الولايات المتحدة والشرق الأوسط.. استفاقة أمريكية متأخرة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الولايات المتحدة والشرق الأوسط.. استفاقة أمريكية متأخرة

نشر فى : الجمعة 8 يوليه 2022 - 6:35 م | آخر تحديث : الجمعة 8 يوليه 2022 - 6:35 م
أجبرت الحرب الروسية على أوكرانيا إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن على التوقف عن تجاهل الشرق الأوسط والعودة إلى الاهتمام الحقيقى بمصالح وأمن حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة.
فإدارة بايدن كانت قد جاءت إلى البيت الأبيض ومسئوليها يتحدثون صراحة عن ضرورة الحد من التورط الأمريكى فى صراعات الشرق الأوسط، والامتناع عن إرسال قوات عسكرية جديدة إليه، بعد أن أخرجت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما المارينز من العراق وسحبتهم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من سوريا.
فى عامها الأول (٢٠٢١)، لم يكن لإدارة بايدن من أولوية استراتيجية فى منطقتنا سوى إحياء الاتفاق النووى مع إيران لإبعاد خطر امتلاكها للسلاح النووى على الرغم من الرفض الإسرائيلى والتخوف الخليجى من عودة واشنطن إلى التفاوض مع الجمهورية الإسلامية.
أما المصالح الأمريكية الأخرى وهى ضمان تدفق إمدادات النفط والغاز الطبيعى والحفاظ على حد أدنى من الأمن الإقليمى والحرب على الإرهاب، فاعتبر فريق الشرق الأوسط فى البيت الأبيض ووزارة الخارجية أن تحالفات الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون الخليجى من جهة ومع مصر والعراق وإسرائيل والأردن من جهة أخرى، كافية لصون تلك المصالح. ولم تنتبه الإدارة لا إلى تنامى شكوك الخليج فى جدية تعهدات الولايات المتحدة الأمنية خاصة مع الموقف السلبى (موقف المتفرج) الذى تعاملت به واشنطن مع تعرض السعودية والإمارات لهجمات الحوثيين حلفاء إيران، ولا إلى توتر علاقتها مع إسرائيل على خلفية العودة إلى التفاوض مع طهران، ولا مع مصر والعراق والأردن بسبب محدودية الاهتمام الأمريكى.
• • •
لم تكن سياسة الاهتمام المحدود بالشرق الأوسط التى طغت على العام الأول لبايدن بشديدة الاختلاف عن مجمل تعامل إداراتى أوباما (٢٠٠٨ــ٢٠١٦) وترامب (٢٠١٦ــ٢٠٢٠) مع منطقتنا التى بدت واشنطن بحزبيها الجمهورى والديمقراطى ومراكز أبحاثها والدوائر الإعلامية المؤثرة بها، وكأنها تتناسى أهميتها الاستراتيجية ولا ترى بها سوى صراعات متكررة لا تنتهى وغير قابلة للحل. الإرهاق أو السأم من الشرق الأوسط كان شعار السنوات الماضية فى الدوائر السياسية الأمريكية التى وجهت فكرها وطاقتها إما إلى مناطق أخرى مثل آسيا والمحيط الهادى اقتصاديا وسياسيا، وإلى إفريقيا تنمويا أو إلى قضايا مستقبلية كالتغير المناخى والتنافس التكنولوجى والعلمى والعسكرى مع الصين.
غير أن سياسة الاهتمام المحدود بالشرق الأوسط تناقضت بصورة حادة مع ماضى الدور الأمريكى، خاصة فى السنوات التى تلت انهيار الاتحاد السوفييتى فى تسعينيات القرن العشرين وصعود الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة. فقد أراد الأمريكيون الهيمنة بمفردهم على الشرق الأوسط، وخاضوا فى سبيل ذلك حروبا عديدة بدأت مع حرب تحرير الكويت ١٩٩١، وتواصلت مع غزو واحتلال العراق ٢٠٠٣ والحرب على الإرهاب فى اليمن منذ ٢٠٠٥، وانتهت بالتدخل العسكرى فى ليبيا 2011، والعمليات العسكرية المتتالية فى العراق وسوريا حتى ٢٠٢٠.
كان لحروب واشنطن فى منطقتنا عنوان استراتيجى كبير وهو التأسيس لشرق أوسط ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتى وانتهاء الحرب الباردة وفرض السلام والأمن الأمريكيين على المنطقة. غير أن حروب واشنطن الشرق أوسطية استنزفت، من جهة، موارد عسكرية واقتصادية ومالية وبشرية هائلة، ولم تحقق، من جهة أخرى، وعود الأمن والاستقرار والرخاء التى قدمتها الولايات المتحدة لحلفائها لضمان تعاونهم واستخدمتها فى الداخل الأمريكى لتبرير الموارد المهدرة فى الحروب والتدخلات العسكرية.
وكانت النتيجة الحتمية الوحيدة لتلك الحسابات الخاطئة هى التراجع عنها، خاصة مع انقلاب الرأى العام الأمريكى على الحروب ووصول رؤساء إلى البيت الأبيض بقرارات انسحاب معلنة مثل أوباما الذى قرر الانسحاب من العراق، وترامب الذى قرر إخراج القوات الأمريكية من سوريا، وبايدن الذى كان من بين وعود حملته الانتخابية الانسحاب من أفغانستان.
• • •
سياسة الاهتمام المحدود بالشرق الأوسط هى، إذا، حصيلة التدخل الواسع للولايات المتحدة التى بحثت عن الهيمنة الانفرادية دون منافس، ثم قررت التراجع والانسحاب حين ثبت خطأ حساباتها. غير أن واشنطن عادت وكررت الخطأ، وهى تنسحب دون قراءة استراتيجية واضحة لما سيصبح عليه حال المنطقة وحال تحالفاتها.
خرجت القوات الأمريكية من العراق على نحو غير منظم وتركتها فريسة للنفوذ الإيرانى وخلفت حياة سياسية مشوهة ومؤسسات دولة ضعيفة عاجزة عن ضمان الأمن والاستقرار. تراجعت الولايات المتحدة فى عموم المنطقة وتركت النفوذ الإيرانى يتنامى فيما وراء العراق، فى سوريا ولبنان واليمن، وأشعرت حلفاءها فى الخليج بعدم استعدادها لحماية أمنهم فى مواجهة هجمات القوى التابعة لطهران. رعت إدارة ترامب توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب، دون أن تولى هى أو الإدارة الحالية بحل جوهر الصراع فى الشرق الأوسط، قضية فلسطين. روجت واشنطن للسأم من الشرق الأوسط ولرغبتها فى توجيه مواردها لمناطق أخرى، وتوقعت على الرغم من ذلك أن يتواصل صون مصالحها المتمثلة فى تأمين إمدادات الطاقة وقيادتها لمنظومة الأمن الإقليمى ومكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل دون أن يتساءل صناع القرار الأمريكيين عما إذا كان الحلفاء فى الخليج ومصر والعراق والأردن وإسرائيل سيلتزمون بمسئولياتهم تجاه القوى العظمى عندما تتراجع الأخيرة وتبتعد عن الوفاء بتعهداتها.
ثم كان أن نشبت الحرب الروسية على أوكرانيا واستفاقت إدارة بايدن على شرق أوسط مغاير لتوقعاتها. لم تأت الإدانة القاطعة للعدوان الروسى من قبل الحلفاء العرب وإسرائيل، ولم تستجب حكومات المنطقة للطلب الأمريكى والأوروبى للمشاركة فى تطبيق العقوبات الغربية على روسيا، ورفضت دول الخليج زيادة معدلات إنتاجها النفطى وإنتاجها من الغاز الطبيعى للسيطرة على الارتفاع العالمى لأسعار الطاقة. بل إن الولايات المتحدة استفاقت على شرق أوسط صار به لروسيا علاقات تعاون عسكرى واقتصادى وتجارى متطورة مع بلدان مؤثرة إقليميا كالسعودية ومصر والإمارات والجزائر، ولم يعد دورها بمقصور على سوريا وليبيا. وأصبح به للصين أكثر من موطئ قدم يترجم استراتيجيا وسياسيا دورها الاقتصادى والتجارى والتكنولوجى الكبير (الصين هى الشريك التجارى الأكبر لمجلس التعاون الخليجى).
• • •
استفاقت واشنطن على شرق أوسط صار به نفوذ روسى صريح ودور صينى مرشح مستقبلا لتقديم بديل للولايات المتحدة، حتى وإن استمر اليوم على تحفظه المعهود.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات