تسريب «بياع الخواتم» - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسريب «بياع الخواتم»

نشر فى : الإثنين 9 يناير 2017 - 10:25 م | آخر تحديث : الإثنين 9 يناير 2017 - 10:25 م
فى التحفة الغنائية التى أخرجها منتصف الستينيات من القرن الماضى المخرج المبدع يوسف شاهين، وبطولة السيدة فيروز والراحل نصرى شمس الدين، يضعنا فيلم «بياع الخواتم» فى ليلة احتفالية بعيد «العزاب»، الذى يتيح للشباب المقبل على الزواج التعرف على رفيقة دربه المنتظرة، وفيما الناس مشغولون بالرقص والغناء، والترويح عن النفس، يستغل اللصوص الوضع فى تنفيذ جرائم بحق الضيعة «القرية» الوادعة.

المشهد الذى قدمه شاهين للصوص فى لحظة سرقة الماعز من أحد منازل القرية، ربما يتخطى كونه مشهدا عابرا فى فيلم، إذ لخص فكرة جوهرية مفادها أن انشغال الناس بما يمكن أن يستحوذ على اهتمامهم هو الوقت الأفضل لارتكاب الجرائم الأشد خطر، والأكثر ضررا بالمجتمع.

هذه الفكرة لا تزال حكوماتنا تستخدمها لتمرير سياسات، وقرارات تحت غطاء من إلهاء الناس بسفاسف الأمور، تارة بمباراة فى كرة القدم، أو معركة وهمية بين النجم الفلانى، والسياسى العلانى، أو حتى اللجوء إلى عالم الجريمة والنفخ فى تفاصيل وقائعها حتى بالأكاذيب، وصولا لاستغلال الاحتفال بالأعياد الدينية أو القومية، المهم شغل الناس عما يمكن عمله فى الخفاء، فلا يتم كشفه إلا بعد أن يصبح أمرا واقعا يصعب تغييره.

هكذا أفهم التسريبات الأخيرة التى جرى بثها والتى يتحدث فيها نائب رئيس الجمهورية السابق محمد البرادعى مع شقيقه، وعدد من الشخصيات، وطالت بالقدح بعض الاسماء السياسية المشهورة التى جرى وصفها على لسان البرادعى بكلمات لا تليق.

البرادعى الذى بات ورقة سياسية محروقة منذ فترة، ليس لكونه معارضا للنظام جرت شيطنته باللجان الإلكترونية والابواق الإعلامية، ولكن لأنه فر من الميدان ولم يثبت فى معركة الدفاع عن وجهة نظره التى قد يرى بعض انصاره أنها ضرورية فى مواجهة سياسات تتغول على الحقوق والحريات، وبما يقضى على الآمال العريضة والأحلام التى لهجت بها الأصوات فى ثورتى 25 يناير، و30 يونيو.

ورغم أن التسريب الذى جرى بثه بالتزامن مع حديث للبرادعى مع احدى المحطات التليفزيونية تحت عنوان «فى رواية أخرى»، عما يعانيه العالم العربى ومصر من مشكلات فى اللحظة، بدا وكأنه رد على حديث البرادعى ومحاولة «فضحه»، والوقيعة بينه وبين«رفاقه السابقين»، إلا أنه استمرار لنهج «بياع الخواتم» فى استغلال انشغال الناس لتمرير الجرائم.

لا يمكن أن نفصل «تسريبات البرادعى» عن محاولة لفت الأنظار بعيدا عن معركة الدفاع عن مصرية جزيرتى تيران وصنافير، كما أنه لا يمكن لعاقل أن يعتبر تلك التسريبات أهم وأخطر، من انشغال الإعلام والرأى العام بقضية رفع الأسعار المتوالية، و«الخناقة» الدائرة حاليا على زيادة سعر الدواء، وترك المرضى تحت رحمة من يتاجرون بآلام الناس وبأمراضهم المزمنة، من أجل تحقيق المزيد من الأرباح ولوعلى جثث الفقراء من ابناء هذا الشعب المطحون.

المصرى الذى يتعرض ليل نهار لضغوط تدبير لقمة العيش، وتعليم الأبناء بالمدارس الخاصة ومراكز دروس «الربح الحرام»، والشباب الذى يبحث عن فرصة عمل نادرة، لا يمكن أن تكون قضيتهم ما قاله فلان بحق فلان، ولا تسريبات هى جريمة تنصت لمسربيها يستحقون المحاكمة عليها، قبل أن تكون إهانة للأطراف التى تتناولها.

الفساد ينخر فى جسد هذا البلد، والفسدة يتحلقون حول الفريسة كما الضباع محاولين نهش ما يمكنهم الحصول عليه من «بقرة حاحة النطاحة»، على رأى شاعر الفقراء أحمد فؤاد نجم، والأولى أن ينشغل الجميع بالمعركة مع الفساد، و هجر الطرق الالتفافية التى يجرنا إليها إعلاميو «التطبيل» للأحباب، و«فرش الملاءة» للخصوم.
مصر تستحق منا أن ننتبه للتحديات الحقيقة، قبل أن ندخل التيه، ونخرج من التاريخ، وساعتها سيولى من كانوا السبب الأدبار.

 

التعليقات