سمتان لأسلوب الحكم - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سمتان لأسلوب الحكم

نشر فى : السبت 14 يناير 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 14 يناير 2017 - 9:40 م
خلال فترة لا تنقص أو تزيد على الشهرين إلّا قليلا، اتخذت قرارات واعتمدت أو نوقشت قوانين قابلها غضب واحتجاج بين قطاعات واسعة من الرأى العام، وتحفظ واعتراض على سلامتها ممن تنطبق عليهم وتخص مهنهم أو أنشطتهم، وبين المهتمين بالحياة السياسية فى البلاد بشكل أعمّ. ليس المقصود من هذا المقال التعليق على كل قرار أو قانون من تلك المشار إليها، فلقد تولت ذلك بكفاءة أقلام عديدة كما أن هذه الساحة تعرّضت من قبل لبعض منها. سنكتفى هنا بتحديد ماهية هذه القرارات والقوانين والتعقيب على كل منها تعقيبا مقتضبا. أما الغرض من المقال فهو الكشف عن سمتين أساسيتين من سمات أسلوب حكم البلاد فى الوقت الحالى.

القرارات شملت إذاعة أشرطة نتجت عن تنصت غير قانونى على أحاديث خاصة لشخصية عامة بما فى ذلك حديث له مع من كان عندئذ رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة. ومن القرارات أيضا الإحالة المفاجئة إلى مجلس النوّاب لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية التى تنتقل بمقتضاها إلى هذه الأخيرة ممارسة السيادة على جزيرتى تيران وصنافير، على الرغم من أن الاتفاقية وأمر تسليم الجزيرتين مازال معروضا على القضاء لم يقل فيه كلمته الأخيرة بعد. ويرتبط بهذا القرار قرار آخر هو ذلك الخاص بالقبض على الشباب المتظاهر اعتراضا على إحالة الاتفاقية إلى البرلمان.

تعويم الجنيه المصرى الذى كان معروفا أنه سيترتب عليه انخفاض قيمته أمام جميع العملات الأخرى ومن ثم ارتفاع الأسعار قرار إضافى اتخذ، دون النظر فى تخفيف آثار ارتفاع الأسعار هذا على الفئات والطبقات الأضعف فى المجتمع، ومن غير التشاور مع المنتجين الذين ترتفع عليهم أسعار مدخلات الإنتاج. وصاحب هذا القرار، قرارٌ آخر بتخفيض الدعم المقدم لأنواع من المحروقات ولاستهلاك الكهرباء وهو ما يفاقم ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وتكلفة عمليات الإنتاج. والقراران السابقان مرتبطان بقرار الدخول فى اتفاقية مع صندوق النقد الدولى بدون أى نوع من التشاور مع المتأثرين بها أو إسهام منهم فى ضبط شروطها. فى مجال السياسة الخارجية اتخذ قرار بسحب تبنى مصر لقرار كانت قد تقدّمت به فعلا إلى مجلس الأمن الدولى يدين سياسة الاستيطان الإسرائيلية على الرغم من توافق آراء المجتمع الدولى على إدانة هذه السياسة، دعك من أن مصر هى التى كانت قد صاغت مشروع القرار باعتبار أنها العضو العربى فى مجلس الأمن واتساقا مع موقفها البديهى من الاستيطان.

أما القوانين فهى تخص الجمعيات الأهلية، والإعلام، وتعيين رؤساء الهيئات القضائية. القوانين الثلاثة اعترض عليها المعنيون بها. القانون الأول تجاهل مشروعا اشتركت فى إعداده الجمعيات الأهلية فى جهد رعته ووجهته الحكومة نفسها، وهو قانون يكرس سيطرة الدولة على الجمعيات الأهلية ويفرغها من معناها ويحول بينها وبين الأدوار التى تلعبها فى خدمة المجتمع. القانون الثانى تجاهل بدوره مشروع قانون موحّد للإعلام كان المعنيون بالقانون قد أعدّوه وناقشوه مع الدولة، وجاء القانون المعتمد ليقسِّم حقل الإعلام وليضفى «شرعية» على تدخل الدولة فى شئون الإعلام وتقييدها لحريته عن طريق فرض سيطرتها على مجالس أقسامه المختلفة. أما قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية فهو يكرّس لتدخل سافر فى شئون السلطة القضائية لا سابقة له. وأخيرا تجرى مناقشة إصدار قانون لتنظيم انتخابات المجالس المحلية يأخذ بنظام القائمة المغلقة وبحيث تنتهى هذه الانتخابات إلى أن يسود المجالسَ المحلية لون سياسى واحد هو نفس اللون السائد فى مجلس النوّاب.

***
هذا العدد الهائل من القرارات والقوانين، قياسا بالفترة القصيرة التى اتخذت فيها، بدون اكتراث بما أثارته كلها من لغط واحتجاج واعتراض يكشف عن السمتين الأساسيتين لأسلوب الحكم الحالى، الأولى هى اتخاذ القرار من جانب واحد وفرضه على المجتمع وكل الفاعلين السياسيين، أما الثانية فهى ضرب عرض الحائط بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو المبدأ الحيوى فى بناء الدولة الحديثة.
اتخاذ القرار من جانب واحد واضح فى مفاجأة المجتمع وبدون سابق إنذار بالقرارات الواحد تلو الآخر، وبغير تشاور مع المعنيين بها أو المتخصصين فيها. هذا ينطبق على قرارات إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، وتعويم الجنيه، وتخفيض الدعم، وسحب مشروع قرار إدانة سياسة الاستيطان الإسرائيلية فى مجلس الأمن. ويرتبط باتخاذ القرار من جانب واحد أنه يتخذ بشكل تعوزه الشفافية تماما. ليست معروفة خطوات اتخاذ القرارات المختلفة ولا من هو الطرف الواحد الذى اتخذ كلا منها. معرفة مراحل عملية اتخاذ القرار وأطرافها هامة لتحليل السياسات ولمواجهة آثارها ولتوقع اتخاذ قرارات جديدة فى المستقبل. فى المجال الاقتصادى مثلا هذا التوقع حيوى بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين، فعلى ضوئه هم يتخذون قراراتهم الاستثمارية وهى قرارات تؤثر فى حجم الإنتاج وفى توزيعه وفى مستوى التشغيل، أى فى توليد الدخل وتوزيعه على العاملين، وبالتالى فى مجمل النشاط الاقتصادى. من ذا الذى اتخذ قرار تعويم الجنيه؟ هل هو محافظ البنك المركزى، أم هو مجلس الوزراء، أم هو رئيس الجمهورية؟ وما هى مبررات الإحالة الفجائية لاتفاقية ترسيم الحدود إلى مجلس النوّاب بينما القضاء ينظر فيها ومن اتخذ قرار الإحالة، بصرف النظر عن أن مجلس الوزراء هو الذى أحالها شكلا؟ ومن الذى قرر القبض على الشباب المتظاهر اعتراضا على هذه الإحالة مستهترا بهذا الاعتراض على الرغم من أن القضاء حكم بالإفراج عن الشباب الذى تظاهر ضد الاتفاقية فى الربيع الماضى؟
السمة الثانية وهى ضرب عرض الحائط بمبدأ الفصل بين السلطات جلية تماما فى إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية إلى مجلس النوّاب بينما القضاء ينظر فى منازعة بشأن وقف تنفيذها. أريق حبر كثير بشأن مخالفة قرار الإحالة للدستور فلا حاجة بنا لسوق أوجه هذه المخالفة. المهم فى سياقنا أن فى هذه الإحالة تعدّيا صارخا على اختصاص السلطة القضائية من جانب السلطة التنفيذية، أيا كانت الجهات المنتمية إلى هذه السلطة التى اتخذت قرار الإحالة. تنفيذ الاتفاقية المبرمة مع صندوق النقد الدولى من قبل عرضها على مجلس النواب ازدراء لوظيفة السلطة التشريعية وهو بدوره تعدّ على مبدأ الفصل بينها وبين السلطة التنفيذية. دهسٌ إذن للفصل بين السلطة التنفيذية، من جانب، وكل من السلطتين القضائية والتشريعية، من جانب آخر.
من بين القوانين الأربعة المذكورة اثنان يكشفان عن أن الدولة عن طريق السلطة التنفيذية عازمةٌ على ابتلاع كل من المجتمع الأهلى والإعلام، واثنان يتضح فيهما بجلاء عقد النيّة على العدوان جهارا نهارا على مبدأ الفصل بين السلطات. كما بيّن الكثيرون، اختيار رئيس الجمهورية لرؤساء الهيئات القضائية يفتح الباب للتلاعب فى بنية كل من هذه الهيئات وتماسكها. قانون انتخابات الحكم المحلى يراد له أن يكون امتدادا لقانون انتخابات مجلس النوّاب لتنعدم بذلك وظيفة الرقابة الفعلية على أداء السلطة التنفيذية على المستوى المحلى، كما انعدمت الرقابة السياسية الفعلية من قبل مجلس النوّاب على المستوى الوطنى، واقتصرت «الرقابة» على الجوانب الفنية والجنائية تضطلع بها هيئات، أيا كانت حسن نواياها، فهى رهن فى أدائها لوظائفها برضاء السلطة التنفيذية نفسها عنها فهذه السلطة تستطيع عزل رؤساء الهيئات «الرقابية» بمقتضى القانون الصادر فى سنة 2015. وفوق هذا كله فليس أكثر تعبيرا عن ضرب عرض الحائط بمبدأ الفصل بين السلطات من التماهى بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فى إصدار القوانين المذكورة. بدلا من أن تدافع السلطة التشريعية عن استقلال المجتمع الأهلى وعن حرية الإعلام وعن استقلال السلطة القضائية، فهى التى تسرع إلى تقييدها.
***
نفترض أن حسن النيّة والرغبة فى حرق المراحل والعدو نحو مستقبل أفضل وراء القرارات المتخذة سريعا من جانب واحد، وأنها المبرر لتجاهل الفصل بين السلطات ولتجميعها. غير أنه من الواجب التنبيه إلى أن كل الأنظمة السياسية التى اتخذت فيها القرارات بشكل منفرد والتى جمّعت السلطات، بدلا من أن تفصلها لتتوازن فيما بينها، قد أوردت بلادها موارد التهلكة. لنا عبرة فى الأنظمة الفاشية فى أوروبا وفى غيرها، فيما بين الحربين العالميتين وما بعدهما، وقريبا منّا فى الحكمين البعثيين فى العراق وسوريا.
التشاور والتفاوض هما جوهر السياسة. من دونهما لا تحكم أى بلاد بشكل كفء وفعّال. السلطات الثلاث ليست زينةُ ولا حلية. والفصل بينها، وممارسة كل منها لوظائفها بشكل فعلى ومستقل، هما لب بناء أى دولة حديثة والطريق الوحيد للوصول إليها.

 

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات