتصاد السودانى، ورفع الدعم عن الطاقة، وتحرير سعر صرف الجنيه السودانى وعدة إجراءات اقتصادية ومالية أخرى تنفذ خلال 12 شهرا. وترى أن ذلك سيساعد على الاستجابة لطلب السودان إعفاءه من بعض الديون الخارجية، كما يساعد على قدوم استثمارات أجنبية إلى السودان فى عدة مشروعات تنموية، كما يؤهل السودان للحصول على أكثر من 1.5 مليار دولار أمريكى على شكل منح مباشرة لتحفيز الاستثمار وإنعاش الاقتصاد.
بينما تتمسك المرجعية السياسية ممثلة فى تجمع «الحرية والتغيير» بما تطلق عليه الاعتماد على الموارد الذاتية للنهوض بالبلاد، وترفض شرائح واسعة منها التطبيع مع إسرائيل وترى أنه بيع للإرادة الوطنية، كما تتحفظ بشدة على البرنامج الاقتصادى لصندوق النقد الدولى نظرا لتكلفته الاجتماعية العالية وإرهاق الطبقات الفقيرة والمتوسطة بأعباء لا قبل لهم بها، وأن تجارب صندوق النقد الدولى غالبا ما تسفر عن نتائج مشجعة فى كثير من الدول التى أخذت بها.
ويرى بعض الخبراء السودانيين أن المؤتمر الاقتصادى القومى يركز على دور القطاع الخاص على حساب دور الدولة، وهو ما ينبئ بأن توصيات المؤتمر سيكون مصيرها مثل سابقتها من التوصيات طالما أن الدولة لم تمسك بزمام الأمور فى العملية الإنتاجية وتوفير ضمانات التنفيذ. كما أن عجز الحكومة عن اتباع سياسات مالية رشيدة لزيادة الإيرادات وتقليل النفقات، والاعتماد على الضرائب بصورة أساسية، لن يعالج العجز المستمر فى الموازنة العامة.
***
ومن ناحية أخرى فقد أعرب سفير السودان الجديد فى واشنطن والذى خلا منصبه على مدى نحو 23 عاما، عن توقعه أن يصدر الرئيس الأمريكى ترامب أمرا تنفيذيا قريبا برفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب إلى أن يتخذ الكونجرس الأمريكى قرارا فى هذا الشأن، وإن كان قرار ملاحقة السودان قضائيا هو الذى يدور حوله خلاف فى الكونجرس ومحاولة ربط السودان بأحداث 11 سبتمبر2001 فى البرجين فى نيويورك. وأضاف السفير أن الحالة الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والسياسية والتاريخية فى السودان غير جاهزة فى الظروف الحالية لاتخاذ قرار التطبيع مع إسرائيل.
ويتوقع أن يبقى السودان تتجاذبه رؤى ومواقف متباينة سواء بشأن التطبيع مع إسرائيل، أو الإصلاح الاقتصادى، إلى أن يجتاز المرحلة الانتقالية بسلام بحلول عام 2022 وأن تلتزم الأطراف الموقعة بتطبيق اتفاقية السلام السودانية وتنضم إليها الأطراف غير الموقعة عليها، وكل ذلك يجعل الوضع حرجا ودقيقا وفى حاجة إلى رؤى مستقبلية أبعد من أى انتماء عقائدى أو عرقى أو سياسى وهو أمر يحتاج إلى مجهودات كبيرة ومكثفة.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات