فضائح «باندورا»! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فضائح «باندورا»!

نشر فى : الجمعة 8 أكتوبر 2021 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 8 أكتوبر 2021 - 9:25 م

 

المعلومات التى كشف عنها تحقيق الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، والذى اتهم ملوكا ورؤساء ورؤساء حكومات وسياسيين ــ بينهم عرب ــ بإخفاء أصول فى شركات «أوفشور» بهدف التهرب الضريبى، تمثل فضيحة مدوية للكثيرين من مدعى الفضيلة وطهارة اليد ومحاربة الفساد، والذين يطالبون شعوبهم ليلا ونهارا بالتقشف والصبر على الفقر، بينما هم يكدسون الثروات الطائلة فى الملاذات الضريبية الآمنة!
التحقيق الذى نشرت نتائجه الأسبوع الماضى، وشارك فيه نحو 600 صحفى من مختلف أنحاء العالم، سمى «وثائق باندورا» فى إشارة إلى صندوق باندورا الذى يحوى ــ طبقا للأسطورة الإغريقية القديمة ــ كل شرور البشرية، مثل الفساد والجشع والغرور والافتراء والكذب والحسد والوقاحة.
صحيح أن العديد من القادة والسياسيين الذين وردت أسماؤهم فى التحقيق، سارعوا إلى رفض ما جاء فيه من اتهامات، واعتبروها حديثا مرسلا يجانبه الصواب والدقة، ويحوى معلومات مغلوطة ومضللة، تندرج فى إطار تشويه الصورة المتعمد، إلا أن هذا النفى لم يقنع الكثيرين الذين يروا بأم أعينهم، لا سيما فى الدول الفقيرة، ذلك الترف والسفه والبذخ والرفاهية، التى تعيش فيها الطبقات الحاكمة والمقربون منها، والتى لا تتناسب مطلقا مع أوضاع بلادهم الاقتصادية الصعبة، وطلبها المستمر للقروض، وحجم الديون المتراكمة عليها، وقيام حكوماتهم يوميا بفرض المزيد من الضرائب ورفع أسعار جميع الخدمات، وتحررها من مسئولياتها الاقتصادية والاجتماعية تحت مبرر «عدم وجود ما يكفى من موارد لتلبيتها»!
فى تقديرى أن أخطر ما فجّرته فضائح «وثائق باندورا»، ليس الكشف عن العقارات التى أقدم بعض القادة على شرائها من خلال شركات «الأوفشور»، أو حجم استثماراتهم المقدرة بمليارات الدولارات والتى يتم إخفاؤها فى الملاذات الضريبية الآمنة، ولكن فى أنها تعيد طرح ذلك السؤال المهم، عن الأسباب والدوافع الحقيقية، التى تجعل كبار المسئولين يسلكون طريق الفساد.
بالتأكيد الفساد لا يقتصر على فئة بعينها فى المجتمع، وإنما يستشرى بين جميع الفئات والطبقات، لكن الدهشة من «فساد المسئولين الكبار»، تنبع من تلك الصورة الذهنية السائدة لدى كثيرين، وفحواها أن الوضع الاقتصادى والاجتماعى والثقافى لهم، ربما يكون مانعا أو حائلا مفترضا من انزلاقهم إلى مهاوى الانحراف والفساد التى يقع فيها الصغار، بدافع الحاجة أو العوز أو لقلة الوعى الثقافى، رغم أن هذا الأمر غير مبرر على الإطلاق.
هناك أسباب كثيرة تفسر ظاهرة «فساد الكبار»، أهمها على الإطلاق ضرب عرض الحائط بالقانون، والتلاعب الواضح بالدستور، واعتباره مجرد «حزمة ورق» بلا قيمة ولا قدسية لها، الأمر الذى يرسخ لدى بعضهم اعتقادا خاطئا بأن فى إمكانهم القيام بأى شىء حتى لو كان ذلك مخالفا ومجرَّما بالقانون.
كذلك تعتبر السلطات والصلاحيات الهائلة الممنوحة لهؤلاء القادة والمسئولين ــ خصوصا فى دول العالم الثالث ــ بلا رقيب أو حساب، سببا رئيسيا فى فساد بعضهم، حيث يشعرون خلال توليهم مهام مناصبهم أنهم «الحاكم بأمره»، وأن ثروات البلاد أصبحت فى أيديهم فقط، ومن حقهم التصرف فيها كيفما شاءوا، وليس للشعوب حق الاعتراض أو حتى التعبير عن غضبها.
أيضا غياب قواعد الشفافية والنزاهة وعدم توافر المعلومات التى تتعلق بالسياسات والنظم والقوانين والقرارات واللوائح المنظمة لقواعد العمل فى بعض البلدان، تفتح الباب على مصراعيه أمام البعض من المسئولين سواء أكانوا كبارا أم صغارا إلى استغلال مناصبهم فى التربح والفساد.
لن تنتهى قريبا ظاهرة فساد الكبار خصوصا فى دول العالم الثالث، وسوف تطل علينا بين وقت وآخر، فضائح جديدة لـ«صندوق باندورا»، إذا لم يتم حسم الكثير من الأمور، أهمها إيجاد طرق قانونية واضحة تمكن الشعوب من محاسبة الشخصيات السياسية والمسئولين على ثرواتهم أثناء توليهم مناصبهم، وتحقيق الفصل التام بين المال العام والخاص، وإجبار القادة والمسئولين على الإفصاح عن تفاصيل كل ممتلكاتهم كل عام بشكل شفاف وواضح، إضافة إلى وضع قواعد واضحة تمنع وجود استثناءات لهم، حتى يشعر الناس بأنهم سواسية أمام القانون، الذى يستطيع وحده ــ إذا ما تم تطبيقه حرفيا ــ تحقيق العدالة بين جميع المواطنين.

التعليقات