هستيريا تجتاح إسرائيل - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 3:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هستيريا تجتاح إسرائيل

نشر فى : السبت 12 فبراير 2011 - 10:51 ص | آخر تحديث : السبت 12 فبراير 2011 - 10:51 ص

 حالة واضحة من الهستيريا تجتاح إسرائيل منذ بدء الأحداث الأخيرة فى مصر. بدأ قادة إسرائيل بالزهو والتفاخر بديمقراطية إسرائيل الفريدة من نوعها، وبمدى الاستقرار الذى تنعم به بلدهم، بينما تفتقر الدول العربية المحيطة بها إلى مثل هذه الديمقراطية، كما يتهددها عدم الاستقرار.

إسرائيل إذن واحة خضراء وسط صحراء سياسية جدباء. وانتهزت إسرائيل الفرصة للتنصل من أية اتهامات كانت توجه إليها فى السابق على أنها مسئولة عن إشاعة عدم الاستقرار فى المنطقة بتصرفاتها وممارساتها وتعنتها، بالقول إن الأحداث الأخيرة إنما ترجع إلى أسباب داخلية منقطعة الصلة بما يجرى فى المحيط الخارجى.

ثم تمادت إسرائيل فى الحديث عن مستقبل علاقاتها بمصر، متشككة فى مدى احترام الأخيرة لمعاهدة السلام بين البلدين. ثم أجرت عملية إسقاط على المستقبل بالادعاء أنه لا يمكن لإسرائيل أن تطمئن إلى أى اتفاق سلام قد يتم التوصل إليه مستقبلا مع الفلسطينيين أو غيرهم. بمعنى آخر فإن ملفات التسوية لابد أن تغلق وتوضع على الرف.

وبلغ الشطط مداه عندما قالت إسرائيل إنه إذا تولى التيار الإسلامى فى مصر زمام الأمور، فإن طوق التطرف الإسلامى سيُحَكِم حلقاته من حول إسرائيل. أى من إيران شرقا، إلى حزب الله شمالا، إلى حماس غربا، ثم إلى مصر جنوبا. وانطلقت أصوات داخل إسرائيل تدعى بأن مصر لم يعد يؤمن لها جانب، وعلى إسرائيل إذن أن تزيد من تواجدها العسكرى على الحدود مع مصر. هذا على المدى القصير، أما على المدى الطويل فعليها أن تضاعف من إنفاقها العسكرى وزيادة تعداد جيشها.

ثم وصل الحد بالبعض إلى المطالبة باحتلال ممر فيلادلفى على الحدود المصرية مع قطاع غزة.

ولم تنته القصة عند ذلك الحد، إذ إن توقع البعض فى إسرائيل إمكانية إغلاق مضايق تيران فى وجه الملاحة الإسرائيلية مثلما حدث عام 1967، وذهب البعض إلى القول بإمكان تعطل الملاحة فى قناة السويس، وإذا بنتنياهو يقترح على المستشارة الألمانية ميركل إقامة خط سكة حديد يربط إيلات على البحر الأحمر، باسدود على البحر الأبيض، لنقل البضائع «إذا ما أغلقت القناة أو تعطلت الملاحة بها»، وفقا لما نسب إليه من تصريحات.

إذن نحن أمام هوس لا أول له ولا آخر، تحاول إسرائيل وسط ضجيجه أن تبث الرعب فى دول العالم، محاولة استعادة تعاطفه معها بعد أن أصبحت فى شبه عزلة دولية بسبب تصرفاتها فى البر والبحر والجو.

غير أن هذا يقودنا على الفور إلى ضرورة التيقظ لما تضمره لنا إسرائيل وكيف تتربص من أجل الانقضاض على أجزاء من أراضينا إذا وجدت إلى ذلك سبيلا.

غير أن كل هذه الأقاويل الإسرائيلية مردود عليها. فإسرائيل هى آخر دولة يمكنها أن تتمسح بعباءة الديمقراطية، وهى المنكبة على أعمال إجرامية ليس ضد الشعب الفلسطينى فحسب، بل ضد مواطنيها من عرب إسرائيل الذين تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية وتسعى إلى التخلص منهم عن طريق عملية تطهير عرقى مستجد.

والكلام عن تخلى مصر عن معاهدة السلام كلام عبثى، فمصر لا تخل بالتزاماتها الدولية لا سابقا ولا لاحقا.

مصر تحترم الالتزامات وتتقيد بها. وأحب هنا أن أذكّر بأن معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل فى 26 مارس 1979 تم التصديق عليها من قبل مجلس الشعب المصرى فى 10 أبريل 1979، وتم إقرارها فى استفتاء شعبى عام جرى فى 19 أبريل من نفس العام. وقامت مصر بإيداع المعاهدة كوثيقة لدى الأمم المتحدة.

أما الحديث عن إغلاق مضايق تيران أو قناة السويس فأقل ما يوصف به أنه حديث مشبوه لا تخفى أهدافه ومقاصده على أحد.

أثبتت الأحداث فى مصر مدى ما يتحلى به شعبها، شبابه وشيوخه، من وعى وإحساس بالمسئولية، ويكفى ذلك ردا على كل الادعاءات والافتراءات الإسرائيلية.
غير أن هناك أمرا أعتقد أنه من المهم أن أتعرض إليه فى الظروف الحاضرة، وهو الخاص بترتيبات الأمن التى تم الإنفاق عليها بين مصر وإسرائيل فى معاهدة السلام.

هذه الترتيبات بنص المعاهدة هى ترتيبات متبادلة وتستهدف توفير الحد الأقصى من الأمن للطرفين. حرص الجانب المصرى فى مفاوضات المعاهدة على أن تكون هذه الترتيبات قابلة لإعادة النظر والتعديل، لذلك نصت المعاهدة فى مادتها الرابعة على أنه «يتم بناء على طلب أحد الطرفين، إعادة النظر فى ترتيبات الأمن المنصوص عليها فى المعاهدة وتعديلها باتفاق الطرفين».

وأعتقد أنه آن الأوان وبعد مرور 32 عاما على توقيع المعاهدة أن نعيد النظر فى بعض ترتيبات الأمن هذه، إذ لم تعد تتناسب مع التطورات التى جرت منذ ذلك التاريخ وبصفة خاصة الإمكانيات الهائلة التى تتمتع بها العناصر الإرهابية التى تهدد أمننا القومى، بل وهددته بالفعل فى السابق فى طابا ونويبع وشرم الشيخ، وربما فى جزء من المنطقة التى يمتد فيها خط نقل الغاز إلى الأردن، إذا ما ثبت أن التفجير الأخير كان بناء على عمل إرهابى.

لابد أن يكون لمصر فى المنطقة المتاخمة للحدود الدولية وجود عسكرى رادع ويستطيع التعامل مع أية أخطار أو تهديدات. مثل هذه التعديلات فى بعض ترتيبات الأمن على منطقة الحدود تتم بالاتفاق وليس بقرار منفرد، وهناك سوابق تمت فى هذا الشأن عندما قامت مصر بنشر 750 جنديا من حرس الحدود على طول ممر فيلادلفى عام 2005، وأخيرا أشارت الأنباء إلى الاتفاق على دخول كتيبتين عسكريتين مصريتين إلى نقاط على الحدود الدولية.

وأود العودة إلى ما تحاول إسرائيل إيهام العالم به، من أنه لم يعد فى مقدورها الثقة فى «صمود» أية اتفاقات تتوصل إليها مستقبلا مع العرب. ويكفينى ردا على هذه المراوغات ما ذكره المعلق الأمريكى المعروف توماس فريدمان فى صحيفة النيويورك تايمز يوم أول فبراير، بأن مثل هذه الأقوال الإسرائيلية هى أقوال خاطئة تماما بل وخطيرة، ويضيف بأن تعلل نتنياهو بمثل هذه الأعذار والتبريرات للتهرب من تقديم خطة للسلام مع الفلسطينيين، وتمادى إسرائيل فى أطماعها والتضخيم من تخوفاتها غير المبررة سيفقدها فى نهاية الأمر كل صوت يتسم بالاعتدال.

لاشك أننا أمام لحظة فارقة داخليا وخارجيا، وبقدر حرصنا على سلامة جبهتنا الداخلية وتماسكها، يكون حرصنا على تحسّب ما يمكن أن تتعرض له أراضينا من أخطار خارجية أو أطماع ثأرية.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات