تعلموا قيادة طائراتكم - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعلموا قيادة طائراتكم

نشر فى : الإثنين 17 يناير 2011 - 10:03 ص | آخر تحديث : الإثنين 17 يناير 2011 - 10:03 ص

 لا أعرف لماذا تعجب الكثيرون مما قاله رئيس حزب التجمع رفعت السعيد فى تصريحاته لـ«الشروق»، تعليقا على الانتفاضة الخضراء فى تونس التى خلعت الرئيس بن على وأوجه الشبه مع الحالة المصرية.

قال وله كل الحق «إيه اللى جاب ده لده؟». فعلا الأوضاع فى تونس ليست هى ذاتها فى مصر. ولا الشاب التونسى محمد بوعزيزى الذى حصل على شهادة جامعية، واضطرته ظروف البطالة أن يبيع خضرا وفاكهة على الرصيف فى بلدته سيدى أبوزيد، وحرمته الشرطة من هذا الترف، فلم يجد بديلا سوى الانتحار.

هذا الشاب لا يتشابه فعلا مع الشاب محمد وأحمد ومينا أو هيثم ولا تامر هؤلاء الذين يفترشون أرض شارع فؤاد، وقصر النيل، وطلعت حرب، ويخبئون بضاعتهم فى أروقة العمارات فى وسط القاهرة.

أولا لأن الشاب بوعزيزى من المؤكد أنه يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية لأن تونس تدخل تعليم اللغات منذ المرحلة الابتدائية.

بينما هناك احتمال كبير أن يكون أقرانه من المصريين الحاصلين على الثانوية العامة يقرأون العربية بصعوبة، ولا يجيدون كتابتها بحكم تراجع جودة التعليم فى مصر بدرجة يشهد لها الدانى والقاصى. كما أنه يندر أن يكون بين أقران بوعزيزى فى تونس من لا يعرف القراءة والكتابة لأن نسبة الأمية فى تونس 10%، بينما هى فى مصر 30%.

والفرق الشاسع بين أن يبيع بوعزيزى خضارا وفاكهة فى بلدته، بينما فى وسط القاهرة يبيع الشباب العاطل القمصان والكرافتات الرجالى، والأحذية والشنط الحريمى، وحقائب اللاب توب الصينية لزوم تلبية احتياجات الطبقة المتوسطة فى مصر، التى لم يعد لديها سوى التخفى وراء مثل هذه السلع الرديئة كسلاح أخير للتحصن حتى لا تقع فى براثن الفقر. بينما الطبقة المتوسطة فى بلد بوعزيزى مازالت تشكل 81% من السكان، وهى التى كانت قبل 10 سنوات لا تزيد على ثلاثة أرباع السكان.

الحقيقة فعلا إيه اللى جاب ده لده؟. الشاب بوعزيزى ولد فى بلد نجح، فى ظل أشهر نظام قمعى فى المنطقة، أن يقلل من نسبة الفقر من 12.9% فى عام 1980 إلى أن وصل بها إلى 3.8% فى عام 2005، طبقا لما قالته منظمة العمل العربية فى تقريرها الثانى عن التشغيل فى الوطن العربى، والذى أعلن عنه العام الماضى .

بينما زادت نسبة الفقراء فى مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى 21% بعد أن كانت لا تزيد على 19%. وهؤلاء البائعون الجائلون يشترون البيضة فى مصر فى المتوسط حاليا بنحو 57 قرشا، وكيلو الفراخ 14 جنيها، وكيلو اللحم الكندوز 59 جنيها طبقا لآخر أسعار معلنة من جهاز الإحصاء.

ولكن كل هذا لا يعنى أن ده زى ده لأن هناك 750 ألف مصرى اشتروا أجهزة تكييف العام الماضى وهو ما استبق به السيد رئيس الوزراء أحمد نظيف الجميع، وكأنه كان يستشعر أن المشككين سوف يعقدون المقارنات بين ده وده. وكذلك بالتأكيد تونس لم تدخلها بعد البطاقة الذكية التى تعطى المصرى المستحق للدعم الحرية كل الحرية فى اختيار أن يأخذ العيش المدعم طازجا فى إيده وبين أن يأخذ حقه ناشف يعنى نقديا.

ويجب أن يعرف الذين لا يصدقون رئيس حزب التجمع عندما يقول إيه اللى جاب ده لده؟ يجب أن يعرفوا أن حد الفقر فى تونس هو 400 دينار فى الشهر، والدينار يساوى 4 جنيهات من اللى فى مصر، أى الذين يعيشون فى تونس بأقل من هذا المبلغ هم 3.8% من التونسيين، بينما حد الفقر فى مصر، طبقا للجهاز المركزى للإحصاء هو 215 جنيها ويعيش بأقل منه، فى تبات ونبات، 21% من المصريين. أبعد من هذا كله هناك من لا يصدق أن ده ياريته زى ده؟!

ولأصحاب الدماغ الناشفة الذين لايصدقون أن ده فى تونس، غير ده فى مصر عليهم أن ينظروا إلى الفساد فى تونس والذى وصل إلى أن أقارب كبار المسئولين يكونون ثرواتهم من الاتجار فى المخدرات بعد أن شبعوا من الاتجار فى الأراضى والمصانع والتجارة والمشروعات الخدمية، بينما والحق يقال إننا لم نسمع عن أحد من المليارديرات فى مصر يتاجر فى المخدرات، بل على العكس هم معروفون بالتقوى والورع ومساعدة الفقراء والمرضى من المكاسب التى حققوها من الاستيلاء على المصانع التى تم خصخصتها، وعلى الأراضى الزراعية والصحراوية التى حصلوا عليها ببلاش تقريبا، أو لنكون أكثر دقة بتراب الفلوس.

ولكن بصرف النظر عما إذا كان ده فى تونس هو ذاته ده فى مصر، فيجب من باب الاحتياط أن يبدأ من الآن كبار المسئولين وأقاربهم فى تعلم قيادة طائراتهم الخاصة، لأنه فى بعض الأحيان قد لايسعفهم تملك الطائرات فقط دون تعلم القيادة. ولنا فى تونس عبرة، حيث وصل الأمر إلى الحد الذى رفض فيه قائد الطائرة التى كانت قد أقلت أقارب الرئيس بن على أن يقلع بها. بل وساعده على القرار بعض رجال الأمن.

وربما يكون الطيار ده فى تونس زى الطيار ده هنا، ولا يقبل المهمة. فخذوا حذركم. وتعلموا قيادة الطائرات فقد تسلموا.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات