الإنسان المصرى أو العربى بين الوجود والعدم - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان المصرى أو العربى بين الوجود والعدم

نشر فى : الجمعة 5 أبريل 2019 - 11:30 م | آخر تحديث : الجمعة 5 أبريل 2019 - 11:30 م


تتفق الأديان – بلا استثناء – على أن كل شىء فى هذه الحياة باطل وزائل، والذى يقرأ الكتب المقدسة يجد أن فكرة بطلان الحياة والأرض والسماء فكرة أساسية وجوهرية، وعندما نستمع إلى العظات من الميكروفونات نلاحظ أن الحديث عن الموت أكثر وأقوى من الحديث عن الحياة، وأن على الإنسان أن يعمل لآخرته كأنه يموت غدًا، وعلى الرغم من أن الجزء الأول لهذه الحكمة «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا»، فإن معظم الحديث عن الآخرة والانفعال البشرى عن الحديث عن الآخره أضعاف أضعاف التركيز عن حديث الحياة.
نحن نعيش فى العالم الثالث والذى يصر على أن الثبات أهم من الحركة والماضى أهم من الحاضر والمستقبل، وإذا كانت أدبياتنا تتمحور حول نهاية العالم، وفناء الحياة والزهد والتصوف، وإذا كان هكذا إذن فالنتيجة هى أن يصبح الوجود عدمًا، والحياة مرحلة مؤقتة للوصول للموت الدائم أو الفناء بلا نهاية. وهنا يأتى السؤال إن كانت أدياننا وأدبياتنا تنحو نحو الزهد والبطل والفناء بل عدم جدوى الحياة، فماذا تعنى كلمة الوجود بالنسبة لنا؟!
***
يقول رينيه ديكارت «إذا كنت أريد أن أظن أن كل شىء باطل، لابد بالضرورة من أن أكون أنا نفسى – الذى ظننت أصلًا بطلان كل شىء – موجودًا وغير باطل، وأنا حين ألاحظ هذه الحقيقة، إنما ألاحظها لأننى أكون قد فكرت فيها تمامًا. وبالتالى فأنا إذ أفكر يجب أن أكون موجودًا بالضرورة. ونلاحظ أن هذه الحقيقة هى لدىَّ من الرسوخ واليقين بحيث أن أشد افتراضات الشكاك تطرفًا تبدو عاجزة عن إبطالها. من هنا حكمت بأنى أستطيع أن أتقبلها من دون تردد كالمبدأ الأول للفلسفة، ذلك المبدأ الذى أبحث عنه. مبدأ أننى أفكر فأنا بالتالى موجود. هذه الفقرة يعتبرها المفكر الإنجليزى برتراند راسل الذى كرس صفحات كثيرة للفيلسوف الفرنسى ديكارت فى كتابه «عن الفلسفة الغربية» اعتبر هذه الفقرة التى انتزعها من كتاب ديكارت «مقال فى المنهج» هى لب نظرية ديكارت فى المعرفة، وتشمل أهم ما فى فلسفته، هذه العبارة بجانب عبارة سقراط «اعرف نفسك بنفسك»، أشهر ما عرفه تاريخ الفلسفة من مبادئ تخطت دوائر الفلسفة لتتخذ بُعدًا شعبيًا، ولأن هذا التخطى كان مقصودًا لتصبح العبارات الفلسفية الغامضة شعبية ومتداولة فإن ذلك لأنه كان يريد ويقصد نشر منهجه العقلانى القائم على الشك كمبدأ وأساس لنظرية المعرفة بين عامة البشر، وديكارت الذى وضع كتابه هذا بأسلوب السهل الممتنع الواضح وفق تعبير د. عبدالرحمن بدوى الذى قال عن كتاب «مقال فى المنهج» فى رسالته إلى واحد من اليسوعيين الذين كانوا من خصومة الكبار أنه «من السهولة بحيث يفهمه الجميع عدا النساء»، يرى عبدالرحمن بدوى فى موسوعته الفلسفية أن رينيه ديكارت استهدف فى تفكيره تحقيق ثلاثة أمور:
إيجاد عالم يقينى فيه اليقين بقدر ما فى العلوم الرياضية مع تطبيق هذا العلم اليقينى بحيث يتمكن الناس من أن يصيروا بمثابة سادة للطبيعة ومالكين لها وهذا يؤدى بنا إلى تحديد العلاقة بين هذا العلم اليقينى وبين «الموجود الأعلى» أى الله الخالق وذلك بإيجاد ميتافيزيقا (علم ما وراء الطبيعة يدرس جوهر الأشياء الوجود والصيرورة والكينونة والواقع) تتكفل بحل المشكلات القائمة بين الدين والعلم. ويفسر برتراند راسل فكر ديكارت بالقول إن الأنا التى أثبت وجودها ديكارت والتى من خلالها أكتشف أنى كائن أفكر، ومن ثم فأنا موجود بينما أفكر وموجود لأننى حين أفكر فقط أدرك أنى موجود من دون أدنى شك فإذا توقفت عن التفكير لن يكون هناك دليل على وجودى ولذلك فالكائن الذى يفكر هو المؤكد الوجود فهو الذى يفهم ويتصور ويؤكد ويفكر ويشك ويريد ويتخيل ويشعر.
هذه الثورة الفكرية اصطدمت بالطبع بالمؤسسة الدينية لأن المؤسسة الدينية كانت تحارب من يفكر. ويقول ديكارت إن الذى يحارب التفكير والاجتهاد لا يفكر سواء كان فردًا أو جماعة، والذى لا يفكر غير موجود، لا دليل على وجوده فإعادة الفكر القديم والتراث كما هو مع رفض التفكير فيه معناه أننا لا نفكر ومعنى أننا لا نفكر أننا غير موجودين، ولقد كان أكبر عدو لديكارت المؤسسة الدينية؛ لأنه بفلسفته هذه لم يعلن فقط أنه مختلف لكنه أعلن أيضًا أن من لا يفكر غير موجود أصلًا وهو إذ يحاول أن يثبت وجوده من التفكير الموروث الأصولى دون فهم أو تصور أو تشكيك أو إنكار أو تجديد أو خيال فهذا أيضًا غير موجود.. وقد كان ديكارت يخشى الاصطدام بمن لا يفكرون وخاصة المؤسسة الدينية وهذا الخوف هو الذى دفعه للصمت ولم ينشر معظم كتبه بعد أن ألفها مفضلًا عدم نشرها لا سيما كتابه «مبحث فى الإنسان» الذى قال فيه إن الأرض تدور، ثم حين أصدرت الكنيسة فتواها القاتلة ضد جاليليو الذى قال الشىء نفسه. امتنع عن نشره تمامًا.
***
والسؤال هل الأقلية التى تفكر (وهنا أتكلم عن أقلية دينية داخل أكثرية من نفس الدين أو عرقية من ذات العرق أو عنصرية من نفس العنصر) من هنا تعتبر هذه الأقلية موجودة وبالتالى هى التى تفكر لكن هذه الأقلية التى تفكر تجبن عادة أمام إدانة الآخرين لها وهم الأكثرية كأفراد ومؤسسات والتى لا تقبل أى فكر جديد وتلوك القديم وهى بحسب هذه النظرية لا تعتبر موجودة؟! لقد كان ما حدث لديكارت فى القرن السابع عشر وليس قبل ذلك لأنه ولد عام 1595 إلا أن المؤسسة الدينية التقليدية كانت ما زالت لها اليد العليا وهذا هو السبب المباشر على إحساس المفكرين بالخوف والرعب.
دعونا هنا نتعرف على مثل توضيحى لهذا الأمر أو هذه النظرية نظرية المعرفة والتفكير والوجود من عدمه نحن نعلم أن الصفر هو العدد الذى يرمز إلى اللا شيء وُيستخدم للدلالة على عدم القيمة، إن جاء على يمين الواحد ضاعفه أما إذا جاء على يساره فلا أثر له، حيث الواحد، فى هذه الحالة، يبقى واحدًا. وعلى المنوال ذاته تكون المعارف والعلوم والمؤهلات العلمية كلها إن جاءت بعد معرفة النفس يكون لها آثار سليمة ونتائج إيجابية وهنا يبدأ بالتفكير والشك فيما تعلمه والتحليل والوصول إلى نتائج، أما إذا تراكمت وتعاظمت المعرفة دون معرفة النفس تكون كما الصفر على الشمال، لأنها تغذى النرجسية وتقديس القديم، وبالتالى تقود إلى التكبر والابتعاد عن «الواقع» و«الحقيقة»، وللأسف هذا هو السائد فالسائد فى حضارتنا، احتقار معرفة النفس، ولمعرفتها من حيث المبدأ دروب قليلة منها التحليل النفسى ودرب التأمل وهذا الأخير أنجعها. وعن تلك النماذج الصفرية، آنفة الذكر، جاء فى الحكم الشعبية: «من يعرف يعرف ومن لا يعرف يقول عدس». فى حين أن البعض الآخر، خصوصًا إن كان من شريحة المثقفين، عندما لا يعرف يقول خاطرة أدبية أو شعرا يمجد القديم كما هو، لذلك لا عجب أن منابرنا الثقافية، بمعظمها، تطلق لقب الفيلسوف، على عدد من الكتاب والمفكرين، فى شكل اعتباطى وغير مفهوم، وما دام لدينا كل هؤلاء الفلاسفة فى عالمنا العربى فلماذا لم «نتقدم» و«نتطور» كما حصل فى الغرب وبالأساس أين آثار هذا الاشتغال الفلسفى فى العقل العربى الجمعي؟

أستاذ مقارنة الأديان

 

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات