استقطاب فى الساحة السياسية الأمريكية - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استقطاب فى الساحة السياسية الأمريكية

نشر فى : الأربعاء 17 فبراير 2021 - 6:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 فبراير 2021 - 6:40 م

انتهى فى يوم ١٤ فبراير الجارى محاكمة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب أمام مجلس الشيوخ الأمريكى بتبرئته من التهم التى وجهت إليه بإثارة الفتنة والدعوة إلى العنف عقب أحداث اقتحام مبنى الكابيتول، وجاء التصويت ٥٧ لصالح الإدانة مقابل ٤٣ لصالح البراءة، أى أن أكثر من نصف أعضاء مجلس الشيوخ أدان ترامب، إلا أن الإدانة كانت تحتاج تصويت ٦٧ عضوا، أى ثلثى أعضاء مجلس الشيوخ.
كانت النتيجة متوقعة من معظم المراقبين، واستطاع الحزب الجمهورى أن يحافظ على الالتزام الحزبى بشكل كبير ولم يخرج عن الالتزام سوى سبعة أعضاء جمهوريين.
وهو أمر وإن أظهر انشقاقا فى الصفوف، إلا أنه لا يزال محدودا ولا يهدد سلامة الحزب.. إلا أن التطور الأكثر خطورة هو ما حدث قبل صدور حكم مجلس الشيوخ بأيام عندما اجتمع ١٢٠ من أعضاء الحزب الجمهورى الأمريكى لبحث الانفصال عن الحزب وتكوين حزب جديد، اقترحوا له اسم حزب الاستقامة Integrity Party أو حزب وسط اليمين. وتأتى هذه الحركة تعبيرا عن تضرر قطاع كبير من أعضاء الحزب من الشطط الذى قاده الرئيس السابق دونالد ترامب عن مبادئ الحزب الأساسية من احترام الدستور والدفاع عن أسس الديمقراطية الأمريكية فضلا عن نفور الناخبين من النزعة العنصرية الواضحة التى ظهرت بوضوح شديد أثناء فترة رئاسة ترامب وكان أبرزها موقفه من اللاتينيين والمسلمين والسود خاصة فى التعامل مع المحتجين على مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، وأخيرا وليس آخرا شخصنة الحزب إلى درجة دعت ابن ترامب أن يعلن جهرا أمام الإعلام أنه «لا يوجد الآن حزب جمهورى ولكن يوجد حزب دونالد ترامب».
صحيح أن 120 عضوا من حزب يبلغ عدد أعضائه 35 مليونا لا يمثلون شيئا يذكر، إلا أن الاجتماع ضم عددا من المسئولين الذين خدموا فى إدارات الرؤساء ترامب وجورج بوش الأب والابن ورونالد ريجان فضلا عن شخصيات ذات وزن فى الحزب مثل إيفان ماكولين رئيس السياسات فى الحزب الذى خاض الانتخابات الأولى الرئاسية كمستقل عام 2016 وميتش ماكونيل رئيس الأغلبية فى مجلس الشيوخ السابق وميلر تايلور المسئول فى مكتب الأمن الداخلى وهذا مؤشر واضح على شق فى صف الحزب.
ويزيد الشق وضوحا تصويت سبعة من أعضاء الكونجرس الجمهوريين لصالح إدانة الرئيس ترامب Impeach للمرة الثانية ورغم ضآلة العدد بالنسبة للعدد الكلى لأعضاء الكونجرس الجمهوريين الذى يبلغ عددهم 221 عضوا، إلا أنه يمثل سابقة للخروج من الالتزام الحزبى كما أن بعض الأسماء كانت ذات دلالة وأبرزها ليز تشاينى ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشاينى. وما زاد الشق عمقا العداوة العميقة التى بدأت تظهر تجاه من رآهم أنصار ترامب قد تخلوا عنه وكان على رأسهم مايك بنس نائب الرئيس الذى بلغ العداء له أن نصب المتظاهرون الذى اقتحموا الكابيتول مشنقة رمزية خارج المبنى عنوانا لنيتهم تجاهه. يضاف إلى ذلك أن عددا من أعضاء الكونجرس الذين صوتوا لصالح إدانة ترامب تلقوا تهديدات على حياتهم وعلى حياة أسرهم وأصبح الجو داخل الحزب مشحون بالكراهية والانقسام.
***
رغم خسارة ترامب الانتخابات، وهى هزيمة يظل يرفضها، ورغم إدانة مجلس النواب له، إلا أنه يظل يتمتع بنفوذ هائل يجعل معظم أعضاء الحزب الجمهورى يخشونه ويخشون بطشه لأنه الرجل الذى حصل على أصوات سبعين مليون أمريكى، والأخطر من ذلك أنه استطاع أن يبنى لنفسه ولاء شخصيا personal cult وأن ينظم منظمات شعبية متطرفة تدين بالولاء الشخصى له مثل تنظيم MAGA ــ وهو اختصار لـMake America Great Again ــ غير الرسمى. جعلت هذه الضغوط من ترامب رمزا مرهوبا من رموز الحزب وشاغلى المناصب التمثيلية، تجعلهم يخشون فقدان مناصبهم إذا فقدوا رضاءه عنهم بعد أن كسب ولاء قطاع كبير من الشعب بمخاطبته روح راعى البقر الكامنة فى النفوس بحديثه بين الأقوياء والضعفاء.
وشهدت محاكمة ترامب أمام مجلس الشيوخ جدالا شديدا، ففى حين اعتمد محامو ترامب ومؤيدوه على التعديل الأول فى الدستور First Amendment الذى يكفل للمواطن الأمريكى حرية الرأى وأن قول ترامب إن الانتخابات سرقت منه هو حق يتيحه له، بينما يرى المعارضون أنه تجاوز هذا الحق بالدعوة إلى الفتنة والعنف، فى حين يرى المدافعون عن ترامب أن الأفعال الشاذة لا تقابل إلا بردود فعل شاذة وأن التلاعب فى نتائج الانتخابات عمل شاذ يبرر الرد عليه بأعمال شاذة. وعلينا أن نعى فى هذا الصدد أن الدستور الأمريكى يرجح هذا التفسير، فالتعديل الثانى second amendment يكفل للمواطن حق حمل السلاح لمقاومة طغيان الحكومة إذا حادت عن طريق الحق والقانون. إن من شاهد أحداث المحاكمة التى جرت فى مجلس الشيوخ يكتشف مدى الغضب والانقسام الشديد بشأن هذه القضية. هل ينجح مجموعة الـ 120 فى تكوين حزب جديد؟
***
أشك فى ذلك كثيرا لعدم وجود شخصية كاريزمية قادرة على حشد الجماهير وراء الحزب الجديد، فلو حدث أن اختار المنشقون الانسلاخ عن الحزب الجمهورى فلن ينتج عنهم إلا حزب معدوم التأثير، فالمشكلة الرئيسية فى الولايات المتحدة هى انعدام الشخصيات السياسية القوية المؤثرة سواء فى الحزب الجمهورى أو الحزب الديمقراطى، فلو كان ضمن صفوف الجمهوريين شخصيات قوية لردعوا ترامب عن شطته وانحرافه منذ البداية ولما وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من التدنى ولو كان لدى الحزب الديمقراطى كادرات سياسية قوية لما اختاروا رجل بلغ الثامنة والسبعين من عمره عليل الصحة ليكون واجهة للحزب أمام ترامب.
التقطب على الساحة السياسية الأمريكية مستمر ولا توجد بارقة أمل فى بديل، فالحزبان الكبيران يسيطران تماما على الساحة والحزبان التاليان لهما؛ حزب التحرير Liberation Party الذى تأسس عام 1971 وهو حزب يمينى شعاره «قدر أقل من سلطة الحكومة وقدر أكثر من الحرية ــ Minimum Government، Maximum Freedom» ولا يتجاوز أعضاؤه 650 ألف عضو ويليه حزب الخضر الأمريكى Green Party of USA وهو حزب ليبرالى يعتمد على السود واللاتينو والمثليين ولا يتجاوز أعضاؤه 250 ألف عضو وبالنظر إلى الاختلاف البين فى عقيدتهما يستحيل لهما تكوين جبهة مشتركة.
إن ما يحدث فى الولايات المتحدة يهددها بفقدان مكانتها الرائدة فى العالم وفى قيادة ما أسمته العالم الحر، فما حدث من عنف متكرر من الشرطة ضد رجال سود غير مسلحين وآخرها مقتل جورج فلويد الدرامى والانتهاكات ضد المسلمين واللاتينيين بشكل هز كثيرا مكانتها الأخلاقية والهجوم الذى نظمه رئيسها ضد مبنى الكابيتول هز مكانتها الديمقراطية وأصبحت الصين تهدد مكانتها الصناعية والعلمية والتجاريةـ ولقد حاول ترامب أن يداعب مشاعر الشعب وطمأنته تجاه هذه الأخطار بشعار «اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى» MAGA، إلا أنه أدى برعونته إلى استعجال المشكلة باستفزاز حلفاء أمريكا التقليديين فى حلف شمال الأطلنطى وفى NAFTA وفى اليابان وعبر الباسفيك فضلا عن تصرفاته التى خلقت مواجهة شاذة مع مؤسسات الدولة والإعلام.
***
لقد بقيت القوات المسلحة الأمريكية بعيدة عن هذا الصراع حتى الآن، فهل تظل كذلك. لقد صدر بيان فى يوم 6 يناير الماضى غير مسبوق عن هيئة الأركان المشتركة ومعه رئيس الهيئة وقادة الأفرع الرئيسية جاء فيه أن الجنود أقسموا الولاء لدستور الولايات المتحدة وليس لأى شخص أو رئيس بعينه وأنهم يضمنون الدستور ويحمونه.
إن صدور هذا البيان يشير إلى قلق شديد من انتقال الانقسام إلى صفوف القوات المسلحة وإلا ما كانت هناك حاجة إلى صدوره، إن انتقال الانقسام إلى القوات المسلحة سيكون كارثة كبرى ليس على الولايات المتحدة وحدها بل على العالم بأسره. فلقد شهدنا نتيجة انقسامات القوات المسلحة فى سوريا والعراق وليبيا رغم محدودية تسليحها وتمركزها الجغرافى، إلا أن الأساطيل الأمريكية منتشرة فى البحار والمحيطات بغواصاتها حاملة الصواريخ النووية متعددة الرءوس وقواعدها الممتدة من جرينلاند إلى بريطانيا إلى جزيرة جوام واليابان وطائراتها القاذفة تجوب السماوات حاملة أسلحة الدمار الشامل، فلو لا قدر الله حدث انقسام بينها لشاهدنا أول حرب أهلية عالمية فى التاريخ.
أخيرا، هل تلعب أيادٍ خارجية لتأليب الصراع الداخلى فى الولايات المتحدة صينية أو روسية، هذا أمر ستكشف عنه الأيام القادمة ولكن من المؤكد أن الساحة السياسية الأمريكية ستشهد تغيرات كبيرة ولن تعود كما كانت من قبل.

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات