الإسلام كما أدين به.. 15ــ الإنسان بالإنسان مع القرآن - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به.. 15ــ الإنسان بالإنسان مع القرآن

نشر فى : الخميس 14 أبريل 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 14 أبريل 2016 - 10:00 م
ــ1ــ

من عظيم رحمة الله ولطفه أنه سبحانه لا يتركهم لـ«المجهول»، ولا يتركهم يتخبطون فى هذه الحياة عشوائيا ثم يحاسبهم. كلا فإن عدل الله سبحانه اقتضى أن يعد الإنسان إعدادا كافلا لمواجهة الحياة، ثم يرسم ويبين له كيفية إعمار الحياة والوسائل الآمنة لذلك، ثم يوضح له القواعد العامة لإنجاز دوره فى سيادته بين المخلوقات الأخرى. وقد أوضح سبحانه كل ذلك فى كتبه المنزلة على أنبيائه وختم جميع ما أنزله بـ«القرآن الكريم» وقضى سبحانه أن يبقى القرآن محفوظا واضحا سهلا مجانيا لكل من يريد وفى الوقت الذى يريد، إذ لا يوجد حجاب ولا مانع يحول بين أى إنسان وبين هذا القرآن الخاتم لجميع الكتب السماوية.

ــ2ــ

والقرآن الكريم يتميز بأنه كتاب ميسر لكل من يريد أن يعرف ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ))، فمجرد قراءة القرآن أو سماعه يجعل الإنسان على علم بـ«إرادة الله» و«شريعة الله» وما له وما عليه.. ولا يغرنك كثرة التكاليف ولا تخف من ملايين الكتب والكلمات التى كتبها المفسرون والشراح والشيوخ، فكل ذلك يعبر عن «الفهم البشرى للقرآن»، ولذلك تعددت المذاهب وتكاثرت الأقوال مما تسبب فى تقطيع الأمة وتفكيك كلمتها. بل إن كثيرا من هذا «الفكر البشرى» جعل المسلمين ــ دون غيرهم ــ يقتل بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، ويخاصم بعضهم بعضا، فضلا عما تراه من تعاون بعضهم مع الأعداء، ويتصورون أنهم يعبدون الله عبادة صحيحة وأن الدين يسمح لهم بقتل إنسان ــ أى إنسان ــ مسلما كان أو غير مسلم متناسين ومتجاهلين أن الله جعل «الحفاظ على النفس البشرية» مرتبة عليا فى التدين أيا كانت تلك النفس مؤمنة أو غير مؤمنة.

ــ 3 ــ

فالقرآن الكريم ليس خاصا بمسائل العقيدة وحدها، وليست كل أوامره متعلقة بـ«الإيمان أو الكفر»، لكن القرآن يشتمل على ضوابط العقيدة التى تحدد معالم الإيمان وتبين مسببات الكفر ومظاهره. كما يشتمل القرآن الكريم على أحكام الشريعة المفروض اتباعها فى شئون الحياة، وأحكام الشريعة تجعل الملتزم بها طائع، أما غير الملتزم بها فهو عاص وآثم. وتضم الشريعة «قائمة محددة» بالمحرمات التى يجب على المسلم تركها والابتعاد عنها، وماعدا تلك القائمة فهو «حلال» مسموح للإنسان أن يمارسه وينتفع به. أما ما ورد فى تلك القائمة فهو حرام كما شرح القرآن ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).

ــ4ــ

ومع العقائد والشرائع يضم القرآن الكريم ضوابط الأخلاق التى إذا التزمها المسلم فاز بمكارم الأخلاق، وإذا خالفها كان مسيئا ومقصرا. ومع كل ذلك ففى القرآن أحكام المنهج العقلى الفطرى التى تقع فى دائرة (الصواب والخطأ). وعلى ذلك فليست كل أحكام القرآن خاصة بالإيمان والكفر، وليست كلها خاصة بالطاعة والمعصية، وليست كلها خاصة بالصواب والخطأ، وليست كلها مسائل إحسان وإساءة.. وكلها أحكام متعددة ومتكاملة.

ــ5ــ

لذلك جعل الله ثواب قراءة القرآن وسماعه كبيرا حتى يتعرف المسلم بنفسه على كلام الله وعلى ما فيه من رحمة وحكمة وخبرة ولطف وحلم لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.. فأكثر من قراءة القرآن ومحاولة تفهمه، وأكثر من سماعه والتفكر فيه.

يتبع
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات