أمريكا.. أمة عظيمة أم شيطان كبير؟ - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 3:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا.. أمة عظيمة أم شيطان كبير؟

نشر فى : الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 9:25 ص

 قبل انتهاء فترة خدمة دبلوماسى مرموق بالسفارة المصرية بواشنطن منتصف العام الماضى، سألته عن رؤيته لأمريكا وخبرة السنوات الأربع التى عاشها فى عاصمتها. وانتهت إجابته إلى خلاصة مفادها «إذا كانت مصر حقا هى أم الدنيا.. فأمريكا هى الدنيا ذاتها!». ورغم معارضة الدبلوماسى المصرى شكلا ومضمونا للسياسات الخارجية الأمريكية فى منطقتنا العربية، وعدم رضائه عن الكثير من السياسات الداخلية الأمريكية، وتمنيه أن يخدم لاحقا كسفير لمصر فى «جمهورية كاليفورنيا» حالما بانهيار الولايات المتحدة كما نعرفها الآن، وتفككها لدول صغيرة، إلا أن إعجابه وفهمه لما يمكن أن نطلق عليه «الحيوية والديناميكية الأمريكية» لم يكن محل شك. وضاعف من إعجاب الدبلوماسى الشاب بالحدوتة الأمريكية وصول مواطن أسود شاب له جذور مسلمة لمقعد رئاسة الولايات المتحدة قبل عودته للقاهرة بشهور قليلة.

ورغم تمتع الولايات المتحدة بتاريخ قصير جدا طبقا لمعايير عمر الأمم والدول حيث لا يتعدى 234 عاما، فإنه لا توجد دولة تحبها كثيرا أو تكرهها بشدة شعوب العالم مثل الولايات الأمريكية.

وتعتقد المدرسة الفكرية الأمريكية أن «أمريكا» الفكرة والحدوتة، عظيمة بطبيعتها. وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون فى كلمة لها أمام مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن الشهر الماضى عندما قالت إن «العالم ينتظر من الولايات المتحدة أن تقود العالم وأن تحل مشكلاته، لذا فعليها أن تمهد الطريق لقيادة العالم فى العقود المقبلة»، وأكدت أن حل مشكلات العالم يتطلب مؤهلات وإمكانيات ودور «تستطيع أمريكا فقط أن تقوم به». وبعد ذلك قال باراك أوباما إن كل دول العالم تشعر بالغيرة، وتتمنى أن تكون فى مكانة وقوة أمريكا!.

ويمكن للمتابع للشأن الأمريكى أن يحلل سلوكيات الولايات المتحدة، ويراها رمزا لقوى الشر المطلق، وقوة عظمى على شفا الانهيار، إلا أنه يمكن أيضا أن يراها كأمة عظيمة لو تناول أدوات تحليلية مختلفة.

يمكن أن تتمثل لنا أمريكا كشيطان كبير، وذلك ليس فقط بسبب استمرار احتلالها لأفغانستان والعراق، ودعمها المطلق لإسرائيل فقط، بل بسبب الفشل الأمريكى فيما يتعلق بأسلوب الحكم، فمع أن الأمريكيين يفخرون دائما بديمقراطية بلادهم ورغم أنها حقا تعتبر أنجح الديمقراطيات فى العالم، إلا أنها تتمتع أيضا بنظام سياسى قد يكون الأكثر فسادا فى العالم. والسبب وراء عدم إدراك معظم الأمريكيين لهذه الحقيقة هو أن الفساد هنا يكتسب الصفة القانونية. فرغم أن الأمريكيين يؤمنون بأن حكومتهم «حكومة الشعب ومن الشعب ولأجل الشعب»، فإن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك، فهى تبدو «حكومة الشعب من جماعات المصالح ولأجل مصالح هذه الجماعات»، وقد أنفقت جماعات المصالح الأمريكية العام الماضى ما يقرب من 4 مليارات دولار على جيش من اللوبى بلغ عددهم 13 ألف شخص يعملون فى واشنطن فقط، من أجل التأثير فى صنع السياسات الأمريكية المختلفة. لذا ليس من المستغرب أن تبلغ نسبة ثقة الشعب الأمريكى فى مؤسسة الكونجرس 12% فى استطلاع جرى منذ شهرين، فى حين يوافق فقط 46% من الشعب الأمريكى على الطريقة التى يدير بها باراك أوباما حكمه. ولهذا السبب لا يذهب نصف الشعب الأمريكى لصناديق الاقتراع ويفضلون قضاء يوم عادى بسبب عدم إيمانهم بوجود فروق حقيقية تذكر بين الحزبين فى القضايا العامة المهمة.

ويمكن النظر لأمريكا كشيطان كبير عندما ننظر إلى سجل ملفات التعذيب والسجون السرية ونقل المعتقلين منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر، ورغم أن نص التعديلين الخامس والسادس من وثيقة الحقوق التى تعتبر جزءا أساسيا من الدستور الأمريكى تقضى بعدم قانونية احتجاز أى شخص للاستجواب حول أى جريمة كبرى أو جريمة شائنة إلا بتقديم أو توجيه اتهام من هيئة المحلفين العليا، إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية (باراك أوباما) ومن قبلها الإدارة السابقة (جورج بوش) تقوم بهذه الممارسات ويبررونها بكونها تمثل مصلحة للمصالح الأمريكية.

ويمكن النظر لأمريكا كشيطان كبير بالنظر إلى حجم مشكلة السجون فيها. ولتسليط الضوء على حجم مشكلة السجون هنا نشير إلى أن الولايات المتحدة تشكل 5% فقط من سكان العالم، لكن لديها 25% من كل سجناء العالم، بإجمالى 2.3 مليون مسجون، وهذا العدد أكثر كثيرا من مثيله فى الصين ذات 1.5 مليار نسمة، فى حين يبلغ عدد سكان أمريكيا 310 ملايين نسمة.

إلا أنه يمكن النظر أيضا إلى أمريكا كأمة عظيمة تهتم بجذب أفضل العقول فى العالم من أجل الدراسة فى برامج الدراسات العليا بجامعاتها. ويمثل الطلبة الصينيون والهنود والروس العدد الأكبر من طلاب درجة الدكتوراه فى معظم برامج الهندسة والتكنولوجيا بالجامعات الأمريكية. ودائما ما تنظر الولايات المتحدة إلى المستقبل، وتقوم بمحاولات لتطبيق أحدث صيحات التكنولوجيا التى يستفاد منها عالميا فيما بعد، وشبكة الانترنت هى أكبر مثال على ذلك.

ولا تنافس الولايات المتحدة أمة أخرى فى مجال توفير الفرص الإبداعية من قبل مواطنيها القادرين والمرموقين، وقد أسس رجال أمريكيون أغنياء أعظم جامعات العالم ومؤسساته الفكرية والعلمية (هارفارد)، (ستانفورد)، (ييل)، (جونز هابكينز)، (راند)، (فورد)، (روكفلير)، (فولبرايت) و(كارنيجى). أما (بيل جيتس) فقد تبرع بأكثر من 24 مليار دولار لصالح أبحاث الإيدز فقط. ويوجد بالولايات المتحدة أفضل مستشفيات فى العالم (كليفلاند)، (جونز هابكينز) (ماى كلينيك). وبجانب ذلك توفر الولايات المتحدة أكثر من 50% من الإنتاج الثقافى العالمى (كتب، مجلات، جرائد، أفلام، ومطبوعات وأبحاث علمية).

أما فى مجال العلوم والآداب، فمجموع ما حصل عليه الأمريكيون من جائزة نوبل منذ أن بدأت عام 1901 يبلغ 326 جائزة أو 40% من إجمالى كل جوائز نوبل، إذ حصلت على 63 فى الكيمياء، و22 جائزة فى السلام و12 جائزة فى الأدب و47 فى الاقتصاد و88 فى الفيزياء و94 فى الطب.

ومن الصعوبة تصور عدم استفادة البشرية جمعاء من نتائج أبحاث هؤلاء العلماء وغيرهم.

الولايات المتحدة حالة فريدة بحيث تجمع بين نقائض عديدة لا يصح معها أن نتعامل فقط مع القرارات الأمريكية دون النظر إلى الأسباب التى تجعل هذه الإدارة أو تلك تتبنى سياسة معينة. ومن الخطأ صياغة صورة نمطية تتجاهل زوايا وأبعادا مركبة وتفصيلية فى تلك الصورة، فالتقييم السلبى للولايات المتحدة كمصدر للكثير من أزمات المنطقة لم يحل دون احتلالها كنموذج سياسى وثقافى واقتصادى لموقع متقدم فى تقديرات الرأى العام المصرى والعربى.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات