خيارات عربيـة جديدة للتصدى للأسـد - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خيارات عربيـة جديدة للتصدى للأسـد

نشر فى : السبت 4 أغسطس 2012 - 9:50 ص | آخر تحديث : السبت 4 أغسطس 2012 - 9:50 ص

لم يترك نظام الأسد أى خيار أمام الدول العربية سوى اللجوء إلى وسائل طالما عزفت عن المطالبة بها. ظهر هذا التحول جليا فى الاجتماع الوزارى الذى عقد بالدوحة يوم 22 يوليو الماضى. حتى الآن وقفت مؤسسة الجامعة، ومعظم الدول الأعضاء، ضد تأجيج النزاع المسلح فى سوريا. قاومت إمداد المعارضة بالسلاح، ولم تقدم على المطالبة بفرض مناطق حظر أمام الطيران، كما فعلت فى ليبيا وكان ما كان هناك، بل نظرت بدرجة كبيرة من الريبة إلى الأفكار المنادية بإقامة مناطق آمنة أو عازلة أو إيجاد ممرات لتوصيل المساعدات.

 

•••

 

أما وقد استمر النظام السورى فى غيّه، ولجأ إلى أسلحة لا تستخدم إلا فى مواجهات الجيوش، وزاد عدد الشهداء عن العشرين ألفا، وأضعاف مضاعفة من هذه الأعداد سقطوا جرحى، واستمر سيل اللاجئين إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق، ووصل أعداد المهجرين والنازحين داخل سوريا نفسها إلى مئات الآلاف، لم يكن فى مقدور الجامعة أن تلتزم بالمواقف المحافظة التى نادت بها حتى الآن، وضمّنت قرارها الأخير عددا من الموقف والإجراءات تدشن مرحلة جديدة فى التعامل مع نظام الأسد.

 

تحدث القرار الجديد بصراحة عن «تقديم كل أنواع الدعم المطلوب للشعب السورى للدفاع عن نفسه». ووسائل الدفاع عن النفس كثيرة ومتعددة قد تصل إلى الإمداد بالسلاح أو إلى ما هو أدنى من ذلك والذى تسميه الولايات المتحدة بالمساعدات غير القتالية أو الفتّاكة مثل أجهزة الاتصالات المتطورة. على أية حال فالتقارير كلها تشير إلى أن عددا من الدول العربية تقدم السلاح بالفعل إلى المعارضة أو الجيش السورى الحر، ومثل هذا القرار الجديد من جانب الجامعة يعطى المسوّغ لهذه الدول للاستمرار فى تقديم المساعدات العسكرية.

 

ولجأت الجامعة فى قرارها الأخير إلى إحدى «المحرمات» الأخرى، والتى كانت تتفادها حتى الآن. دعت الجامعة إلى إنشاء مناطق آمنة لتوفير الحماية للمدنيين. كلنا تعلم بالطبع أن إقامة هذه المناطق يقتضى أولا التخلص من قواعد الصواريخ المضادة للطائرات والرادارات. إذن نحن نقترب بسرعة من السيناريو الليبى.

 

ثم دعا القرار إلى تشكيل حكومة سورية انتقالية. سيستتبع إنشاء مثل هذه الحكومة منطقيا اعتراف الدول العربية بها كممثل شرعى ووحيد للشعب السورى (وهو الأمر الذى تجنبه المجتمع الدولى حتى الآن فيما يتعلق بالمجلس الوطنى السورى). معنى ذلك بالطبع سحب البساط تماما من تحت أقدام حكم الأسد.

 

ومن الخطوات المهمة التى تنوى الجامعة اتخاذها وفقا للقرار الجديد الدعوة لعقد اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة تحت قرار تحت «قرار الاتحاد من أجل السلام»، وذلك لبحث الوضع المتدهور فى سوريا. لم تلجأ الجامعة إلى هذا الأسلوب إلا بعد أن تم استخدام الفيتو بشكل مزدوج، أى بواسطة كل من روسيا والصين، ولثلاث مرات متتالية، مما غلّ يد المجلس عن التعامل بفاعلية مع نظام الأسد وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. اللجوء إلى آلية الاتحاد من أجل السلم يعطى القرارات الصادرة نفس الصفة الإلزامية لقرارات مجلس الأمن. إذا أمكن عقد الجمعية العامة تحت هذه المظلة، فالأمل كبير أن يتضمن قرار الجمعية ما يضع حدا للمجازر المرتكبة من ناحية، ورسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة من ناحية الأخرى. من المتصور أن يتضمن القرار الأممى إنشاء قوات حفظ سلام من الدول الإسلامية والعربية لمساعدة الحكومة الانتقالية فى مهامها، ومن بينها ولا شك توفير الحماية للأقليات التى قد تتعرض إلى عمليات انتقامية، وكذلك التعامل مع الجماعات المسلحة التى قد لا تقبل طواعية الخضوع لسيطرة الحكومة الجديدة.

 

•••

 

آثرت عن أترك التعليق على ما جاء فى قرار الجامعة حول تنحى الأسد إلى قرب نهاية هذا المقال. القرار تضمن نداء للرئيس السورى للتنحى عن السلطة وتوفير خروج آمن له ولعائلته. أعتقد أن هذا الأمر بعيد المنال لسبب أساسى، وهو أن الأسد يؤمن بأنه يخوض معركة بقاء لطائفته العلوية. سيطرت الطائفة لعقود طويلة على كل المواقع الحساسة العسكرية والسياسية والاقتصادية. وتحملت الطوائف الأخرى وهى الأكثرية ما تحملت نتيجة هذا الوضع المحتمل، ثم جاءت الأحداث الأخيرة لتترك جراحا غائرة ليس من السهل أن تلتئم. وهناك مؤشرات أن نظام الأسد يعد نفسه لمثل هذا التطور إذا ما رجحت كفة الثوار. لذلك فهناك من يفكر داخل الطائفة العلوية لإعادة إحياء دولتهم التى أقامها الانتداب الفرنسى على سوريا والتى كانت تتمتع بالحكم الذاتى. لا أعتقد شخصيا أن الأمور يمكن أن تصل إلى هذا الحد، إذ إن الطائفة العلوية ليست كلها على قلب رجل واحد فيما يتعلق بالوقوف وراء بشار الأسد. إقامة مثل هذه الدولة ستكون على أنقاض وحدة وسلام الأراضى السورية ليحل محلها التفتت والتقسيم. مثل ذلك السيناريو المرعب يمكن أن يشكل سابقة خطيرة قد تكتوى بنارها دول عربية أخرى.

 

بقى أن أتعرض إلى الضجة المقامة حاليا حول الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التى هى فى حوزة النظام السورى. اعترف النظام السورى بتملكه لهذه الأسلحة ففتح على نفسه أبواب الجحيم. إسرائيل تهدد وأمريكا تزمجر. والواقع أنه من الضرورى أن نأخذ التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد. نعلم سوابق إسرائيل العدوانية على المفاعل النووى العراقى عام 1981 وكذلك على المفاعل النووى المزعوم فى سوريا عام 2007.

 

•••

 

خلافنا مع نظام الأسد لا يعنى بأية حال ألا نقف منذ الآن ضد أى مخططات إسرائيلية للتدخل فى سوريه بغرض تحييد هذه الأسلحة أو القضاء عليها. لذلك من الضرورى أن يتضمن أى مشروع قرار يقدم إلى الأمم المتحدة ويشير إلى موضوع السلاح الكيماوى السورى، تحذيرا قويا لإسرائيل بألا تحاول الاصطياد فى الماء العكر تحت أى ذريعة من الذرائع.

 

تحديات عدة علينا مجابهتها. ليس ذلك بالأمر الجديد، فمنذ متى والدول العربية بمنأى عن العواصف والأنواء؟

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات