الشكر واجب لشعبى السودان والجزائر - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشكر واجب لشعبى السودان والجزائر

نشر فى : الجمعة 19 أبريل 2019 - 10:50 م | آخر تحديث : الجمعة 19 أبريل 2019 - 10:50 م

من أروع اللحظات التاريخية هى اللحظات التى ينتفض فيها شعب من الشعوب مطالبا بحقوقه الإنسانية بعد أن عاش مضطهدا أو مذلا من استعمار أجنبى أو حكام من بنيه ادعوا بأنهم ثوار لكنهم لم يكونوا يملكون أدوات الحكم ولا أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وبالتالى ونتيجة لكل ذلك يطول الوقت وتزداد المعاناة حتى يستطيع هذا الشعب أن يُعَدل مساره ويبدأ فى الطريق الصحيح لاسترداد حريته من حكامه أبناء وطنه، ولقد عاشت مصر ردحا طويلا من الزمن تحت حكم الاستعمار الإنجليزى من عام 1881 حتى عام 1952 وخلال هذه الفترة كان التوجه نحو الليبرالية السياسية والحرية الفردية وممارسة الديمقراطية تسير بخطى بطيئة وحثيثة وكانت ثورة 1919 نقطة تحول حقيقية فى مسار الشعب نحو التحرير من المستعمر والديمقراطية.. إلخ

ثم جاءت ثورة 1952 لتخلص البلاد من الاستعمار الإنجليزى ومن الحكم الملكى وقدمت حلولا شعبية لكنها ليست مدروسة بشكل كاف مثل إلغاء الأحزاب وتفتيت الثروة الزراعية ورفض الديمقراطية رغم أنها كانت واحدة من بنود الثورة الستة «بناء ديمقراطية سليمة» وكان لجمال عبدالناصر الكاريزما الكافية ليستمر فى الحكم رغم أخطائه القاتلة والتى تتلخص فى الوحدة الوهمية مع سوريا 1958 ونزوله بجيشه فى مستنقع اليمن 1962 وأخيرا الهزيمة بالضربة القاضية عام 1967 وإحتلال إسرائيل لأرض من مصر والبلاد العربية الأخرى.

وجاء أنور السادات ليسير فى طريق معاكس تماما فقد تحالف مع أمريكا وإسرائيل واسترد سيناء وفتح قناة السويس وإذا كانت نقص خبرة ناصر السياسية أوقعته فى أخطاء قاتلة، فأخطاء السادات هى التى جعلت التيار الإسلامى يتحكم فى توجهات الأمة فكان أول حاكم مصرى منذ الفراعنة يُغتال. وجاء حسنى مبارك والذى أعطى مصر استقرارا وهميا بمحاولة التوازن بين التيارات الإسلامية المتطرفة والتيارات العلمانية وقتل كل إبداع، وجاءت ثورات الربيع العربى التى قلبت المائدة على معظم حكام المنطقة وصعد إلى سدة الرئاسة التيار الإسلامى الإخوانى.

***
نجحت ثورات الربيع العربى فى تونس فقط وذلك لأن الشعب التونسى معروف عنه أنه شعب مثقف وواعٍ وتعامل مع الموقف بانحيازه للديمقراطية الحقيقية وأزاح حكم الإخوان بصناديق الانتخابات، لقد خَرب الربيع العربى سوريا وليبيا وما زالت معاناتهما قائمة فى محاولات الخروج من هذه الأزمة. أما فى مصر فلقد أنقذها الله بأن الذى صعد إلى سدة الرئاسة بعد الربيع العربى محمد مرسى واحد من قيادات الإخوان، وقد أخطأ هذا الرجل فى حق نفسه وحق جماعة الإخوان وحق بلده وكان السبب فى انهيار شعبية الإخوان وخروج الشعب فى 30 يونيو لاستعادة مصر من براثن هذه الجماعة.

وبالطبع جاء السيسى بانتخابات حرة رئيسا للجمهورية مستمتعا بشعبية طاغية، وكانت المدة الأولى من رئاسة السيسى حافلة بإنجازات متميزة من أهمها الإصلاح الاقتصادى والمشاريع الضخمة وتعميقه للوحدة الوطنية ببناء الكنائس التى أحرقها ودمرها الإخوان. ومن بداية المدة الثانية لرئاسة السيسى بدأ الحديث عن تعديل الدستور ووضع الشعب المصرى يده على قلبه خوفا من تأبيد الجكم، وهكذا بدأت المناورات فى داخل أروقة مجلس النواب الذى اقر التعديلات..بعض النواب كانوا يريدون ان تكون مدد الرئيس مفتوحة، لكن أعتقد أن هناك أمرين أوقفا هذا الاتجاه، الأول أن السيسى لم يشجع مثل هذا الاتجاه، وأعتقد أنه كان ينتظر الوقت المناسب ليعلن ذلك، والأمر الثانى هو ثورة الجزائر وثورة السودان.

***
لقد كانت السودان والتى يطلق عليها الإقليم الجنوبى لمصر فى ثورتها مفاجئة غير مسبوقة، وأنا شخصيا فوجئت بموقفهم الصلد والثابت ضد البشير بطريقة سلمية واعية ذكرتنى بالثلاثة أيام الأولى لربيع مصر قبل قفز الإخوان على الثورة. لا شك أنك تعلم ــ عزيزى القارئ ــ أن الإخوان تيار قوى فى السودان، بل إن البشير تحالف مع الإخوان للوصول للحكم وفصل الجنوب المسيحى عن دولة السودان، لكن للعجب كانت ثورة السودان رافضة لحركة الإخوان تماما رغم محاولاتهم القفز على الثورة إلا أن ثوار السودان لم يبلعوا الطعم وتمسكوا بسلمية الثورة، وهنا قام الجيش بانقلاب داخلى. واعتقل البشير فى مكان أمين وأيضا لم يبلع الشعب الطُعم ورفضوا رئاسة الضابط البديل .وجاء مجلس عسكرى وقد خلع الثياب العسكرية ولكن الشعب الواعى ما زال فى الشارع رافضا العودة إلى بيوتهم حتى يحقق حكومة مدنية مائة فى المئة.وهو نفس ما يحدث حتى الآن فى الجزائر.

فى التعديلات الدستورية جاءت بزيادة مدة الرئاسة من أربع سنوات إلى ستة وكذلك تم استحداث مادة انتقالية مع سريان هذا على الرئيس الحالى وتعديل ما يلزم ونصها كالتالى» تنتهى مدة رئيس الجمهورية الحالى بانقضاء 6 سنوات من تاريخ إعلان انتخابه فى 2018 ويجوز إعادة انتخابه لمرة تالية « ثم جرى تعديلها إلى الاتى: «لا يجوز أن يتولى الرئيس المنتخب لأكثر من مرتين». لقد سعدت جدا بهذا الأمر لأننا نسير فى الطريق الديمقراطى الصحيح دون أن نحتاج لثورة أخرى. لكن بجوار المواد التى أستحدثت لملء الفراغ هناك مواد تعتبر ثورة حقيقية مثل المادة 103 « بان يكون للمرأة نسبة محجوزة دستوريا لا تقل عن الربع « المادة 160 »،واستحداث منصب نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية وإعادة النظر فيما يحظر عليه فى حالة حلوله محل رئيس الجمهورية مادة 150 مكرر « لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا له أو أكثر ويحدد اختصاصاتهم» مادة 160 «إذا قام مانع مؤقت فيحل محل الرئيس نائب أو رئيس مجلس الوزراء، والمؤقتون لا يجوز لهم تعديل الدستور».

واضح الخوف من قفز أحد المحترفين محاولا تعديل الدستور بعد وصوله لرئاسة الجمهورية مدة مؤقتة بسبب مرض الرئيس أو أى أمر آخر، وأعتقد أنه لا توجد دساتير فى العالم تتحدث عن منح الرئيس امتيازات لنفسه، لكن تاريخ تغيير الرؤساء المصريون لمواد الدستور لصالحهم وأسرهم صار مرعبا للشعب.

من أهم المواد مادة 244 «تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج تمثيلا ملائما فى مجلس النواب وذلك على النحو الذى يحدده القانون».

وأنا أرجو للقوانين التى ستحدد هذا التمثيل أن يكون لكل فئة من هؤلاء مادة منفردة وأن تكون منصفة.

فى نهاية مقالى أرفع القبعة بكل احترام وإجلال لاخوتى فى الجنوب فقد كانوا يتعلمون منا ويتخذوننا قدوة لكن جاء الوقت لكى نتعلم منهم.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات