الإعصار التونسى - محمد عصمت - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإعصار التونسى

نشر فى : الثلاثاء 18 يناير 2011 - 9:54 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 يناير 2011 - 9:54 ص

 صفعة واحدة، لا أحد يدرى ظروفها بالضبط، تلقاها بائع الخضار التونسى محمد البوعزيزى من شرطية، لا أحد يذكر اسمها، كانت سببا كافيا لإسقاط النظام البوليسى المرعب للرئيس زين العابدين بن على ثم فراره هو نفسه مذعورا خارج بلاده التى حكمها بالحديد والنار على مدى 23 عاما.

البوعزيزى كان شابا بسيطا، أكمل تعليمه الجامعى بالعافية، ولم يجد أمامه أى فرصة عمل بعد تخرجه سوى بيع الخضار والفاكهة، وهو بالتأكيد ابن شرعى لنظام «بن على» الذى حارب الأصولية الإسلامية بمنتهى الضراوة، فهو مثلا لم يلف وسطه ــ على طريقة الجهاديين المتطرفين ــ بحزام ناسف وفجر نفسه فى مركز للشرطة احتجاجا على الصفعة التى شعر بأنها أهدرت كرامته، كما أنه لم يفجر سيارة مفخخة بجوار مبنى البلدية التى رفض موظفوها تجديد رخصة عربة الخضار التى توفر له دخلا يقيه بالكاد من الموت جوعا.. لكنه أشعل فى نفسه النار أمام عدسات الكاميرات ليضع نهاية حزينة لحياته البائسة، ونهاية دامية لواحد من أكثر النظم العربية قمعا وتسلطا.

وقد كانت الرسالة الأخيرة للبوعزيزى حينما كانت النار تأكل جسده، جلية واضحة، وهى أن هناك بديلا ثالثا للنظرية التى يروجها نظام «بن على» والتى تقول لحلفائه فى الغرب إن البديل للاستبداد السياسى فى العالم العربى هو سقوط الأنظمة العربية فى يد المتطرفين الإسلاميين المتأثرين بفكر القاعدة.. فحتى الآن لم يكن للإسلاميين ناقة ولا جمل فى إشعال الثورة التونسية، وهو ما يضعف هذه النظرية فى الغرب التى لن تستطيع حكوماته أن تقنع ناخبيها بأن تتخلى عن شعاراتها الليبرالية وأن تتجاهل معاركها التاريخية ضد الشيوعية من أجل نشر الديمقراطية، لكى تستمر فى دعم النظم العربية القمعية..

ما فعله البوعزيزى وضع الأنظمة العربية أمام إعصار ديمقراطى، لن تستطيع مواجهته بمبرراتها القديمة بتخويف الغرب من البديل الإسلامى، وبقمع قوى المعارضة أو شرائها، فهذه الأنظمة إن لم تسارع ــ بدون تأخير أو خجل ــ بإجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية، فسوف تواجه مفاجآت سياسية صعبة، وربما يلهم البوعزيزى عاطلين آخرين فى دول عربية أخرى يواجهون نفس القمع ونفس الفقر.. خاصة أن هذا الإعصار التونسى يجد ترحيبا متزايدا فى الشارع العربى، سوف يزداد بالتأكيد، خاصة إذا نجح النموذج التونسى فى إقامة حكم ديمقراطى حقيقى.

محمد عصمت كاتب صحفي