إخلاء سبيل الفساد بضمان محل إقامته - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إخلاء سبيل الفساد بضمان محل إقامته

نشر فى : الأحد 19 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 19 مايو 2013 - 8:00 ص

لا أعرف لماذا يتحمس وزير حديث العهد بالوزارة مثل يحيى حامد وزير الاستثمار للتصدى وحده، لمهمة ثقيلة وهى تحمل وزر التنصل من تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة باسترداد شركات قطاع الأعمال العام. التى تم خصخصتها فى ظل نظام ما قبل ثورة يناير. فكان الأفضل له وهو الوزير القادم توا من إحدى شركات الهواتف المحمولة، والذى لم تسعفه وظيفته خلال السنوات التى قضاها فى القطاع الخاص، أو شهور عمله بالقرب من الرئيس محمد مرسى أثناء حملته الانتخابية، فى الحصول على زاد كاف من الخبرات، يؤهله للدخول فى معترك القطاع العام، كان الأفضل له أن يتملص من هذه المهمة تاركا تبعاتها للحكومة.

 

ولكن على العكس سارع الوزير الشاب بعد أن وافق مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضى، على إدخال تعديل على قانون حوافز الاستثمار رقم 8 لعام 1997، فى اليوم التالى بإصدار بيان، يوضح فيه أن ما وافق عليه مجلس الوزراء كان بناء على مقترح منه شخصيا. أما التعديل الذى حرص الوزير أن يؤكد أنه من بنات أفكاره الشبابية، فهو ينص على أن لرئيس الوزراء أن يشكل لجنة تقوم «بتسوية الآثار المترتبة على تنفيذ الأحكام النهائية والباتة، الصادرة فى شأن العقود المبرمة بين المستثمرين وأجهزة الدولة، بما فيها شركات قطاع الأعمال القابضة والتابعة، وأن يكون للجنة الحق فى بيان الحلول المناسبة لتنفيذ مقتضى تلك الأحكام، واقتراح ما قد يقتضيه من تعديل فى العقود، أو إبرام عقود جديدة تحل محلها. وتراعى ما تضمنته الأحكام من أسباب، وتتجنب ما ساقته من أوجه العوار فى العقود».

 

وربما أهم ما جاء فى التعديل هو أن «تكون النتائج التى تخلص إليها لجنة التسويات نهائية وواجبة النفاذ، بعد اعتمادها من مجلس الوزراء، ودون حاجة لأى إجراء قضائى أو إدارى». والحقيقة أننى أشفق كثيرا على الوزير المستحدث فى العمل الوزارى من مغبة ما ألقى نفسه فيه. فهو لم يسرع فقط بإصدار بيان يؤكد فيه صلة النسب بينه وبين التعديل، ولكن سارع أيضا باتخاذ قرار فى ليل الأربعاء بعقد مؤتمر صحفى يوم الخميس داخل البورصة، ليعلن فيه عن خطته فى إجراء تسويات العقود. ويبدو أن رغبته العارمة فى قطع المراحل دفعت به إلى الذهاب قبل موعد المؤتمر بساعتين، فلم يجد بالطبع الصحفيين، وهو ما أحدث ارتباكا كان من شأنه إلغاء المؤتمر الصحفى.

 

●●●

 

والحقيقة أن السرعة التى يتحرك بها الوزير الجديد فى هذا الملف الشائك، الذى لم تتح له ظروف عمله السابقة أن يقترب منه. فهو بالطبع لم يشم يوما رائحة عنابر القطاع العام ولم يسمع قط صوت ماكينات شركاته ولم يكن لديه فرصة لكى يعفر حذاءه بتراب مصانعه، كما لم يتسن له تذوق طعم وجبة العمال فى أوقات الراحة أثناء ورديات عملهم. هذه السرعة التى يتحرك بها الوزير تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يقرأ حيثيات ولا حكم من الأحكام التى أبطلت عقود خصخصة ست شركات من قطاع الأعمال العام. لأنه لو كان قد قرأ واحدة من حيثيات تلك الأحكام لكان قد تمهل فى خطواته ولم يكن ليسارع بإلصاق التعديلات القانونية بشخصه. لأن الحيثيات التى بنت عليها المحكمة بطلان عقود الخصخصة هى شهادة موثقة لفساد مسئولى الحكم فى عهد مبارك، وليست مجرد خلاف على سعر «البيعة» يمكن برفع قيمتها أو بتغيير العقد ينتهى الأمر. وهى ربما الخبرات التى يجيدها الوزير المتحمس لمهمته التى يتعجل انجازها.

 

فهل يعرف الوزير مثلا لماذا أبطل القاضى عقد خصخصة شركة طنطا للكتان حتى يستطيع أن يضع تصورا مناسبا، يضرب به عصفورين بتسوية واحدة. تسوية يوفر بها للحكومة مخرجا تتنصل به من استعادة الشركة، ومن جهة أخرى تضمن عدم تعكير مزاج المشترى السعودى. الذى عليه طبقا للحكم القضائى أن يعيد الشركة للحكومة. والحقيقة أنه يبدو أن القاضى الذى أبطل الصفقة كان يتشكك فى نوايا الحكومة فى عدم استرداد الشركات، لأنه وضع حيثيات للحكم تجعل من عدم رد الشركات خيانة.

 

●●●

 

القاضى يقول فى حيثياته إن بيع شركة طنطا فيها مخالفة للدستور، وليس فقط للقانون. لأن شركة طنطا والأراضى التابعة لها كانت من الأصول التى تم تأميمها فى الستينيات. وبالتالى طبقا للدستور ولرأى المحكمة الدستورية العليا، وقسم الفتوى والتشريع فى مجلس الدولة لا يحق التصرف فيها بالبيع. لأن التأميم تم لأغراض المنفعة العامة ولا يحق لأى جهة إدارية أن تخرج عن الغرض المحدد للتأميم، حتى لو كان هذا الغرض هو سداد ديون الشركات الخاسرة طبقا لسياسة الخصخصة.

 

ولا أعرف كيف سيصل الوزير الشاب إلى تسوية فى قضية طنطا عندما يقرأ ما كتبه القاضى فى حيثياته من أن بيع الشركات العامة، ومنها طنطا للكتان تم بضغط من إرادة أجنبية، أرادت أن تخضع السيادة المصرية لسياسة الخصخصة. وسرد ضمن حيثياته تقريرا للسفارة الأمريكية فى عام 1991 يدعو الحكومة المصرية إلى اتباع سياسة الخصخصة ويجعلها شرطا للمنح الأمريكية. وكذلك عرض لبنود الاتفاقية التى تتيح لمصر منحة مقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ويتم بمقتضاها إلزام الطرف المصرى بتقديم تقارير سنوية عما تم فى الخصخصة. وكانت هذه المنحة هى وراء الرغبة الجامحة لإتمام عمليات الخصخصة فى أسرع وقت، وعلى أى نحو، خوفا من استبعاد المبالغ المتبقية من المنحة كما جاء فى الحيثيات.

 

واعتبر القاضى أن الصفقة هى خير شاهد على التدخل السافر فى شئون مصر الاقتصادية. وربط بين خصخصة شركة طنطا وغيرها من الشركات العامة وبين حزمة من الإجراءات الاقتصادية التى كانت الحكومة قد التزمت بها للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى.

 

●●●

 

ولا أعرف كيف سينجح الوزير المتحمس للتسويات أن يجد مخرجا لما أكد عليه القاضى من أن بيع الشركة تم بالمخالفة لقانون قطاع الأعمال نفسه. الذى نص على أن الخصخصة تتم طبقا للقواعد الواردة فى اللائحة التنفيذية. وهذه اللائحة تنص على أن البيع لا يكون إلا للشركات العاجزة عن تشغيل خطوط الإنتاج. أو التى يؤدى تشغيل تلك الخطوط إلى تحقيق خسائر. وهذا لم يكن متحققا فى حالة شركة طنطا للكتان التى كانت تحقق أرباحا قبل بيعها. والمدهش فى الأمر ما ذكره القاضى فى الحيثيات من أن رئيس جهاز المحاسبات السابق جودت الملط والذى كان عضوا فى اللجنة الوزارية للخصخصة وقت البيع، كان قد نصح الوزراء بضرورة تعديل اللائحة التنفيذية حتى يتم البيع طبقا للقانون. إلا أن أحدا فى ذلك الوقت لم يلتفت كثيرا إلى الأخذ بنصيحته. والأدهى من ذلك أن البيع تم بعدها بموافقة جميع أعضاء اللجنة بما فيهم رئيس الجهاز بالمخالفة للقانون.

 

الحيثيات مليئة بالتفاصيل التى تتجاوز كثيرا فى دقتها، وشموليتها خبرات الوزير الذى لا يرى فى عوار صفقات الخصخصة أكثر من عقود تمت باقل من قيمتها. وأن شطارته فى إقناع المستثمر بدفع حفنة ملايين تصلح ما أفسدته الخصخصة. ولكن إذا كلف الوزير نفسه، وقرأ حيثيات الأحكام التى أبطلت خصخصة الشركات الأخرى، لعرف أن الخصخصة هى شهادة على فساد عصر برجاله وبسياساته، وأن التسوية مع الفاسدين ما هى إلا رغبة حكومية دفينة فى إخلاء سبيل الفساد بحجة أننا نعرف محل إقامته.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات