الحرب على غزة.. وجولة بلينكن الثانية فى المنطقة - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 9:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب على غزة.. وجولة بلينكن الثانية فى المنطقة

نشر فى : الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 6:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 6:25 م

قام وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن بجولة فى الشرق الأوسط للمرة الثانية خلال أقل من شهر. وشملت جولته عدة دول متصلة مباشرة أو بطريق غير مباشر بالحرب الدائرة فى غزة منذ قيام المقاومة الفلسطينية بعملية «طوفان الأقصى» ضد قاعدة عسكرية إسرائيلية ومجموعة من المستوطنات الإسرائيلية الواقعة فيما يعرف بغلاف غزة، يوم 7 أكتوبر 2023، وما أثارته من حالة من الفزع الشديد سواء فى إسرائيل على جميع المستويات، أو فى الولايات المتحدة الأمريكية على أعلى المستويات والمسارعة بحشد كل الدعم السياسى والعسكرى والمالى لإسرائيل من أجل مواجهة الصدمة واستعادة الثقة التى أصيبت بشرخ عميق من جراء العملية الفلسطينية، واندفاع إسرائيل فى حرب جنونية تدميرية على غزة وقتل آلاف المدنيين وتدمير المستشفيات والمساجد والكنائس ومرافق المياه والكهرباء، وفرض حصار شامل على غزة.
لوحظ أن بلينكن فى جولته الثانية التى بدأها بإسرائيل فى 3 نوفمبر 2023، كان أكثر هدوءا وهو يحاول إظهار شىء من التوافق المحدود للغاية مع حالة الاستنكار الإقليمى والدولى للمجازر التى تقوم بها القوات الإسرائيلية فى غزة، وذلك بخلاف تصريحاته فى المرة الأولى عندما جاء لمواساة إسرائيل وقال وقتئذ إنه لم يأتِ فقط بصفته وزيرا للخارجية الأمريكية، وإنما كيهودى نجا زوج أمه من الهولوكوست، وراح يصف حركة حماس بأنها حركة إرهابية مثل داعش وأنه يجب القضاء عليها تماما فى غزة. ويبدو أن بلينكن نسى أن داعش فرع من القاعدة التى أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية فى أفغانستان فى تسعينيات القرن العشرين وأن فرعها الذى سمى نفسه «الدولة الإسلامية للعراق والشام» واختصارها «داعش» بدأ فى العراق فى ظل الاحتلال الأمريكى، بينما المقاومة الفلسطينية، وهى ليست حماس وحدها حيث تشاركها تنظيمات أخرى، ولم تنجح وحشية القتل الإسرائيلى العمد للمدنيين الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيوخا، وتشريدهم بعد هدم منازلهم، أن تجبرهم على ترك غزة، ولا أن تفرق بينهم وبين المقاومة الفلسطينية رغم تحول غزة إلى قطعة من الجحيم على أيدى الإسرائيليين وبدعم أمريكى وغربى.
• • •
وقد لاحظ الأمريكيون أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو ليس لديها هدف أو خطة محددة من وراء عملياتها العسكرية فى غزة، وماذا سيئول إليه الوضع بعد انتهاء الحرب. وجاءت باربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكى، إلى إسرائيل قبيل جولة بلينكن الثانية بنحو أسبوع من أجل بلورة خطة لما بعد انتهاء الحرب فى غزة، ولكن اتضح عقب لقاء بلينكن مع نتنياهو، ورئيس إسرائيل هيرتسوج، اختلاف فى المواقف حيث يرى نتنياهو أنه، بعد القضاء على القوة العسكرية وحكم حماس فى غزة، فإن إسرائيل ستبقى مسيطرة على الأمن فى قطاع غزة وافتراضه أنه سيقضى على حماس، إلا أن هذا يعنى أن إسرائيل ستعود إلى احتلال غزة. وظهرت خلافات بين القيادات السياسية الإسرائيلية، ويرى رؤساء حكومات إسرائيلية سابقين أن عودة إسرائيل إلى احتلال غزة عملية مكلفة عسكريا فى مواجهة استمرار المقاومة الفلسطينية ضد الوجود الإسرائيلى فى غزة، وهو من الأسباب التى دعت حكومة شارون إلى الانسحاب الأحادى من غزة فى عام 2005. كما ستكون إسرائيل مسئولة عن جميع الأوضاع المعيشية والخدمات والتعليم والرعاية الصحية فى القطاع. ويرى بعضهم الاستمرار فى حصار غزة ومواجهة أى أعمال مقاومة فلسطينية. كما ظهرت انتقادات لإطالة حرب إسرائيل على غزة لما تسببه من أعباء وأزمات اقتصادية ومالية وحالات إغلاق لبعض الأعمال سواء لتوقف السياحة أو استدعاء العاملين فيها ضمن جنود الاحتياط فى التعبئة للحرب فى غزة والتأهب لأى احتمالات مهاجمات من حزب الله فى جنوب لبنان.
وقد التقى بلينكن مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس يوم 5 نوفمبر 2023، وعرض رأى الإدارة الأمريكية فى وضع غزة بعد انتهاء الحرب، مؤكدا أنه لا عودة للوضع الذى كان قائما قبل 7 أكتوبر 2023، وأن واشنطن والدول الغربية يدعمون حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس، مع السعى لمواجهة الأوضاع الإنسانية فى غزة، وأن واشنطن تفضل حل فيه مزيج من السلطة الفلسطينية، بالتعاون مع منظمات دولية، وربما قوات حفظ سلام، والسعى إلى فتح آفاق الأمل لمسيرة تفضى إلى حل الدولتين، وأنه يسعى لحشد الدعم العربى والغربى، ومهما كانا متواضعين، إلا أنهما يسهمان فى الجهود الرامية إلى تخفيف الظروف المتدهورة فى الشرق الأوسط لمواجهة الأزمة الحالية، والمساعدة فى التحرك نحو إعادة توحيد غزة والضفة الغربية لإعطاء السلطة الفلسطينية الفرصة لتضطلع بدور محورى فيما سيأتى بعد الحرب فى غزة.
أوضح الرئيس محمود عباس لبلينكن أن عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة مرتبط بحل سياسى شامل للصراع، لأن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، والسلطة تتحمل المسئولية كاملة فى إطار حل سياسى شامل على كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. وطالب بالوقف الفورى للحرب المدمرة، والإسراع فى تقديم المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية ووقود ومياه للفلسطينيين فى غزة. وأشار إلى أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطينى فى غزة دون اعتبار للقانون الدولى، وتساءل عن كيف يمكن السكوت على قتل إسرائيل أكثر من اثنى عشرة ألف فلسطينى من بينهم 4 آلاف طفل، وأكثر من 28 ألف جريح، وتدمير عشرات الآلاف من المساكن والبنية التحتية والمستشفيات ومراكز الإيواء وخزانات المياه. وحذر من التهجير القسرى للفلسطينيين خارج غزة أو الضفة الغربية وأكد رفض ذلك رفضا قاطعا، وأشار إلى أن ما يحدث فى الضفة الغربية والقدس لا يقل فظاعة من قتل واعتداءات على البشر والمقدسات والأراضى على أيدى قوات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين الإرهابيين الذين يقومون بجرائم التطهير العرقى وأعمال القرصنة على أموال الفلسطينيين، وطالب بوقف تلك الجرائم فورا، وأكد أن الأمن والسلام يتحققان بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967.
• • •
وقد اجتمع بلينكن فى الأردن مع وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية وقطر والإمارات وممثل للسلطة الفلسطينية يوم 4 نوفمبر 2023، واتضح من المؤتمر الصحفى المشترك لبلينكن مع وزيرى خارجية مصر والأردن وجود تباين فى المواقف سواء لمفهوم حق الدفاع عن النفس الذى لا يعنى بأى حال قيام إسرائيل بقتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير منازلهم وفرض حصار كامل عليهم، وكذلك ضرورة وأهمية وقف القتال، حيث اكتفى بلينكن بالحديث عن هدنة إنسانية لفترة زمنية محدودة وتأمين وصول المساعدات الإنسانية. وهو ما رد عليه نتنياهو بعد ذلك بأنه قد يكون هناك وقف للقتال «ساعة هنا، وساعة هناك» مقابل إفراج حماس عن من لديها من أسرى. وقد أوضح الوزير سامح شكرى وجوب ضمان استمرار وصول المساعدات الكافية للفلسطينيين فى غزة، وعدم قبول التبرير الإسرائيلى بما تدعيه من حق الدفاع عن النفس فى غزة، ورفض محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول المنطقة، والمطالبة بتحقيق دولى فى انتهاكات إسرائيل فى قطاع غزة، ومسئولية المجتمع الدولى بشكل دائم عن وقف العنف وحماية المدنيين.
اتجه بلينكن إلى العراق فى إطار المساعى الأمريكية لتأمين مصالحها فى المنطقة وعدم دخول أطراف أخرى فى الحرب على غزة، خاصة أن القواعد العسكرية الأمريكية فى العراق تعرضت لتهديدات واعتداءات من قبل بعض المليشيات العراقية، وطالب الحكومة العراقية بوقف هذه الاعتداءات. كما حمل بلينكن رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى رسالة إلى إيران حملها فى اليوم التالى إلى طهران والتقى بالرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى، فى إطار السعى من أجل عدم اتساع دائرة الصراع بما لإيران من علاقات خاصة وتأثير على كل من حزب الله فى لبنان وحركة حماس فى غزة والحوثيين فى اليمن.
وكانت تركيا المحطة الأخيرة فى جولة بلينكن فى المنطقة، وكان استقباله فى أنقرة فاترا للغاية ورسميا حيث لم يقابله وزير الخارجية التركى هاكان فيدان فى المطار معاملة بالمثل، ثم تفادى محاولة بلينكن عناقه عند وصوله إلى وزارة الخارجية التركية، واعتذروا له عن مقابلة الرئيس أردوغان لوجوده فى جولة فى شمال تركيا. وهدفت زيارة بلينكن إلى إجراء مباحثات بشأن وجود ممثلين لحماس فى تركيا والمساعدات التى تتلقاها سواء من الجالية الفلسطينية فى تركيا، وعدد كبير منهم لهم أعمال وتجارة ودعم للمقاومة الفلسطينية سواء فى غزة أو فى الضفة الغربية، وكذا الوقوف على رأى تركيا فى مرحلة ما بعد الحرب فى غزة.
• • •
وقد خرج بلينكن بنتائج تشير إلى أن الأطراف الأخرى الداعمة للفلسطينيين ليس فى نيتها التدخل مباشرة فى الحرب على غزة حتى الآن إلا إذا تخطت إسرائيل حدودا لا يمكن قبولها بأى حال، وكذلك رفض مصر المشاركة فى إدارة غزة أو المشاركة فيما هو مقترح من قوات لحفظ السلام، وأيقن بلينكن أن مسألة القضاء نهائيا على حماس أمر غير واقعى، وأصبح أكثر اقتناعا بضرورة وأهمية الإسراع بالعمل على إنجاز حل الدولتين.
لذا فقد أدلى بلينكن بتصريحات مهمة على هامش مؤتمر وزراء خارجية مجموعة السبع فى طوكيو يوم 8 نوفمبر 2023، أكد فيها على عدم قبول عودة إسرائيل لاحتلال غزة أو اقتطاع جزء منها، ورفض التهجير القسرى لسكان غزة والمطالبة برفع الحصار عنهم، والإعراب عن الأمل فى إنهاء الحرب فى غزة فى أسرع وقت ممكن.
وقد تشير هذه التصريحات إلى ممارسة الضغوط لإقناع الإسرائيليين بهدنة إنسانية لأيام، وعدم عرقلة دخول المساعدات الإنسانية وخروج المصابين الفلسطينيين من غزة للعلاج. أما حل الدولتين فإنه يحتاج بعض الوقت بعد انتهاء الحرب وتغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية. وقد أبدى إسماعيل هنية أن حماس تقبل أن تكون ضمن حل الدولتين، وهذا تطور إيجابى يساعد على التقارب مع السلطة الفلسطينية، ويدحض ادعاء إسرائيل بعدم وجود طرف فلسطينى للتفاوض على الحل السياسى للقضية الفلسطينية.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات