هدنة أم تداعيات؟ - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هدنة أم تداعيات؟

نشر فى : الأحد 14 أغسطس 2022 - 8:25 م | آخر تحديث : الأحد 14 أغسطس 2022 - 8:25 م

نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب أحمد ناجى بتاريخ 10 أغسطس عرض فيه ملامح الهدنة الحالية فى اليمن وإخفاقها فى حل مسألة فتح الطرقات فى تعز ومحافظات أخرى، وهل ستؤدى إلى سلام دائم أم أن فتيل الحرب سيشتعل من جديد.. نعرض من المقال ما يلى.

مُدِّد وقف إطلاق النار فى اليمن، لكن جميع المؤشرات تدل على أن الحرب قد تستمر.
أدّت الهدنة الحالية فى اليمن إلى تراجع مؤقت فى حدّة النزاع الدائر فى البلاد. لكن الانتهاكات المتزايدة للهدنة والإخفاق فى التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يشيران إلى أن الوضع الحالى قد يكون مجرد تمهيد لجولة عنيفة جديدة من المواجهة العسكرية.
فى الثانى من أغسطس الجارى، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن توصّل الأفرقاء المتناحرين فى البلاد إلى اتفاق على تمديد الهدنة لشهرين إضافيين. هذا هو التمديد الثانى منذ دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ فى مطلع أبريل، بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والتحالف العربى الذى تقوده السعودية الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. وتشمل بنود الهدنة السماح بدخول سفن النفط إلى ميناء الحديدة والسماح برحلتين تجاريتين أسبوعيًا من مطار صنعاء وإليه. وينص الاتفاق أيضًا على أن المبعوث الخاص سوف «يدعو الأطراف إلى اجتماع للاتفاق على فتح طرق فى تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين من رجال ونساء وأطفال».
ساهمت الهدنة فى خفض عدد الاشتباكات العسكرية بين الأطراف، ولا سيما الهجمات عبر الحدود التى كانت ارتفعت وتيرتها إلى حد كبير فى مطلع العام الجارى. وأتاحت أيضًا لبعض اليمنيين الإفادة من الرحلات الجوية المباشرة إلى الأردن أو مصر عبر مطار صنعاء. وفى الوقت نفسه، ساهم تدفق المحروقات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين فى الحد من أزمة الوقود فى تلك المناطق، بعدما كانت قد بلغت ذروتها فى الفترة التى سبقت الاتفاق. والأهم أن الهدنة أفسحت المجال أمام المحادثات السياسية.
• • •
لكن يبدو أن الاتفاق تعثّر فى مسألة فتح الطرقات فى تعز ومحافظات أخرى، وهى إحدى نقاطه الأساسية. فقد تمكن مكتب المبعوث الخاص من رعاية محادثات مباشرة بين الطرفَين فى العاصمة الأردنية عمّان، لكن التوصل إلى تفاهم حول هذه القضية ظلّ بعيد المنال. وأدّى ذلك إلى خيبة أمل كبيرة لدى اليمنيين الذين ينظرون إلى فتح الطرقات بأنه مؤشر على جدّية الأفرقاء المتناحرين فى التخفيف من معاناتهم والتوصل إلى تفاهم سياسى أوسع.
تسهم مؤشرات أخرى أيضًا فى زيادة الشكوك بشأن استمرارية الهدنة. فقد سجّل مرصد Yemen Truce Monitor، الذى يديره مشروع البيانات عن مواقع وأحداث النزاعات المسلحة (Armed Conflict Location and Event Data Project) نحو 1860 خرقًا للهدنة حتى 29 يوليو، ما أسفر عن مقتل 316 شخصًا. ولكن لم تُسجَّل أى خروق من قبل التحالف العربى ضد الحوثيين، أو من قبل الحوثيين ضد السعودية أو الإمارات العربية المتحدة. لا بل إن جميع انتهاكات الهدنة كانت فى الجبهات الداخلية. اللافت أن الحوثيين يتحملون المسئولية الأكبر عن خرق الهدنة، إذ ارتكبوا نحو 1680 خرقًا، أو 95 فى المائة من المجموع، ما تسبب بمقتل 300 شخص.
تكشف هذه الأرقام لماذا ينظر عدد كبير من المدنيين إلى الهدنة بصورة أساسية على أنها هدنة أحادية من جانب الحكومة اليمنية، فيما اكتفى الحوثيون فقط بوقف الهجمات ضد بلدان التحالف. فى غضون ذلك، استمرت العمليات العسكرية الحوثية فى الكثير من المناطق الداخلية، ولا سيما تعز ومأرب. ومما ساعد على تصاعد هذه الانتهاكات هو أن الهدنة لا تشمل نشر فرق مراقبة للإشراف على مدى احترام الأفرقاء لبنودها، بل تم التعويل على حسن نية الأفرقاء فى تنفيذها.
على مسار آخر، استمرت المحادثات بين السعودية والحوثيين فى العاصمة العُمانية مسقط. لم تحقق هذه المحادثات أى تقدّم يُذكر حتى تاريخه، ولكنها قد تؤدّى إلى اتفاق سعودى ــ حوثى. وما يعنيه ذلك هو أن نمط الحرب اليمنية قد يكون فى صدد التغير. فالحكومة اليمنية مستثناة من محادثات مسقط، لذلك حتى لو توصل السعوديون والحوثيون إلى تفاهم، فمن المرجح استمرار الحرب فى اليمن بين الأطراف المحلية.
• • •
اليوم، تؤثّر ثلاث مسائل أساسية فى الهدنة والمفاوضات الجارية. أولًا، يعتبر الحوثيون أنهم الممثل الشرعى الوحيد لليمن وأنه لا يحق لأحد سواهم تمثيل البلاد. وينظرون إلى الحكومة المعترف بها دوليًا وخصومهم الآخرين بأنهم جزء من التحالف بقيادة السعودية، أو «مرتزقة» كما يصفونهم فى وسائل إعلامهم المحلية. وقد اكتسبت هذه القناعة زخمًا لأن الحوثيين يشعرون بأنهم انتصروا فى الحرب المستمرة منذ سبع سنوات، ولا سيما بعدما تمكّنوا من شن هجمات ضد أهداف استراتيجية داخل السعودية والإمارات.
ثانيًا، يبدو أن الحكومة اليمنية هى الرابط الأضعف فى المشهد السياسى والعسكرى الحالى. فمجلس القيادة الرئاسى لم يتمكن، منذ تشكيله فى مطلع أبريل بعد عزل الرئيس عبدربه منصور هادى، من تخطى الكثير من العوائق والتحديات التى تعترضه. ولم يذهب استيعابه لجميع المجموعات المناهضة للحوثيين أبعد من الإطار الرسمى، ولا يزال عاجزًا ومنقسمًا. وقد حدث تأخير فى توحيد المكونات العسكرية التى تنضوى فى إطار مجلس القيادة الرئاسى. ينعكس هذا الضعف على إخلال التوازن العسكرى الداخلى، الذى قد يؤدّى إلى انهيار الهدنة، وبالتالى عودة الأوضاع إلى المربع الأول.
ثالثًا، يرى التحالف بقيادة السعودية أنه يقوم بدور الوسيط، لا بصفته طرفًا رئيسيًا فى الحرب. تقوم الاستراتيجية الجديدة التى تنتهجها الرياض وأبوظبى على تصوير الحرب على أنها شأن يمنى محلى، من دون ذكر الدور الذى تؤدّيانه منذ مارس 2015. وقد باتت هذه المقاربة سائدة بعدما أنشأت الدولتان كيانات محلية تابعة لهما للدفاع عن مصالحهما. وليس مفاجئًا أن السعوديين يركّزون فى مباحثاتهم مع الحوثيين على وقف الهجمات عبر الحدود، لا على معالجة المسائل اليمنية الداخلية.
ليست الهدنة غاية فى حد ذاتها، بل هى مجرد محطة يمكن أن تؤدّى إما إلى وقف دائم لإطلاق النار وإما إلى فصل جديد من الحرب المدمرة إذا لم يُستفَد منها. نشهد ظهور أوضاع مقلقة تتضاءل معها فرص السلام فيما يتجاهل المشاركون فى الحرب، على نحو متهوّر، مصالح المدنيين. وهكذا، يصبح اليمن تجسيدًا لدولة فشلت فيها الحرب والسلام على السواء.
النص الأصلى:

التعليقات