إلى القرآن من جديد:
 (2) غياب القيم القرآنية - بــ أول الرحمة - جمال قطب - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 7:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى القرآن من جديد:
 (2) غياب القيم القرآنية - بــ أول الرحمة

نشر فى : الجمعة 7 أغسطس 2015 - 9:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 أغسطس 2015 - 9:47 ص

ــ1ــ

رغم ظهور «الرحمة» وهيمنتها على الخطاب القرآنى، فمازالت الرحمة غائبة من خطابنا الدعوى والتربوى والثقافى لدرجة أننا نجد بين الناس من يراجع أعمال «الناس» وكأنه آلت له حقوق الرقابة والضبط والإحضار ثم المحاكمة والتنفيذ. فكيف استدرج الشيطان هؤلاء الذين لم يكتفوا بمواقع أنصاف الآلهة التى استرقها الظلمة من الأزل وإلى الآن وباتساع مساحة العالم. فليس من الرحمة أن يقيم الإنسان نفسه رقيبا على ضمائر الناس ومفتشا على خبايا الناس ثم متجسسا وفاضحا وكاشفا لخصوصيات الناس. هؤلاء المتسلطون على خصوصيات الناس لم يرحموا أنفسهم أولا ثم بالغوا وولغوا فى أعراض الناس، فأين الرحمة؟!

ــ2ــ

قد تجلت الرحمة الإلهية فى إخفاء أسرار كل إنسان وضميره وحديث نفسه عن الآخرين، فهل اعتمد خطابنا الدعوى والتربوى ضرورة أن يرحم الإنسان نفسه فلا يشقيها بالتطلع إلى ما خفى عليه من شئون غيره؟ فخصوصيات الناس «حرمات» لابد وأن تصان بـ«رحمات» تبدأ برحمة الإنسان لنفسه فلا يقحمها فيما لا حق لها فيه. ومن الرحمة أيضا إذا وقع لك خبر بشىء من خصوصيات الناس، فلا تلتفت إليه، ولا تحرص على تدوينه فى ذاكرتك، ولا تنزلق فتنشره لغيره فتلك كلها آثام حرم الله ارتكابها، فالتجسس حرام ((..وَلَا تَجَسَسُوا))، ونقل الأخبار والمعلومات دون تبين وتوثيق كبيرة ((يَا أَيُهَا الَذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْما بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)). والتطلع إلى خصوصيات الآخرين بـ«الظن والتخمين» جريمة نهى الشرع عنها ((اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنَ الظَنِ إِنَ بَعْضَ الظَنِ إِثْمٌ)). وهذا الذى أشرنا إليه بعض ما يصيب به الإنسان نفسه فيوردها المهالك قبل أن يجرح غيره.

ــ3ــ

ومن رحمتك بنفسك ــ أيها الإنسان ــ أن تعلم قدر نفسك على حقيقتها دون إفراط أو تفريط، فلا تتصدى لأمور لا تحسنها ولا تقبل عملا لا تحقق فيه تمييزا، ولا تنشغل بما يعجزك عن أداء دورك الحياتى فتكون قد ظلمت نفسك، فهل من العقل أن يبادر الإنسان إلى الشفقة والرحمة بصديق قبل أن يبادر إلى أهله وذوى رحمه؟! فإذا فعلها يكون قد رحم الناس ولم يرحم نفسه.

ــ4ــ

ومن رحمتك لنفسك ــ أيها الإنسان ــ أن تواصل تنمية قدراتك ومهاراتك، فلا تتجمد عند المستوى الذى بدأت به حياتك الوظيفية، فتصبح كما متراكما مهملا لا يقدم ولا يؤخر، وتصبح عالة على غيرك لأنك لم تعط نفسك حقها من العلم والثقافة والتدريب لتبقى دائما شريكا لزملائك ولست تابعا.

ــ5ــ

ومن رحمتك بذاتك أن توجه اهتمامك إلى مكونات شخصيتك من الجسم والنفس والعقل، فكما توفى الجسم حقه من الطعام والشراب والثياب والسكن، لابد وأن توفى النفس حقها من الهدوء والتفكر والاطمئنان، كما تعطى العقل حقه من التزود العلمى والمنهجى.

ــ6ــ

ومن رحمتك بنفسك أن توازن بين مطالب ذاتك ومطالب عائلتك ومطالب مجتمعك ووطنك ومطالب أمتك ثم مطالب الإنسانية عامة. فكل منا لم يخلق نفسه وكذلك لم يخلق لنفسه. وإن من العار عليك أن تتمتع بجهود غيرك ولا ينال الآخرون من مجهوداتك شيئا. هكذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: «إن لبدنك عليك حقا، وإن لنفسك (قلبك وعقلك) عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لربك عليك حقا، فأعط كل ذى حق حقه».

ــ7ــ

فإذا قرأت عن الرحمة واستمعنت، فلا تتوقف عند رحمة الكبير بالصغير ورحمة الغنى بالفقير، بل ابدأ برحمة نفسك لنفسك، فلا تحملها ما لا تطيق ولا تظلمها بعدم قيامها بما تكلفت به، فالراحمون يرحمهم الرحمن.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات